اقتصاد

المعدن الأصفر.. آفة التهريب وغياب الرؤية

الخرطوم – انتقال

تعقيدات وتناقضات يعيشها السودان بسبب امتلاكه احتياطيات ضخمة من الذهب دون أن تنعكس إيجاباً على اقتصاده المحلي. ويبقى العجز السنوي واختلال الميزان التجاري أبرز سمات الموازنات المالية السنوية.

يُصنّف السودان بأنه الدولة الثالثة إفريقيّاً من حيث احتياطيات الذهب، إذ يُشكّل إنتاج القارة السمراء ربع الإنتاج الإجمالي بواقع 680 طناً من إجمالي 3000 طن أنتجت عالمياً في العام 2021م.

وتؤكد تقارير رسمية، أن احتياطيات السودان من المعدن الأصفر تصل إلى 1550 طناً.

وعلى الرغم من الإنتاج العالي للمعدن الأصفر، إلا أن عدة عوامل ساهمت في عدم استفادة البلاد من هذه الميزة، وأبرزها تهريب الذهب لخارج البلاد بسبب سيطرة قوات نظامية عليه، فضلاً عن السياسات الخاطئة التي تتبعها الإدارات الاقتصادية المتعاقبة بشأن الاستفادة من المعدن الأصفر.

الالتزامات الحكومية

ولعل أبرز هذه السياسات اتجاه الدولة لبيع الذهب للحصول على النقد الأجنبي للإيفاء بالالتزامات الكثيرة التي تقع على عاتق الحكومة.

ولم تفلح السياسات الإصلاحية التي انتهجتها حكومة حمدوك، في التقليل من التفريط في الذهب، عبر منح دول أجنبية الاستثمار بمزايا تصب في مصلحة تلك الدول أو بيعه للحصول على النقد الأجنبي أو تهريبه للخارج.

في العام 2021م، كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا وفريق الاتحاد الإفريقي، عن فقدان السودان نحو 267 طناً من الذهب خلال سبع سنوات عن طريق التهريب.

ويشتكي السودان من عدم قدرته على تحديد إنتاج الذهب بدقة لجهة تهريبه للخارج من قبل المعدنين الأهليين.

وينتشر التعدين التقليدي الذي يقوم الأهالي في أكثر من 800 موقع في جميع أنحاء البلاد، مع وجود أكثر من مليون شخص يعملون به؛ إلا أن الاحتياطيات الضخمة التي يمتلكها السودان تضيع هباءً منثوراً بسبب بيع الذهب وتهريبه إلى الخارج بخلاف ما يحدث في الدول الأخرى، التي تحتفظ بالذهب كاحتياطيات في بنوكها المركزية.

وكشف الخبير في مجال الطاقة والتعدين، عبد العظيم الأموي، أن البنوك المركزية تشتري 400 طن في الفصل الثالث من العام 2022م، وهي أكبر مشتريات فصلية خلال الـ22 عاماً الماضية.

وأوضح في تغريدة له بـ”تويتر”، أن البنوك المركزية تتجه إلى تراكم احتياطيات الذهب بخلاف السودان الذي يتجه لبيعه. فيما يرى نائب محافظ بنك  السودان الأسبق، فاروق كمبريسي، أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد تواجه تحديات جسيمة إثر الانقلاب الذي قام به المكون العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي.

وأقر كمبريسي في تغريده له في الوقت نفسه، بأن الوضع الاقتصادي خلال فترة الحكومة المدنية لم يكن بالوضع الأمثل، إثر سياسات الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الدولة، والتي أدت إلى اختلال في المعدلات الاقتصادية، ومن بينها الارتفاع القياسي لمعدلات التضخم والهبوط الكبير لقيمة العملة الوطنية.

وكشف عن فقدان السودان لما يقدر بنحو 4.600 مليار دولار بعد انقلاب أكتوبر، إثر تخلي المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات التي كان قد وعد بها في وقت سابق.

بيع الذهب

وأبدى الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أحمد خليل، استغرابه من اتجاه السودان لبيع إنتاجه من الذهب على عكس ما تقوم به الدول الأخرى التي تعمل على بناء احتياطياتها من الذهب لمواجهة أي صعوبات.

وقال خليل لـ(انتقال) إنه “ليس هناك أي رؤية اقتصادية لحكومة انقلاب 25 أكتوبر وليس لديها أي برنامج اقتصادي”، وأشار إلى أن غياب الرؤية الاقتصادية من قبل حكومة الانقلاب أدى إلى تآكل الاحتياطي الضئيل من النقد الأجنبي الذي بني في خلال الفترة الانتقالية.

وأشار خليل إلى أن حكومة الانقلاب في حاجة إلى الأموال في ظل شح الإيرادات وعدم وجود احتياطي نقدي، بما يجعلها تتسابق في بيع الذهب وتصديره إلى الخارج للحصول على أموال بدلاً عن الاحتفاظ به لمقابلة متطلبات الحياة مثل الأدوية والغذاء والنفط.

بناء احتياطي

من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد الناير، أن دولاً كثيرة تسعى لبناء احتياطياتها، من الذهب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك احتياطياً يُقدَّر بنحو 8000 طن محتفظ بها إضافة إلى دول كثيرة مثل روسيا والصين.

ونوه إلى أن السودان لم يحتفظ باحتياطيّه من الذهب في ظل وجود تباين في إنتاجه،  لافتاً إلى أنه وقبل أربع سنوات كان حديث السلطات الرسمية بأن الإنتاج حوالي 100 طن في المتوسط، بينما المصدر لا يتعدى 30 بالمائة من الإنتاج.

وأشار الناير لـ”نتقال”، إلى أنه خلال الثلاثة أعوام الماضية اختلفت المنهجية وأصبحت شركة الموارد المعدنية تتحدث عن إنتاج لا يتجاوز الـ 50 طناً، والمُصدّر نسبة كبيرة منه.

وقال: “على الرغم من تباين الرؤى والأرقام، إلا أن بنك السودان لم يستطع الاحتفاظ بأي احتياطيات من الذهب”. وأضاف: “المركزي كان يحتفظ بالعوائد الجليلة من الذهب كاحتياطيات للدولة، والاحتفاظ بنسبة بسيطة من الذهب المصدر للخارج كاحتياطي”.

وتوقع أن يكون الذهب في الفترة المقبلة المعيار الأساسي للمعادلة الاقتصادية وأي دولة تمتلك احتياطيات كبيرة من الذهب، سيكون هنالك استقرار في عملتها، ودعا الدولة للاهتمام ببناء احتياطي من الذهب لضمان استقرار سعر العملة الوطنية وعدم حدوث أي تغيرات كبيرة في أسعار العملات الأساسية، لا سيما أن الذهب جزء من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي ويجب أن يكون الاحتياطي متنوعاً لتلافي مخاطر الدولار خلال الفترة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى