لأنني رجل حُرم من متعة تذوق كرة القدم لم يلفتني مونديال 2022 إلا قليلاً. كنت محظوظاً بزيارة قطر قبل أسابيع من المونديال، فشهدت جانباً من الاستعدادات الهائلة للحدث العالمي؛ لكني قررت متابعة مباراة منتخب فرنسا بدافع التجربة المغايرة، فقد سمح لي حظي الحسن أن أصادفها في باريس. قلت لنفسي إن مشاهدة هذه المباراة مع الجمهور الفرنسي ستكون فرصة قد لا تتكرر.
نفذت ما خططت له. وكان من الجيد أن فاز المنتخب الفرنسي على خصمه الاسترالي، وإلا لاتهمتُ نفسي بأني نحستهم!
في طريق عودتي إلى سكني، وسط الجماهير المحتفلة داخل مترو باريس، أخذتني أفكاري التي لا تنتمي إلى منافسات كرة القدم إلى جانب آخر طريف. حقيقة وجود دولة استراليا، التي خسر منتخبها بهدف مقابل أربعة أهداف أمام فرنسا. ووجدت أن هذه حكاية طريفة تستحق أن تروى.
يعتبر أتباع مجتمع الأرض المسطحة في الغرب أن استراليا أكذوبة. لا توجد دولة بهذا الاسم. إنما هي خدعة ضمن نظرية مؤامرة عظمى تسيطر على العالم.
بحسب اعتقادهم، فإن ما نعرفه عن استراليا أنها دولة نشأت من مستعمرة مساجين بريطانيين هو تزييف للحقائق. يعتقد أتباع الأرض المسطحة أن بريطانيا كانت تقتل هؤلاء المساجين، الذين بلغ عددهم مئات الآلاف. بعض نظريات المؤامرة تقول إن السفن أبحرت بهم إلى حافة الأرض المسطحة، وقتلتهم عند الجدار الجليدي. ولأن الحكومة البريطانية لا تريد الاعتراف بهذه المذابح فقد ادعت أنها أرسلت المساجين إلى مكان ما اسمه استراليا.
فماذا عن المواطنين الاستراليين الذين نراهم؟ يجيبك أتباع الأرض المسطحة الغربيون في ثقة، أن هؤلاء مجموعات من الممثلين، دورهم هو إحكام الخدعة، وجعلك تصدق.
أما إذا ظننت أنك زرت استراليا، فأنت قد وقعت في خدعة جديدة؛ فشركات الطيران ستحملك إلى مكان ما في أمريكا الجنوبية ويقولون لك: مرحباً أنت الآن في استراليا. هذا أمر شبيه بما حدث لمجموعات الفلاحين في مسلسل سنبل بعد المليون، عندما شحنهم إلى صحراء مصر للعمل في الزراعة بعد أن أوهمهم بأنهم في طريقهم إلى السعودية للعمل هناك. يعتبر أتباع الأرض المسطحة أن هذا ما يحدث لك إذا أردت زيارة استراليا.
هذه الفكرة العبثية قديمة إلى حد ما، لكنها اشتهرت بشدة على الإنترنت وفي مواقع مجتمع الأرض المسطحة مؤخراً في عام 2006، حتى عام 2017.
وهي واحدة من نظريات مؤامرة عديدة، بعضها عن دول أخرى مثل أن فنلندا غير موجودة، إنما هي أكذوبة اختُرعت لغرض اقتصادي متعلق بتصدير السمك من روسيا إلى اليابان. مجرد اختراع على الورق، لكن لا توجد دولة حقيقية اسمها فنلندا. ومثل استراليا، فكل من يزعم أنه فنلندي هو مجرد ممثل مأجور!
هذا جانب من العالم المعقد المليء بالأكاذيب والخدع عند أنصار الأرض المسطحة.
وقد كنت على وشك تصديقهم، وأنا أشاهد الأداء الضعيف لمنتخب استراليا. فقد بدا لي اللاعبين أقرب لممثلين غير متحمسين.
إذا كنت تعتقد أن فكرة “أكذوبة استراليا”، كما يسميها أتباع الأرض المسطحة أمر غريب، فقد أحدثك في مرة قادمة عن “أكذوبة الغابات”. فبعض أتباع الأرض المسطحة يزعمون أنه لا توجد غابات في الأرض، إنما هي مجرد كذبة أخرى، وأن الأرض تعرضت لكارثة قبل آلاف السنوات أزالت منها الغابات، وما تراه اليوم هو مجرد تقليد قامت به الحكومات بغرض الإيهام! وهذه قصة طريفة ربما نحكيها في مرة قادمة.