تقارير

نازحون بمعسكرات دارفور يدعون لمراجعة اتفاق جوبا

ينتظرون السلام...

الخرطوم – انتقال

“اتفاق جوبا لا يختلف كثيراً عن اتفاق الدوحة وكل الاتفاقات السابقة بشأن دارفور”، يقول النازح عبد الحفيظ الغالي الذي يقطن بأحد معس

كرات النزوح بشمال دارفور، مبتدراً تعليقه على اتفاق سلام جوبا المُبرَم بين حكومة الفترة الانتقالية السابقة والحركات المُسلَّحة.

ويُضيف عبد الحفيظ في حديثه لـ”انتقال”: “نحن – النازحين في المعسكرات – استبشرنا بالاتفاقية خيراً، كونها أتت بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني، الذي قادت ممارساته في التهميش المتعمد إلى الحرب”؛ يقول أيضاً: “كل النازحين فرحوا  بالاتفاق وعُقِدَتْ عليه آمالٌ كبيرة؛ لكن سرعان ما  انحرف عن مساره الحقيقي، ولم يلبِّ طموح الضحايا، وفي مقدمة أولوياتهم محاسبة مرتكبي الجرائم والمطلوبين للعدالة محلياً، وأمام محكمة الجنايات الدولية”.

قضية ثورة

يُعَدُّ سلام جوبا من أهم قضايا ثورة ديسمبر، وعَبَّرَ الثوار عن أهمية السلام بذكره في الشعار الأبرز لثورة ديسمبر “حرية، سلام، عدالة”. لقد كان السلام مطلباً رئيساً من مطالب الثورة، وأشعل كغيره من القضايا شرارة التغيير والعمل على إسقاط نظام المؤتمر الوطني.

اتفاق سلام جوبا، أول عملية سياسية نحو السلام، في ظل حكومة ثورة عملت منذ بدايتها على الإجابة عن قضية الحرب والسلام، ومناقشة مُسبِّبات الأزمة وجذورها وأسباب اندلاع الحرب في أقاليم البلاد المُختلفة، للوصول إلى حل حقيقي يُنهي حقبةً من الاقتتال من أجل قضايا التنمية وإيقاف التهميش.

هل تحققت المطالب؟

يشكو حمدي يوسف – أحد النازحين بمعسكر أبوشوك – في حديثه لـ”انتقال” من مأساوية الأوضاع الداخلية بالمعسكر، وأنهم “يعيشون أوضاعاً لا تُراعي الجوانب الإنسانية وترقى للكارثية”، ويضيف: “كنا نعيش في حالةً من الذعر والخوف وندرة المساعدات الطبية والغذائية، وعقب توقيع اتفاق سلام جوبا لم يتغير الوضع كثيراً نحو الأفضل، بل ازداد سوءاً”.

ويتابع في توصيف للحالة الأمنية بالمعسكر: “الأوضاع الأمنية ماضيةٌ نحو الانحدار بصورة مُتسارعة، نشاهد ذلك في معسكرات غرب ووسط دارفور، مثل معسكر (كردينغ) ومعسكر (خمس دقائق) و(كَلمة)، وذات الأوضاع في (شنقل طوباي)”.

حبرٌ على ورق

يقول النازح عبد العزيز الغالي، إن “اتفاق جوبا غير مُختَلِفٍ عن اتفاق الدوحة والاتفاقيات التي سبقته… هي اتفاقيات لم تلقَ حظها من النجاح؛ حبرٌ على ورق، ولم تُعالِجْ أي قضية أساسية ضُمِّنَتْ فيها أو مطالب ينادي بها النازحون”.

الأمن والسلام

وفي الجوانب المُتعلِّقة بقضايا الأمن والسلام، يشير عبد الحفيظ إلى أن “التفلتات الأمنية ما زالت تقع بصورة يومية، مثل ما كان يحدث في الماضي وقبل عشر سنوات، وأن جرائم مثل القتل والاحتكاك بين الرعاة والمزارعين باتت معتادة الوقوع ومتكررة بصورة يومية، خاصة أن أزمة الأرض والحواكير لم تُحَل ولم نلحظ أي مجهودات من الأطراف المُوقِّعة على الاتفاق لحلِّها”.

