رأي

الداخلية بين يدي الدستور الجديد والحكومة المرتقبة

التمنة

رائد شرطة (م) عمر محمد عثمان
المتابع والمراقب للساحة السياسية السودانية يدرك بوضوح  تام أن ثمة حلاً سياسياً يلوح في الأفق. هذا الحل سيتبعه بلا شك، تشكيل حكومة انتقالية جديدة، حكومة لا تعنينا فيها الأسماء، بقدر ما تعنينا معايير الاختيار (criteria). وحسناً فعل مشروع الدستور حيث نص على معايير محددة لاختيار الوزراء (بأن يكون من ذوي النزاهة والكفاءة والتأهيل والخبرة العملية والقدرات الملائمة للمنصب).
وزارة الداخلية تُعتبر من أكثر الوزارات التي تعرضت لهزات وتغييرات سريعة خلال هذه السنوات الأربع، وقد لا يصدق القارئ أنه خلال هذه السنوات جلس على كرسي مدير عام قوات الشرطة خمسة مديرين عامين سادسهم المدير العام الحالي السيد الفريق أول شرطة عنان حامد، ومر على الداخلية ثلاثة وزراء، وفقدت الشرطة خلال نفس الفترة ثماني دفع!
وفي تقديري أن هذه الشرطة كان من الممكن أن تنهار لولا أنها تستند إلى تاريخ يمتد لأكثر من مائة عام.
بالعودة إلى موضوع المعايير وتطبيقها فيما يلي اختيار وزير الداخلية القادم، لا بد من القول أولاً، إن الحديث عن مدنية الحكومة القادمة ومدنية الوزراء يجب أن لا يفهم منه استبعاد ضباط الشرطة بالخدمة أو بالمعاش من تولي هذا المنصب؛ فالشرطة في الأصل، وكما أكد على ذلك مشروع الدستور (قوة نظامية مدنية).الأمر الثاني حددت المعايير أربع مسائل متعلقة بكون الحكومة القادمة هي حكومة تكنوقراط، وشرط الكفاءة في من يتولي منصب الوزير، يعني أنه قادر عليه ومهيأ له وجدير به، وشرطي التأهيل والخبرة العملية يمكن قياسهما عبر آلية قانونية منضبطة وردت في قانون تنظيم بيوت الخبرة حيث ربطت التأهيل بالحصول على درجة البكالريوس أو ما يعادلها، وأن تكون له خبرة لا تقل عن سبع سنوات في مجال تخصصه، وأخيراً اشترطت المعايير توفر القدرات الملائمة للمنصب، وقياس القدرات مسألة سهلة تعتمد على ثلاث محاور رئيسية هي المعارف والمهارات، السمات الشخصية، الدوافع والمحفزات، وهي التي تحرك الفرد نحو تحقيق أهداف الجهة.
ترتيباً على ما تقدم، يصبح من الواضح جداً أنه لا يوجد من هو أنسب أو أقرب من ضباط الشرطة بالخدمة أو بالمعاش لتولي منصب وزير الداخلية فهم الأكثر تأهيلاً وخبرة في هذا المجال، كما أنه جرى العرف منذ قيام الثورة أن وزارة الداخلية تسند إلى أهلها والقاعدة الفقهية تقول (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً)، وبالتالي نتوقع أن تحافظ الحكومة القادمة على هذا العرف. وليس بعيداً عن ذلك لا بد أن نذكر أن أروقة وزارة الداخلية ومكاتبها وقاعاتها تشهد منذ فترة أعمالاً مكثفة للجان متعددة تعمل بجد وبمهنية عالية بقيادة السيد الوزير المكلف مدير عام قوات الشرطة هذه اللجان، ويشارك في عضويتها عدد كبير من ضباط الشرطة العاملين والمعاشيين من أجيال مختلفة، ممن يمتلكون خبرات ثرة ومتنوعة تمازج بين القديم والحديث تؤسس لداخلية وشرطة حديثة وفق هياكل جديدة ستكون هي مفتاح الإصلاح والتطوير والتغيير، فكما ذكرنا من قبل أن التغيير والتطوير لا بد أن يتم على ثلاثة مستويات (مستوى هيكلي، مستوى فني، مستوى فكري)، والأخير هو التغيير الذي سيحصد المواطن ثمرته عندما يرى شرطة جديدة كلياً.
ختاماً نشدد على أهمية المحافظة على الاستقرار المتوفر الآن على مستوى قيادة الداخلية والشرطة، وعلينا أن نعض بالنواجذ على ما تحقق من مكتسبات سيكون لها ما بعدها بإذن الله. ولا بد من الاتفاق والإجماع على أن الأصلح والأجدر لقيادة الداخلية في الفترة الانتقالية القادمة هم أبناؤها لا أحد غيرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى