الخرطوم – انتقال
قبل أيام ٍ فقط من إعلان ما سُميّ تحالف قوى والحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، وهي كتلةٌ تضم حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وجيش تحرير السودان مني أركو مناوي ومبارك أردول مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية ونائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جعفر الميرغني؛ التقى القنصل العام المصري ممثلي هذه المجموعة في 17 أكتوبر الماضي، وطرحوا عليه رؤيتهم لترتيبات دستورية عبر ما سموها المبادرة السودانية. هذا اللقاء الذي تلاه إعلان الكتلة الديمقراطية بحضور القنصل العام أحمد عدلي، يُفسر الدور المصري الداعم للسلطة الانقلابية وشركائها خلافاً للموقف الدولي والإقليمي الداعم لمشروع الدستور الانتقالي المفضي إلى إنهاء الانقلاب وسلطتهِ. نتائج هذا اللقاء ظهرت في الموقف المصري الداعم لهذه الرؤية التي تسعى لتثبيت أركان الانقلاب ومجموعاتهِ السياسية التي تضم الإخوان المسلمين ومجموعة اعتصام القصر الذي سماه السودانيون “اعتصام الموز” تندراً .
دعم الانقلابيين
خلافاً لما ظلت تعلنه مصر عن دعمها لخياراتِ السودانيين في تحقيق مطالبهم واحترام رغبة الشعب السوداني في تحديد مستقبل البلاد تقف عبر قنصلها العام أحمد عدلي موقفاً مخالفاً تماماً، وتدعم عبر المجموعات السياسية التي تقف ضد مشروع الدستور الانتقالي الذي تم اعتماده من المجموعةِ الرباعية والآلية الثلاثية والترويكا لأساسٍ للحل السياسي وإنهاء الانقلاب وسلطته. غاب السفير المصري حسام عيسى والقنصل العام أحمد عدلي عن فعالياتِ ورشة مشروع الدستور الانتقالي الذي أقامتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين في أغسطس الماضي، وحضرا فعالياتِ إعلان كتلةٍ سياسية جديدة من الكتل الداعمة للانقلاب وهي التي سمّت نفسها ”الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية”؛ التي تضم ذات مجموعة ما تسمى التوافق الوطني ومضافاً إليها مجموعة بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وهو ما يكشف الموقف المصري المساند لانقلاب 25 أكتوبر .
منذ 2019
مُنذ أربع سنوات، وتحديداً في 14 أبريل 2019 والقنصل المصري في السودان أحمد عدلي، يلعب أدواراً تعبر عن رؤية مصر تجاه الثورة والانتقال الديمقراطي في البلاد، تمثل ذلك في لقائه نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جعفر الميرغني، وتكرر الأمر لاحقاً في أغسطس 2022 بذات الأجندة، وهي دعم مواقفه التي تختلف تماماً مع مطالب السودانيين في تحقيق مطلوبات الثورة وأهدافها، إضافة إلى سعيه في 2021 لترتيب مؤتمر ما يسمى بـ”الوحدة الاتحادية” التي تضم مجموعاتٍ اتحادية على رأسها الاتحادي الأصل، ومجموعة بقيادة أحمد بلال عثمان وإشراقة سيد محمود، وجميعهم سقطوا مع نظام المؤتمر الوطني المحلول .
التنسيق مع الحركات المسلحة
تحركات القنصل المصري بالسودان أحمد عدلي، ليست مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فحسب؛ فلديهِ لقاءات معلنة وغير معلنة مع رئيس حركة العدل والمساواة التي تتحرك من منطلقات قاعدتها فكر الإخوان المسلمين؛ ففي 23 نوفمبر 2020م التقى رئيس الحركة جبريل إبراهيم مدعياً ترحيبهم بتوقيع اتفاق سلام جوبا تلك السنة؛ ولكن وفقاً لمراقبين فإن الأمر كان متعلقاً بوضعية الحركات المسلحة مثل العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي بدولة ليبيا وضرورة خروجها من الأراضي الليبية، وهو أحد الأهداف الإقليمية التي تتحرك فيها مصر على حدودها الشرقية ولديها موقف من المليشيات المسلحة هناك.
ترتيب اللقاءات
وتمت لقاءاتٌ سابقة بترتيبٍ من السفارةِ المصرية، يقف من خلفها القنصل أحمد عدلي، بين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الحسن الميرغني ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في أغسطس 2021م بعد فترة قليلة من دعوات الوحدة الاتحادية التي أعلنت برعاية مصرية. هذا اللقاء ناقش الأوضاع السياسية في البلاد وفقاً لوسائل الإعلام، ولكنه كان إعادة لترتيب المشهد والتحالفات السياسية تمهيداً لدعم انقلاب 25 أكتوبر الذي يجد دعماً مصرياً يتحرك فيه القنصل أحمد عدلي.
دعم مصر للانقلاب
مغادرة قائد عام الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى مصر للمشاركة في قمة المناخ وفق ما أعلن، تقرأ في سياقاتٍ سياسية مختلفة على ضوء الموقف المصري الذي يُعارض مشروع الدستور الانتقالي والعملية السياسية المُفضية إلى إنهاء الانقلاب، والذي يجد دعماً إقليمياً وشعبياً وقبولاً لدى قطاعات شعبية وسياسية في السودان بناءً على مواقف قوى الثورة الساعية للديمقراطية وإكمال مهام التغيير، فهي تتشابه مع زيارتهِ مصر قبيل انقلاب 25 أكتوبر بساعاتٍ فقط، والدعم المصري الذي وجده البرهان لتنفيذ مخطط الاستيلاء على السلطة. ويظل مشروع التعديلات على الوثيقة الدستورية الذي طرحته مجموعة ”الكتلة الديمقرطية”، والتي يقودها وزير مالية الانقلاب جبريل إبراهيم وجعفر الميرغني ومني أركو مناوي وأردول، مشروعاً لدعم بيادق طالما حركها الانقلاب يمنة ويسرة، في مقابل مشروع الدستور الانتقالي؛ وهي محاولةٌ لمنح قادة الانقلاب فرصةً للمناورة، لتثبيته.
صراع التيارات
في يناير 2022م، التقى الحسن الميرغني بمدير شركة الموارد المعدنية مبارك أردول، اللقاء الذي لم تُكشف تماماً أجندته تزامن مع سفر قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إلى القاهرة في تلك الفترة لمناقشةِ ما يُسمّى الوحدة الاتحادية، وكان ضمن سياق ترتيب المشهد السياسي لدعم سلطة انقلاب 25 أكتوبر، وظهرت نتائجه بصورة واضحة في مواقف الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي دعم تيار منه بقيادة الحسن نفسه مشروع الدستور الانتقالي من خلال المناقشات داخل الورشة “ليمضي الحسن بغير مسار أردول”، أما التيار الآخر، فيجد دعماً من القنصل العام لسفارة مصر أحمد عدلي بقيادة جعفر الميرغني، وهو الذي يتحالف حالياً مع الحركات المسلحة ومجموعاتٍ سياسية ضمن الجبهة الثورية والتي انقسمت عملياً هي الأخرى .
إرباك المشهد عن قصد
التقت لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بقوى الحرية والتغيير، مسؤولي السفارة المصرية وعلى رأسهم السفير حسام عيسى في يونيو 2022م، وأطلعتهم على حقيقة الأوضاع السياسية في البلاد والمسار السياسي على ضوء مساعي إنهاء الانقلاب، والتأسيس الدستوري، والعمل الدؤوب لاستعادة المسار الديمقراطي، وتحديد القوى السياسية والاجتماعية المشاركة فيه. وتتضمن المرحلتان الأولى والثانية القوى التي قاومت الانقلاب والمكون العسكري والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا وغير الموقعة، ومرحلة بداية مسار ديمقراطي جديد، تشارك فيها أوسع قاعدة من السودانيين المؤمنين بالديمقراطية، إلى جانب الآلية الثلاثية ودور المجموعة الرباعية وتأكيدات مصر عبر سفارتها أنها تقف مع الشعب السوداني وثورتهِ لتحقيق الديمقراطية، لكن مواقف القنصل العام أحمد عدلي تقول غير ذلك عبر مساعيه المستمرة لدعم مواقف تدعم السلطة الانقلابية وإغراق المشهد السياسي بتدخلات مباشرة مع مجموعات سياسية تجد رفضاً واسعاً “شعبياً وسياسياً”؛ لكن يبدو أن عدلي لا يزال يعمه في غي دعم المجموعات التي استخدمها الانقلاب لتجميل وجهه، وتثبيت أركانه، وتكشّف له لاحقاً أنها بلا قيمة تذكر في المشهد السياسي السوداني، الذي تتفوق فيه وبجدارة القوى الثورية المناهضة للانقلاب بموقفها الثابت على مطالب إنهاء الانقلاب واستعادة التحول المدني الديمقراطي، وإعادة العسكر إلى الثكنات.