الخرطوم – وكالات
في أي نظام ديمقراطي تبرز أهمية البرلمان كسلطة تشريعية ورقابية تمثل الشعب. ومن المفترض أن يسعى المجلس النيابي إلى تحقيق تطلعات المواطن الذي ينتخبه، فهل فعلاً يكرس مشاركة المواطن في الحياة السياسية؟ وما هي مهماته ودوره لاسيما في تحقيق التنمية السياسية ورسم السياسة العامة وترسيخ الديمقراطية؟ وهل فعلاً تمثل البرلمانات شعوبها أم الأحزاب السياسية التي تنتمي إليها؟
تونس… معادلة الحزب والشعب تؤرق النائب
شهدت المؤسسة التشريعية في تاريخ تونس السياسي المعاصر تحولات كبيرة من مرحلة ما قبل الاستقلال إلى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وصولاً إلى فترة ما بعد 2011.
ويعود إنشاء أول برلمان تونسي حديث إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أنشأ محمد الصادق باي المجلس الأكبر، الذي كان يضم 60 شخصية يعينهم الباي، وبعد الاستقلال أحدث المجلس القومي التأسيسي الذي أعلن النظام الجمهوري، وأصدر أول دستور للجمهورية التونسية عام 1959 ثم انتخاب برلمان ما بعد 2011، في دورتين (2014 و2019).
وعرفت تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، انتخاب 15 مجلساً نيابياً (انتخاب مجلسين تأسيسيين، وهما المجلس القومي التأسيسي، 1956-1959 والمجلس الوطني التأسيسي 2011-2014).
وشهد البرلمان في فترة ما بعد 2011، صراعات سياسية حادة بين الإسلاميين والديمقراطيين الحداثيين، لتتسع المعارك الأيديولوجية وتتحول إلى مشاهد يومية تبث على شاشات التلفزة، بينما تتعمق أزمات التونسيين الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية لا سيما في فترة كورونا.
حالة الاستقطاب والصراعات السياسية وتدهور الوضع الاجتماعي كلها أسباب دفعت بحسب متابعين رئيس الجمهورية قيس سعيد في يوليو (تموز) 2021، إلى حل البرلمان.
ويرجع المتابعون للشأن العام في تونس خطوة سعيد، بحل البرلمان بعد تجميد صلاحياته، إلى الصراعات السياسية التي وصلت إلى حد تبادل العنف تحت قبة البرلمان، ما عمق الهوة بين التونسيين وهذه المؤسسة التشريعية إلى حد مطالبة رئيس الجمهورية بحله. فهل كان البرلمان في تونس طيلة تاريخه يمثل الشعب أم يمثل الأحزاب؟
التوازن بين تمثيل الحزب وتمثيل الشعب
على الرغم من وجود انتخابات برلمانية، فإن الواقع السياسي في تونس قبل 2011 يكشف سيطرة الحزب الواحد على المشهد السياسي وهو “التجمع الدستوري الديمقراطي”، الماسك بزمام السلطة والإدارة وله الأغلبية في البرلمان، علاوة على أن رئيس الدولة هو رئيس الحزب مع وجود بعض الأحزاب السياسية الصغيرة التي لا تملك وزناً سياسياً في البرلمان، ولا يمكن الحديث وقتها عن ديمقراطية تمثيلية بالمعنى الأصيل للعبارة.
ويرى النائب السابق في برلمان ما قبل 2011، هشام الحاجي أن “السياق السياسي حينها مختلف عن السياق الحالي، وأن على النائب في البرلمان أن يكون في تواصل دائم مع ناخبيه، وعليه أن يحافظ على التوازن بين تمثيل الحزب وتمثيل ناخبيه، وذلك من خلال تواصله مع الجهات التي انتخبته”.
ويعتقد الحاجي أن “من أسوأ الأخطاء هو أن يكتفي النائب بتمثيل حزبه”، لافتاً إلى أن “النائب هو أيضاً عضو في المجلس الجهوي للتنمية، يحضر اجتماعاته بشكل دوري من أجل إبداء رأيه ونقل مشاغل ناخبيه”، مضيفاً أن “النائب تتوفر له كل التسهيلات للحصول على المعلومات والولوج إلى مراكز القرار في العاصمة أو في الجهات”، مشدداً على أن “المعادلة صعبة بالنسبة للنائب الذي يتوجب عليه التوفيق بين مصلحة ناخبيه ومصلحة حزبه”.
وبخصوص أسباب تنامي حجم السخط الشعبي إزاء البرلمان السابق الذي تم حله يقول الحاجي، إن ذلك كان نتيجة “انشغال أعضائه في الصراعات السياسية، على حساب مشاغل التونسيين، علماً أن الجلسات العامة كانت تبث مباشرة على شاشة التلفزة، وهو ما فهم على أنه فرصة للظهور ولتصفية الحسابات الأيديولوجية الضيقة على حساب مشاغل التونسيين”.
ويعتبر الحاجي أن “البرلمان الأخير راكم جملة من الأخطاء”، مشيراً إلى أن هناك من النواب من يريد تغيير تركيبته من أجل إعادة خلط الأوراق تمهيداً لفرز سياسي جديد.
حياة برلمانية متطورة بعد 2011
من جهته، يعتبر الناشط السياسي والعضو السابق في المجلس الوطني التأسيسي (2011-2014) عصام الشابي، أن “تونس عرفت حياة برلمانية متطورة بعد 2011، على الرغم من قصر المدة التي تغيرت فيها الأغلبيات والكتل، وشهدنا ثلاث دورات حرة في التداول على السلطة، وعاش فيها البرلمان تغيرات في موازين القوى من انتخابات إلى أخرى”.
ويعتبر عصام الشابي أن “الأحزاب في الديمقراطيات التمثيلية وفي البرلمانات المنتخبة انتخاباً حراً ومباشراً، هي التي تضع السياسات، وتتقدم ببرامج وبمرشحين، والناخب هو الذي يختار من يمثله في البرلمان وعلى قاعدة أغلبية وأقلية، وهو ما حدث في تونس مع الانتقال الديمقراطي، الذي دخلت بموجبه نادي الدول الديمقراطية، بتنظيم الانتخابات على ثلاث دورات برلمانية، والنائب يتم انتخابه على أساس برنامج حزبه السياسي، فإن ذلك لا ينفي أنه يمثل الشعب، بحكم الدستور”.
ويرى الشابي أن “التجربة حديثة وأن فترة الانتقال الديمقراطي عرفت بعض المنعرجات الحادة والانتكاسات، فإن البرلمان تمكن من تنظيم الحياة السياسية وسن القوانين لتدبير شؤون الدولة، واختيار الحكومات ومراقبة عملها، والعمل على تطوير الحياة السياسية والاستجابة لمطالب التونسيين”.
بعض الأحزاب “رذلت” البرلمان
وحمل عصام الشابي بعض “الأحزاب السياسية مسؤولية عدم الاستجابة لتطلعات التونسيين، وهو ما استغله رئيس الجمهورية للعمل على إلغائها من الحياة السياسية في تونس على الرغم من مساهمة الأحزاب والجمعيات في تأطير المواطنين”.
وحمل الشابي “النخب السياسية التي تصدرت المشهد بعد انتخابات 2019 مسؤولية تردي الوضع في البرلمان من خلال التوافقات المغشوشة والتحالفات المبنية على المصالح، وهو ما أنتج لحظة 25 يوليو (تموز) 2021”.
نقاط مضيئة في البرلمان السابق
في المقابل، يعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية في البرلمان المنحل نعمان العش أن “هناك نقاطاً مضيئة في البرلمان السابق، من خلال عدد من النواب الذين اشتغلوا على ملفات مهمة، ككشف ملفات فساد في عدد من القطاعات علاوة على ما تقوم به اللجان البرلمانية من عمل جبار في عديد المجالات”.
ويعتبر العش أن “النائب يمثل حزبه ويمثل الشعب في الآن نفسه، لأن برنامج الحزب في علاقة مباشرة بتطلعات التونسيين”، رافضاً “شيطنة كل أعضاء البرلمان السابق”، ومحملاً المسؤولية لبعض “وسائل الإعلام التي ركزت بشكل مكثف على النواب الذين يثيرون الفوضى ويقدمون صورة سيئة عن البرلمان، من دون تسليط الضوء على الجوانب المضيئة في عمل البرلمان”.
وخلص النائب السابق إلى “ضرورة العمل على تغيير عقلية الناخب التونسي، الذي ينتظر من النائب أن يحل كل الإشكاليات بعصا سحرية”، داعياً الأحزاب إلى تنسيب وعودها الانتخابية، لأن “صلاحيات البرلمان واضحة في الدستور، ولا يمكن إيهام الناخب بوعود لا يمكن تحقيقها في ما بعد”.
الكويت… البرامج التنموية على حساب الأحزاب
أما في الكويت، فعلى رغم وجود تيارات ومكاتب سياسية خارج البرلمان وكتل نيابية داخله للحركات السياسية، إلا أنها لا تعد أحزاباً سياسية منظمة بالمفهوم السياسي المعروف، ومن الأمثلة عليها التكتل الشعبي “حشد”، والحركة التقدمية الكويتية، والحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، والتحالف الوطني الديمقراطي، والتحالف الإسلامي الوطني، والحركة الليبرالية الكويتية، والمنبر الديمقراطي الكويتي، والتجمع الإسلامي، وتجمع الميثاق الوطني، والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية.
وقد قام عدد من النواب يمثلون الحركة الإسلامية “حدس” بتقديم اقتراح قانون يدعو إلى السماح بتنظيم الهيئات السياسية (الأحزاب)، وجاء رد المجلس الأعلى للقضاء بعدم دستورية إنشاء الأحزاب في البلاد، لأنها “تهدد وحدة الوطن واستقراره وتمنح الفرصة لتضييع الحقوق باسم حمايتها، وتؤدي إلى تحريف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية”.
ولا تشكل الأحزاب أكثر من 20 في المئة من مقاعد البرلمان الكويتي المؤلف من 50 نائباً، ما يشير إلى أن الشارع يتجه لدعم برامج انتخابية تنموية لا أحزاب.
وقال وزير الإعلام الكويتي الأسبق والكاتب السياسي سعد بن طفلة، إنه “لا يوجد برلمان بالعالم ليس محل سهام التشكيك بأنه لا يمثل الشعوب”، مضيفاً “أما في العالم العربية فلا توجد برلمانات حقيقية، بل محاصصة وفئوية كالحالتين اللبنانية والعراقية، وهاتان الحالتان لا تمثلان الإنسان بلونه أو جنسه أو طائفته أو دينه”.
أما في الكويت فيضيف ابن طفلة بأن “تركيبة البرلمان الكويتي تتكون من ثمانية إلى عشرة أعضاء يمثلون أحزاباً دينية من الفريقين الشيعي والسني كما جرت العادة، وهؤلاء الأعضاء لديهم أجندة خاصة لا تلامس المواطن الكويتي، لكن في الغالب هناك نسبة عالية من تركيبة البرلمان تتجاوز 40 نائباً في كل دورة يمثلون الشعب الكويتي مع الأخذ بالاعتبار توزيع الدوائر غير العادل بالكويت”.
وأكد أن مجلس الأمة هو أكثر البرلمانات العربية “شعبية وانعكاساً لتطلعات الشعب والشارع الكويتي، وإن كانت القوة المنظمة الحقيقية فيه هي للأحزاب الدينية بشقيها”.
لبنان… المشاركة في الانتخابات هي المعيار
أما في لبنان وعلى رغم أن الانتخابات النيابية تقام في مواعيدها كل أربع سنوات، فإن المشهد السياسي لا يرى أي تغيير مع استمرار التمثيل الحزبي في البرلمان. فالاستحقاق النيابي الأخير الذي نُظم في شهر مايو (أيار) الماضي، وبحسب وزارة الداخلية اللبنانية، فقد بلغت نسبة الاقتراع نحو 42 في المئة. ومن المفترض أن تعكس نسبة الاقتراع في الانتخابات واقع الحال من حيث التمثيل الشعبي في البرلمان، إنما وفق ما يوضحه الأمين العام للاتحاد البرلماني العربي فايز الشوابكة “ففي كل دولة عربية، وفي لبنان بشكل خاص، لا بد من أن يؤخذ بالاعتبار مدى مصارحة ومحاسبة الناس بنسبة المشاركة في الانتخابات النيابية، لأنها تشكل معياراً يعكس مدى تمثيل الشعب في البرلمان. فنسبة المشاركة المعلنة لا تعكس بالضرورة نسبة المشاركة الفعلية التي يمكن أن تكون أدنى بكثير. فإذا كانت نسبة المشاركة المعلنة 40 في المئة، يمكن أن تكون في الواقع دون الـ25 في المئة، ما يترك نسبة 75 في المئة من الناخبين من دون تمثيل. وحتى في حال كانت نسبة الـ42 في المئة المعلنة دقيقة، تبقى، فنسبة الـ58 في المئة المتبقية تبقى تشكل الأكثرية”.
أما الإحجام عن المشاركة أو الإقبال عليها فيكون عادة نتيجة تراكمات تجارب سابقة مر بها المواطن، وقد أثرت به. قد تعجز عندها القوى السياسية التقليدية عن إقناع جمهورها بالاقتراع بكثافة، كما أن من يحجمون عن الاقتراع والتصويت لممثلين لهم في البرلمان قد يكونون مقتنعين بعدم جدوى العملية التمثيلية في البرلمان. فما هو دورهم في الاستحقاقات الدستورية؟ هل هم ضد مبدأ الانتخابات؟ وهل فقدوا الأمل بأن تؤدي إلى التغيير؟
في كل الحالات، إحجام النسبة الكبرى من الشعب عن المشاركة في العملية الانتخابية يعد سلبياً، وليس هناك ما يبرره، حتى في حال عدم الاقتناع بالعملية الانتخابية، بحسب متخصصين دستوريين. فبهذه الطريقة تترك الأكثرية الساحة للأقلية، بالتالي سيبقى المجلس النيابي كما هو. وقد فضلت هذه النسبة من المواطنين ترك الساحة شاغرة بدلاً من السعي إلى التغيير “وهنا يكمن الخطأ الكبير”، وفق المتخصصين “باعتبار أن المشاركة هي السبيل الوحيد للتغيير، فليس هناك دور إلا لمن يشارك في عملية الاقتراع، أما الإحجام فتداعيات سلبية على المستويات كافة، والدول العربية. والإحجام عن إبداء الرأي في أي مجتمع أو المشاركة فيه على نطاق ضيق يصاحبه انكفاء عن المشاركة في أي عملية انتخابية، سواء كانت نقابية أو برلمانية. والمشاركة مطلوبة، وكذلك إبداء الرأي، فهي ثقافة لا بد من العمل على نشرها، علماً أن الإحجام عن المشاركة في التصويت يعد من القواسم المشتركة بين لبنان وبعض الدول المجاورة”.
ويعتبر المتخصصون في المجال الدستوري أن من لا يقتنع بأي حزب سياسي من الناخبين فيمكنه الذهاب للاقتراع لمن يشاء بدلاً من الامتناع عن الإدلاء بصوته، فهناك ممثلون مستقلون لا يمثلون الأحزاب ولا ينتمون إليها، لكن الواقع في لبنان أظهر أنه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحديداً، لم يذهب الناس إلى المستقلين ولا إلى الأحزاب، لكن سواء قرروا الاقتراع أم لا يبقى المجلس النيابي موجوداً… “الأخطاء الديمقراطية لا تعالج إلا بمزيد من الديمقراطية. أما العدول والعودة إلى الوراء في المسار الطبيعي للديمقراطية فلا يحل مشكلة”.
الأحزاب من الشعب أيضاً
بالنسبة إلى التمثيل النيابي، سواء أتى على أساس الاقتراع العام المباشر من دون تحديد كوتا للأحزاب أو بتحديد كوتا للأحزاب، لا تختلف القضية، وفق رأي الشوابكة الذي يعتبر أن الأحزاب في كل الحالات تمثل الشعب وتتألف من مجموعة أفراد تشكل شريحة من الشعب، إنما بطريقة أكثر تنظيماً. بشكل عام سواء كان التمثيل في البرلمان كأفراد أو كأحزاب، يبقى المبدأ نفسه، وهو تمثيل الناس، وهنا أساس العملية الديمقراطية التي تتطلب حكم الشعب وبالشعب، لكن نظراً إلى استحالة أن يحكم الشعب بالكامل نفسه، يتم اختيار ممثلين له. أما مدى التزام هؤلاء الممثلين، وهم النواب، في نقل معاناة الشعب ومطالبه، فثمة علامة استفهام حول ذلك، خصوصاً في دول العالم الثالث.
“في الوقت نفسه لا بد من الإقرار أن الشخص الذي يقرر أن يخوض اللعبة البرلمانية ضمن حزب هو حبيس لسياسة الحزب الذي ينتمي إليه ولا يمكنه التمرد عليه، وهذا ما قد يكون مثيراً للجدل حول مدى تمثيل الأحزاب لهذه المجتمعات التي تدعمها أو تصوت لها”.
ولدى المقارنة بين الأحزاب في لبنان والدول العربية من جهة، وتلك التي في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، لا بد من الأخذ بالاعتبار واقع الأحزاب في البلدان المتقدمة التي لها وزن أكثر من الدول العربية، حيث يطغى نظام المحاصصة والكوتات في البرلمان ويكثر المستفيدون منه، ما يختلف عن مفهوم التقسيم الحزبي السائد في الدول الأوروبية.
وبحسب الأستاذة في السياسات العامة في الجامعة اللبنانية لور أبي خليل، فإن “الأحزاب كلها هي عبارة عن زعامات سياسية وعائلية ومناطقية بعيدة كل البعد عن هواجس الناس، وتقع المسؤولية المجتمعية عادة على القياديين في الأحزاب. ففي لبنان يعيشون في عالم آخر بعيد كل البعد عن هموم المواطنين، كما يبدو واضحاً. أما في الدول المتقدمة فيتحركون ليلبوا تطلعات الشعب لأنه ثمة شفافية ومحاسبة، ما ليس موجوداً في لبنان، كما لا تتوافر أي من معايير الحوكمة التي في الدول المتطورة. يضاف إلى ذلك أن الأحزاب في لبنان لا تشبه في بنيتها تلك التي للأحزاب في الدول المتطورة”.
لا محاسبة
أما بالنسبة إلى “النواب التغييريين الذين كان من المفترض أن يكونوا حياديين، وأن يتمتعوا برؤية واضحة واستراتيجية مع وصولهم إلى البرلمان، فلم يكونوا عند حسن ظن الشعب ولم يلبوا تطلعات المواطن ولم يحاكوا هواجسه وهمومه، وكان من المفترض بهم أن يكونوا البديل، وهذا ما لم يحصل”، بحسب أبي خليل.
وثمة مشكلة في مجتمعاتنا، وهي عدم مراقبة وترقب الناخبين لمن يمثلهم، فلا بد من متابعة أداء النائب خلال سنوات العمل التشريعي، ومحاسبته لاحقاً في حال عدم الالتزام بوعوده الانتخابية التي جاء على أساسها، فلا بد للمشاركة المجتمعية أن تقترن بالوعي المجتمعي في الوقت نفسه. وتلعب التنشئة دوراً أساسياً في التزام الناس بالاقتراع لاختيار ممثلين عنهم. ففي الدول التي تعتمد على الديمقراطية على نطاق واسع، تسهم التنشئة البيتية في رسم التنوع المطلوب في الشخصية وفي الاختيارات في الحياة بحرية واستقلالية لإحداث تغيير، وهذا ينقص أيضاً في مجتمعاتنا.
الأكيد أن معالجة جميع الممارسات الخاطئة غير المحبذة ديمقراطياً، لا تكون إلا بمزيد من الديمقراطية وبالتربية الصحيحة، من خلال نشر ثقافة احترام الآخر واختياراته وحرياته والتعددية الفكرية. والمطلوب إحداث تغيير في العملية التربوية في مجتمعاتنا، فهي اليوم عبارة عن تلقين ولا تعتمد على التفاعل أو المشاركة بعكس ما يحصل في الدول المتقدمة، وهذا ما يمكن أن يساعد على تحفيز المواطن على المشاركة وإبداء رأيه وإحداث تغيير، ليصبح ممثلاً بشكل أفضل في الحياة السياسية.
المغرب… البرلمان هو محور الحياة السياسية
وفي المغرب يشكل البرلمان قطب الرحى في المشهد السياسي والتشريعي والديمقراطي، إذ تراهن عليه النخب والمواطنون أيضاً لتطوير وتنمية مناحي حياة المغاربة كافة، وما يحتاجونه في مجالات الصحة والتعليم والشغل وغيرها من القطاعات ذات الأولوية.
وعلى رغم هذه الأهمية التي يمنحها دستور البلاد إلى هذه المؤسسة التشريعية المحورية، فإن عدداً من المراقبين والمحللين يرون أن مجلس النواب لا يمثل حقيقة تطلعات الشعب المغربي، بينما يعتبر آخرون أن “مؤسسة البرلمان كثيراً ما تنتج قوانين تنصف المواطن، وأن هذه المؤسسة الشريعية في نهاية الأمر مُنتخبة من الشعب مباشرة، وقد حظيت بثقة ناخبيها، وأنها تقوم بما يلزم لتأمين النصاب بهدف تمرير التشريعات، على رغم العراقيل التي تواجهها”.
البرلمان في الدستور
ويتشكل البرلمان المغربي من مجلسين اثنين، الأول مجلس النواب ويشمل 395 عضواً ينتخبون مباشرة لولاية مدتها خمس سنوات، والثاني مجلس المستشارين يضم 120 عضواً، ينتخب بطريقة غير مباشرة من المنتخبين في الغرف المهنية وممثلي المأجورين مدة ست سنوات.
وينص الفصل (60) من الدستور المغربي على أن “أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه ويتمتعون بالحصانة البرلمانية”.
وتنعقد جلسات البرلمان المغربي وفق دستور المملكة خلال دورتين خلال السنة الواحدة، ويترأس الملك افتتاح الدورة الأولى في يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وتنطلق الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل (نيسان).
وينص الفصل (67) من الدستور على أنه يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية”.
ويمنح النص الدستوري مؤسسة البرلمان في المغرب السلطة التشريعية، إذ “يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية” وفق الفصل (70) من دستور البلاد.
يمثل الشعب أم الأحزاب؟
وتنقسم الآراء حيال واقع البرلمان المغربي ودوره وإذا ما كان يمثل بالفعل الناخبين ويلبي تطلعاتهم ومطالبهم أو أنه مجرد مؤسسة تشريعية تتعاقب مقاعده الأحزاب السياسية المختلفة كل خمس سنوات لمناسبة تنظيم الانتخابات التشريعية.
أما الاتجاه الأول يجد أن البرلمانيين يمثلون المواطنين الذين صوتوا لفائدتهم في منطقة جغرافية معينة، وبالتالي فإنهم يوصلون أصواتهم إلى قبة المؤسسة التشريعية ويسعون إلى تحقيق مطالبهم الاجتماعية المختلفة عبر مطالبة الحكومة بتلبية هذه الحاجات، كما أن السلطة تعود للمواطنين بعد خمس سنوات، فإما يجددون الثقة بالنائب المنتخب أو يعاقبونه بسحب أصواتهم منه.
وأما الاتجاه الثاني فيرى أن البرلمان يعد مؤسسة تعنى بتشريع القوانين وفق ميزان القوى داخل هذه المؤسسة الدستورية، إذ تعود الغلبة إلى الأحزاب التي لديها تمثيلية أكبر، وهي غالباً أحزاب الأغلبية الحكومية.
وسبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس أن دعا في أكثر من خطاب البرلمانيين إلى التحلي بالمسؤولية والعمل على العناية بمشكلات المواطنين واهتماماتهم، وفي آخر خطاب له توجه إليهم بالقول “لا يخفى دور المؤسسة البرلمانية في مجالات التشريع والتقييم والمراقبة للدفع قدماً بمختلف القضايا والانشغالات التي تهم الوطن والمواطنين، فكونوا في مستوى المسؤولية الوطنية التي تتحملونها، لا سيما في الظروف المحلية الراهنة والتقلبات العالمية الحالية”.
نخب البرلمان
ويعلق أستاذ الحياة السياسية في جامعة مراكش إدريس لكريني على الموضوع بالقول إن “البرلمان مؤسسة تحظى بقدر كبير من الأهمية داخل المشهد السياسي”، مبرزاً أن المغرب راكم مجموعة من المبادرات والإجراءات والتشريعات التي تعزز مكانة البرلمان بغرفتيه، خصوصاً دستور 2011 الذي وسع هامش الصلاحيات التي تحظى بها هذه المؤسسة على مستوى التشريع أو مراقبة العمل الحكومي، أو بلورة ورسم معالم السياسات العمومية، فضلاً عن صلاحيته المرتبطة بالدبلوماسية البرلمانية.
ويرى لكريني أن الرهانات المعقودة على البرلمان كبيرة بالنظر إلى تعقد الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأيضاً ما ينتظر من هذه المؤسسة وبخاصة التعاطي مع مختلف الملفات والقضايا التي تستأثر باهتمام المواطن.
ولفت المحلل ذاته إلى “حجم الأخطار التي تقتضي اليوم بلورة سياسات عمومية معقلنة تستحضر هذه الإشكالات المطروحة في المجتمع”، مشيراً إلى أنه “توجد إشكالات على مستوى النخب البرلمانية بالنظر إلى أن العمل السياسي لم يصل بعد إلى مستوى المقتضيات الدستورية التي تحث هذه النخب على أن تكون في مستوى تطلعات الناخبين”.
وحمل لكريني المسؤولية إلى الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى، وقال إن “المفترض أن تكون هذه الأحزاب مدارس لإعداد النخب التي تتحمل مختلف المسؤوليات”، مردفاً أنه “من المطلوب أن تكون في مستوى المهمات داخل المؤسسة الدستورية سواء بالنسبة إلى العمل الحكومي أو المعارضة”.
ارتباك
وسجل لكريني أن “هناك نوعاً من الارتباك يطبع آداء أحزاب الأغلبية الحكومية، كما أن المعارضة نفسها لم تتسلح بعد بالمقتضيات الدستورية خصوصاً الفصل (10) الذي أتاح لها هامشاً واسعاً للتحرك”.
وزاد، “لا نزال أمام تحالفات حزبية هجينة في البرلمان لم تبلور اجتهادات وتدابير في مستوى الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقتها العديد من الأزمات، من قبيل كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية وما نتج من ذلك من إشكالات حيوية، مثل الأمن الطاقي والغذائي والصحي”.
وتابع أن “الشيء نفسه ينطبق على المعارضة داخل البرلمان، إذ لا يزال حضورها باهتاً ومشتتاً ولا يصل إلى مستوى طموحات الشعب، ولم تع بعد الصلاحيات المخولة لها”، مما أسهم في ظهور معارضة جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي ترافع أو تصنع الرأي العام حيال بعض القضايا.
وشدد لكريني على أن الأحزاب السياسية بحاجة إلى مزيد من العمل على مستوى الحضور في عمق المجتمع، كما أنها مطالبة بتجاوز المقاربات الحزبية الضيقة داخل البرلمان كما هو الشأن بخصوص قضايا التعليم والعدالة والأمن الغذائي والمائي، فكثير من المناسبات بينت أن بعض الأحزاب تقارب القضايا والملفات الكبرى بمنطق حزبي وهو ما يؤثر في جودة أداء البرلمان المغربي”.
الاردن… البرلمان من أداة للتشريع إلى واجهة خدماتية
ولا تنطوي الصورة الذهنية للأردنيين حول برلمانهم سوى عن انطباعات سلبية تعززها كثرة الشجارات تحت القبة، وسرعة تمرير القوانين غير الشعبية، وقائمة طويلة من القرارات الاقتصادية المؤلمة.
وعلى رغم التجربة الثرية للبرلمان الأردني منذ عام 1947 فإن ثقة الأردنيين به تتضاءل يوماً بعد آخر، وفق ما أظهره أحدث استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، إذ اتضح أن ثقة الأردنيين بمجلس النواب تراجعت من 20 في المئة إلى 17 في المئة.
لكن البعض يعول على الاستدارة السياسية التي أجرتها الحكومة الأردنية عبر تشجيع وتعزيز الحياة الحزبية والسياسية وصولاً إلى تشكيل أول حكومة حزبية برلمانية في الأعوام المقبلة.
انتكاسة أم تحول؟
يقول الخبير بالشأن البرلماني خالد الجهني لـ”اندبندنت عربية” إن “الأحزاب لا وجود لها تحت القبة بالمعنى الحقيقي باستثناء الكتلة الممثلة لجبهة العمل الإسلامي”.
يضيف الجهني “لا يمكن القول إن مجلس النواب يمثل الشعب الأردني، هذا ما ينص عليه الدستور، لكن ضمن استطلاعات الرأي فهو فاقد للشعبية”.
يؤكد الجهني “الأردنيون لا يزالون يتغنون بتجربة برلمان عام 1989 باعتبارها أفضل تجربة برلمانية شعبية وديمقراطية، بينما تحول البرلمان الحالي والبرلمانات السابقة إلى طابع خدماتي ينهمك النواب فيه بتقديم الخدمات المناطقية للمواطنين بدلاً من القيام بدورهم الحقيقي المطلوب، وهو التشريع ومراقبة أداء الحكومة التي تستغل هذه الخدمات لاستمالة النواب واستجلاب ثقتهم”.
يصنف الجهني البرلمان الأردني بأنه جيد إذا ما قورن بدول عربية أخرى، لكنه تعرض لانتكاسات كثيرة كما هو الحال عام 1957 حين تم تجميد الحياة البرلمانية، وغاب البرلمان طويلاً، مما أوجد فراغاً في الحياة السياسية، لكن عودة البرلمان بعد ذلك بقوة عام 1989 أعادت الأمل لدى المواطن بأن تكون السلطة التشريعية قادرة على إيجاد الحلول.
لكن حملة التغييرات التي طالت القوانين بحسب الجهني، بخاصة قانوني الأحزاب والانتخاب، أثرت في المخرجات الانتخابية في مجلس النواب، فأصبح المواطن لا يشعر أن هذا المجلس يعبر عنه بشكل حقيقي، وهو ما ترجم لاحقاً إلى عزوف الأردنيين عن الانتخاب.
استعادة الثقة
يقول مراقبون إن الحياة الحزبية والتعددية السياسية في الأردن واجهت صعوبات كثيرة، بسبب محدودية مشاركة الأحزاب في العمل البرلماني.
ويطالب مراقبون النواب باستعادة ثقة المواطنين بهم كما يطرح عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة حسين محادين، عبر اتخاذ قرارات شعبية.