ويتابع: “الصراع ما زال موجوداً ويتصاعد، كلُّ ذلك بالنسبة لي يثبت أن سلام جوبا هو اتفاق لم يُنفَّذ حتى الآن، ولا نرى الحرص على تنفيذه من القادة المُوقِّعين عليه”.

صراعٌ سلطوي

يقول النازح حمد يوسف في حديثه لـ”انتقال”، إن “الرؤية اتضحت لهم عقب مرور عامين من توقيع اتفاق السلام. نحن سُكَّان المعسكرات نرى أن الحركات الموقعة على سلام جوبا غير حريصة على صنع السلام، لكنها حريصة على الصراع السلطوي فقط، والشاهد اعتصام معسكر زمزم للنازحين، إذ لا توجد أي خطوة فعلية حتى الآن من الحركات بعد رفع الاعتصام لتحقيق مطالبه الأساسية، المُتمثّلة في توفير الخدمات وصيانة المرافق الصحية، وتفعيل برتوكول النازحين واللاجئين المنصوص عليه في اتفاق جوبا، وكذلك توفير الأمن والتحقيق في جميع جرائم القتل والاغتصاب التي تعرَّض لها النازحون. وبالنسبة لي وعلى المستوى الشخصي، عقب رفع الاعتصام فقدتُّ جدي في أحداث “المَلَم” بشمال دارفور، وحتى الآن يمكنني القول إن الصراع ممتد، ويمكنني وصف الحالة التي نعيشها بالمأساوية”.

ويتابع يوسف: “لا يوجد ترتيبٌ لقادة الاتفاق وباقي المسؤولين لزيارة المعسكرات بصورة دورية لتفقّد الأوضاع أو الجلوس مع أصحاب المصلحة، وعكس مشكلاتهم ومطالبهم لتحقيقها، وهذا القصور خلَّفَ هواجسَ وسخطاً لدى مواطن الإقليم، حتى أن بعض الآراء ترفض في بعض الأحيان زيارات قادة الحركات المسلحة  للمعسكرات”.

ويمضي بالقول: “نحن اكتشفنا أن اتفاق جوبا عبارة عن توافق هش يُغفل ملفَّاتٍ كبرى من دونها لا يمكن وجود سلام اجتماعي، وينصرف نحو صراع السلطة في المركز”.

إرادة صلبة

يقول  المحلل السياسي د. بشير الشريف، إن بناء السلام يحتاج إلى إرادة صلبة تؤمن بأن السلام أولوية وخيار استراتيجي لا غنى عنه، وما يتحقق بالسلام لا يمكن تحقيقه بالحرب، وهذه الإرادة غائبةٌ عن كل الفاعلين الذين يتعاملون مع السلام كصفقة سياسية، تصبُّ في تقوية المواقف وكسب الجولات، فالذين يمثلهم السلام كأصحاب مصلحة وتمسُّهم الحرب بشكلها اليومي في معاشهم وحياتهم ظلوا في كل الاتفاقيات غير حاضرين.

ويتابع الشريف في حديثه لـ”انتقال”: “إن مسرح الكفاح المسلح كان مُربِكَاً لتعدُّد الحركات المُسلَّحة وغياب الرؤية السياسية، وما بدا واضحاً بعد الاتفاق أن هناك اتفاقين وليس واحداً، ما على الورق هو جيد على مستوى النصوص وإن شابته بعض الأخطاء، لكن ما قيل في الخفاء إن سلام جوبا كنهج لا يختلف عن سابق الاتفاقيات، فهو نهج مكرور في صفقات سياسية تقوم على استرضاء المُقاتلين بالأموال والمناصب والسلطة، في مُقابل توفير دعاية مبتذلة بإيقاف الحرب، وهو نهج مكرورٌ حتى على مستوى النصوص التي لم تُبارح ثلاثية قسمة السلطة والثروة والترتيبات الأمنية”.

ويضيف: “الجديد في هذا الاتفاق أن بنوده المهمة والرئيسة ظلَّتْ شفهية؛ فموقف الحركات من التحوُّل الديمقراطي والعدالة الانتقالية اتَّضح أنه خضع لمقايضة مع العسكر، وهو ما قاد بشكل أو بآخر لتحالف الطرفين لإحداث انقلابهما الفاشل في 25 أكتوبر الماضي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى