محمد جميل أحمد
كان واضحاً أن التوقيع على ما سُمّي بالقلد (وهو موروث بجاوي قديم يكون بمثابة هُدنة تمارسها القبائل في البادية لضبط الأمن بعد شجار أو اقتتال بين أفرادها، ولا علاقة له مطلقاً بالصراع السياسي في المدن)؛ على خلفية أحداث الفتنة في مدينة بورتسودان العام ٢٠١٩ (وهي فتنة دبرتها اللجنة الأمنية للبحر الأحمر بقيادة البرهان)؛ كان واضحاً أنه خطأ فادح من قيادات الإدارة الأهلية لبني عامر والحباب؛ لأن الاستثمار الخبيث الذي تم عبره تواطؤ واضح بين اللجنة الأمنية للبحر الأحمر بقيادة والي البحر الأحمر الضعيف – سيئ الذكر – عبد الله شنقراي من جهة، والمجلس الأعلى لنظارات البجا ترك – بقسميه – من جهة ثانية. وتمت فيه ممارسات عنصرية وتمييزية، باسم الحكومة، ما تزال ساريةً ضد مواطنين من مكون بني عامر والحباب بهدف منعهم كمواطنين سودانيين من حقوقهم المشروعة في العمل؛ وكانت عواقب ذلك وخيمةً عليهم حيث تم تعطيل الدوام اليومي لهؤلاء المواطنين (بحجة سريان القلد وخشية أن يكون هناك احتكاك بين الطرفين)، من مواقع عملهم في المدينة وفي بعض مرافقها القومية كالمطار وبعض الموانئ بشرق السودان، وغيرهما. وهذا التوظيف الخبيث للقلد في هضم حقوق مواطنين سودانيين مسؤولة عنه اللجنة الأمنية في ولاية البحر الأحمر حتى اليوم، وإن كان الدور الخبيث في هذا الاستثمار هو من بنات أفكار عنصريي مجلس ترك (الذي وإن انقسم إلى قسمين إلا أن القسمين يتفقان في هذا التمييز العنصري).
معاناة بعض عمال “دخولية” سواكن
وإذا كان هذا التنفيذ الخبيث لمبدأ القلد هو من مخلفات الوالي السابق الضعيف – سيئ الذكر – عبد الله شنقراي (وهو ياللمفارقة كان واليا أتت به الحرية والتغيير)، قد طال حقوق عاملين من مكون بني عامر والحباب في مؤسسات قومية كالمطار وميناء وبعض الموانئ – مع دفع رواتب العاملين أثناء توقفهم غير المبرر عن العمل نتيجة لخوف أو تواطؤ اللجنة الأمنية في البحر الأحمر مع عنصريي مجلس ترك، فإن معاناة عمال اليومية من مكون بني عامر والحباب في مدينة سواكن كانت ولا تزال حتى كتابة هذه السطور ضحيةً لذلك التوظيف الخبيث لمفهوم القلد، حيث تم منع هؤلاء العمال (الذين يشتغلون ويترزقون من عمل السمسرة في تجارة البهائم) من العمل في الدخولية المركزية لسوق بيع البهائم بمدينة سواكن بتلك الحجة الخبيثة في توظيف القلد، أي بسبب أن هناك قلد “هدنة” تمت بين القبيلتين (بني عامر والحباب من جهة والهدندوة – بداويت – من جهة ثانية) على خلفية أحداث الشجار الذي تم في مدينة سواكن بين معارضين لإقالة الوالي صالح عمار، ومؤيدين لها في ١٥ أكتوبر ٢٠٢٠ وراح ضحيته أفراد من مكون البداويت.
وعلى الرغم من تبرئة المتهمين في تلك القضية من أبناء مكون بني عامر والحباب، إلا أن التوظيف الخبيث لحجة القلد في حرمان العاملين من مكون بني عامر والحباب لا زال سارياً، حيث حتى الآن يُمنع هؤلاء المواطنون من العمل في سوق البهائم المركزي “الدخولية” بسواكن، الأمر الذي تضرر منه هؤلاء المواطنون بدرجة أثرت تأثيراً بالغاً في حياتهم للأسف. وحين كون هؤلاء المواطنون لجنة وقدموا شكوى للشرطة أجابتهم شرطة مدينة سواكن بأن السبب في ذلك هو سريان القلد، وأنها كشرطة تلتزم بذلك – نتيجة للقرار المتواطئ للجنة الأمنية للبحر الأحمر مع مجلس ترك – والأسوأ من ذلك أنه حين حاول أحد المواطنين وهو المواطن “ص . ع” من أبناء بني عامر والحباب ممارسة حقه الطبيعي في العمل بسوق الدخولية الرئيسي، أرسلت إليه الشرطة أحد أفرادها وقال ليقول له: إن هناك شكوى من أحد الهدندوة للشرطة على هذا المواطن من مكون بني عامر والحباب بخرق شروط القلد وأنها تطلب منه عدم ممارسة عمله بالسوق؟!
إلى هذه الدرجة المخزية من التمييز بحق مواطنين سودانيين تتواطأ اللجنة الأمنية للبحر الأحمر وشرطة سواكن مع قيادات أهلية عنصرية فيما لا يحرك أحد ساكناً أمام هذه العنصرية المقيتة والتمييز المعيب.
كل هذه الشرور والفتن التي نجمت بين الأهالي والقبائل في ولاية البحر الأحمر هي من الآثار الخبيثة لخطط اللجنة الأمنية في الخرطوم بقيادة البرهان التي نفذتها اللجنة الأمنية الفرعية لولاية البحر الأحمر بالتواطؤ مع المجلس الأعلى لنظارات البجا.
إن خطورة هذه السياسات العنصرية تكمن في أن عواقبها ستكون وخيمة في نهاية الأمر لأن السكوت عن الظلم لن يظل إلى ما لا نهاية.
لهذا على اللجنة الأمنية في ولاية البحر الأحمر وشرطة مدينة سواكن إزالة هذه الممارسات التمييزية التي لا تليق بأجهزة الدولة في حق فئة من مواطنيها. ومنح الحقوق بالتساوي في الفرص لكافة المواطنين. خصوصا بعد الفشل الذريع لمشروع خطة اللجنة الأمنية بقيادة البرهان في الخرطوم لزعزعة السلم الأهلي في ولاية البحر الأحمر استثماراً في تسييس الإدارة الأهلية عبر تلك الوصفة السرطانية التي فخخ بها نظام المؤتمر الوطني المجال العام منذ ثلاثين سنة.
واليوم، بعد أن أدرك البرهان وحميدتي تماما الفشل الذريع لخطتهما الخبيثة في عمليات “شد الأطراف” عبر تحريك فتن الاقتتال القبلي – في شرق السودان وغربه – طوال السنتين الماضيتين، بحثاً عن تفويض من الشعب لحكمه دون جدوى؛ على اللجنة الأمنية في البحر الأحمر وشرطة مدينة سواكن التوقف عن ممارسات الميز العنصري برسم الدولة ضد مكون بني عامر والحباب، قبل أن تتجه الأمور إلى تعقيدات جديدة.