لكن البعض يعتقد أن الحضور الطاغي لممثلي العشائر في البرلمان الأردني مقابل ضعف الأحزاب يسهم في تحجيم البرلمان ودوره، وتحويله إلى برلمان خدماتي مناطقي.
يقول النائب السابق جميل النمري “ما دام الناخب الأردني يصوت وفق النمط الاجتماعي السائد والمتمثل بالعلاقات الاجتماعية فلن نتوقع شكلاً جديداً للبرلمان الأردني”.
يؤكد خالد أبوحسان أن البرلمان الأردني هو برلمان وطني تأسس بموجب دستور عام 1952، وينتخب من قبل الشعب وفق قانون الانتخابات الذي يعد عصرياً، وذلك رداً على اتهامات بانحياز النواب لصالح الحكومات المتعاقبة واتهامهم بالنفع من دورهم النيابي.
يقول منتقدون لقرار منح النواب حصانة برلمانية ورواتب تعد مرتفعة، نحو 5000 دولار، إن النواب ليسوا مسؤولين فقط عن تمرير القوانين وتمثيل مصالح ناخبيهم، ولكنهم مسؤولون أيضاً عن ضمان مساءلة الحكومة أمام الشعب.
لكن في السنوات الأخيرة كان هناك استياء متزايد من أداء البرلمان والحكومة. ويعتقد كثير من الأردنيين أن مجلس النواب لا يفعل ما يكفي لتحسين حياة المواطنين البسطاء.
برلمان حزبي أم حكومي
من بين 130 مقعداً برلمانياً تضم تركيبة مجلس النواب الأردني الجديد 17 نائباً يمثلون أحزاباً وتيارات سياسية، على رغم ذلك ثمة اتهامات للحكومة بالسيطرة على غالبية أعضاء المجلس.
ولا يبدو الحضور الحزبي كبيراً أو مؤثراً، إذ لم تنجح الكتلة الحزبية حتى الآن في تمرير قانون أو إفشال آخر بالغالبية، ووفقاً لدراسة تحليلية لمركز “راصد” لمراقبة البرلمان، فإن أربعة أحزاب فقط وصلت إلى البرلمان وبأصوات بلغت 145 ألف ناخب فقط من أصل مليون و300 ألف مقترع.
يقول الكاتب مصعب الشوابكة إنه ومنذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 كان مصير المجالس النيابية الحل، مما جعل من المجالس النيابية المتعاقبة ما وصفه بـ”ديكور سياسي” لا أكثر.
ويصف الشوابكة العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب الأردني بأنها مشوهة، وتقوم على تبادل المنافع، مما أنتج مجلس نواب مناطقياً عبر قوانين انتخاب قسمت الأردنيين، ويدلل الشوابكة على ضعف النواب الأردنيين بعدم مقدرتهم على إسقاط أي حكومة أو التصويت على عدم منح الثقة لها بالإجماع.
العراق… هل يمثل البرلمان شريحة واسعة من الشعب؟
في العراق، يرى متخصصون في الشأن الدستوري أن تراجع نسبة المشاركة في آخر انتخابات شهدها العراق في عامي 2018 و2021 إلى أقل من 40 في المئة، وفق منظمات دولية ومحلية ومفوضية الانتخابات العراقية، دليل على أن مجلس النواب العراقي الحالي لا يمثل جميع العراقيين بكل شرائحهم وانتماءاتهم.
وعلى رغم المقاطعة الواسعة للاستحقاق الدستوري إلا أن هناك شرائح ليست بالقليلة لا تزال تشارك في الانتخابات لإيصال ممثليها إلى البرلمان العراقي، بخاصة أن الانتخابات الأخيرة كانت الدوائر فيها مناطقية، ولم يكن العراق دائرة انتخابية واحدة، وذلك لمزيد من التمثيل الشعبي في البرلمان العراقي، لتعبر بشكل متفاوت عن تمثيل برلماني لأغلب مناطق البلاد. وجاء هذا الأمر بعد ضغط شعبي تمثل في تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) التي خرجت للمرة الأولى عام 2019، لتطالب بمزيد من التمثيل الشعبي في البرلمان بدلاً من اقتصاره على أحزاب معينة هيمنت على البرلمان على مدى دورات عدة، منذ انتخابات 2005، وهي أول انتخابات عامة في البلاد بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين.
لا يمثل الجميع
بعض الجهات التي تمثل احتجاجات أكتوبر كانت لها وجهة نظر واضحة حول عدم تمثيل البرلمان العراقي لشرائح واسعة من المجتمع العراقي، لكون نسبة المشاركة في الانتخابات كانت متدنية جداً قياساً بالسنوات السابقة.
وقال القيادي في حركة “امتداد” مسعد الراجحي إن البرلمان الحالي لا يمثل الشعب العراقي، لكون نسبة المشاركة لم تتعد الـ20 في المئة.
وأضاف أن “نتائج الانتخابات تظهر جلياً وبالحسابات أن نسبة المشاركة تراوحت بين 18 و20 في المئة مع عزوف ما يقارب 80 في المئة من الشعب العراقي، وذلك بسبب سلوكيات الأحزاب السياسية”، مبيناً أن الشعب العراقي كان في حالة من اليأس من تشكيل هذه المنظومة وشكل النظام.
ورأى الراجحي أن نسبة المشاركة قليلة، ولهذا فإن التمثيل هو للأحزاب السياسية، وهو نتيجة المحاصصة الطائفية، مما يوضح أن البرلمان الحالي لا يمثل الشعب العراقي، لافتاً إلى أن “هذه الأحزاب جاءت لتنفيذ أجندات واضحة تمت ترجمتها للتعطيل وعدم احترام رغبات الشعب العراقي”.
“غبن شاسع”
وتابع الراجحي أن تلك النسبة الضئيلة انتخبت الأحزاب التقليدية، في حين صوتت نسبة بسيطة للشخصيات الوطنية والحركات الناشئة والمستقلة، مؤكداً أن “هذه المعادلة فيها غبن شاسع في تحقيق تطلعات الشعب العراقي تجاه التجربة السياسية”.
ولفت إلى أن “الأدوات الفاسدة التي اتبعتها الأحزاب التقليدية جراء العوامل الماضية الماضية، توضح أسباب العزوف عن الانتخابات، وتشير إلى عدم اطمئنان الشارع العراقي للأحزاب التقليدية”.
يمثل الشعب
لكن النائب عن الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وممثل المكون الإيزيدي في البرلمان شريف سليمان، كانت له وجهة نظر معاكسة ويرى أن البرلمان العراقي يمثل الشعب.
وقال إن “البرلمان العراقي منذ تشكيله في عام 2005 في أول انتخابات نيابية، أصبح يمثل الشعب العراقي بحسب ما نص الدستور العراقي وما يحكمه قانون الانتخابات”، مبيناً أن الانتخابات التشريعية تجري كل أربع سنوات بشكل ديمقراطي، وبطبيعة الحال لا بد أن يكون هناك تنافس بين الأحزاب السياسية”.
برلمان تعددي
وأضاف سليمان أن “البرلمان العراقي هو برلمان تعددي وفيه ممثلون عن الطوائف والأديان والمذاهب، فضلاً عن وجود نواب مستقلين”، لافتاً إلى أن تمثيل الأحزاب في البرلمان العراقي يعني تمثيله للمكونات والشعب العراقي بشكل أوسع.
وعلى رغم انتماء سليمان للحزب الديمقراطي الكردستاني، فإنه يمثل المكون الإيزيدي في الوقت نفسه، والذي أكد أن تمثيل المكونات العراقية والقومية موجود في البرلمان العراقي، فضلاً عن التمثيل السياسي الذي يضع استراتيجية الأحزاب السياسية بشكل أشمل.
حصلوا على أصوات الشعب
ورد سليمان على سؤال حول إذا ما كان البرلمان يمثل الشعب العراقي، متسائلاً “كيف لا يمثل النواب الشعب وهم حصلوا على أصواته ودعمه الكبيرين؟”، معتبراً أن “هذه الاتهامات سببها انتشار الفساد في الدولة العراقية، مما خلق حالة من عدم رضا المواطنين عن هذه الأحزاب”.
وتابع أن الدولة العراقية تعاني التأثيرات الداخلية والخارجية، مما يلقي بظلالها على من يدير دفة السلطة، وهذه كلها تشكل عراقيل أمام تنفيذ وعود النواب الذين صرحوا بها قبل انتخابهم.
غير مكتمل
ويرى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن “البرلمان الحالي لم يكتمل دستورياً لحد الآن لعدم تشكيل مجلس الاتحاد، لأن نظام البرلمان هو نظام الغرفتين، بالتالي هناك انتقاص من الطبيعة الدستورية والبنيوية لبرلمان العراق”.
وفيما بين أن أهداف الطبقة السياسية لا تمثل الشعب العراقي، أشار إلى أن “مقاطعة 80 في المئة أو أكثر انتخابات 2018 و2021 تعكس مدى الفجوة العميقة بين الشعب بمختلف أحزابه ومنظماته وبين الطبقة السياسية التي احتكرت السلطة منذ 2003 إلى يومنا هذا”.
وتابع فيصل أن طبيعة الطبقة الحاكمة لم يحصل فيها أي تغيير جوهري في السياسات التي أنتجت مشكلات كبرى مثل الفقر والبطالة والجوع والتشرد والحروب والعنف والاعتقالات العشوائية والعنف واغتيال النخب وغيرها.
المعارضة واسعة
ولفت إلى أن “إذا كان يمثل البرلمان الطبقة السياسية التي ارتكبت جرائم ضد الشعب العراقي، فمن المستحيل أن تمثل هذه الطبقة أهداف الشعب العراقي وطموحاته”، معتبراً أن المعارضة وعدم الرضا والاحتجاجات آخذة في الاتساع في كل مدن العراق.
الجزائر… النواب بين تمثيل الشعب وحماية مصالح الحزب
أما برلمان الجزائر أو كما يطلق عليه “دار الشرع” وأحياناً “المحكمة السياسية” فكان مسرحاً لتجاذبات عدة، وكان الشاهد على أحداث كثيرة والمشرع للقوانين والنصوص كما أنه الحافظ لحقوق الشعب وانشغالاته.
بعد أن التصقت به صفات “غير لائقة” خلال فترة حكم الرئيس الراحل بوتفليقة، وقبلها حين كان الرأي الواحد سائداً ومرافقاً لحكم الحزب الواحد، جاء برلمان ما بعد الحراك الشعبي الذي عرف تمكين فئة كبيرة من الشباب من افتكاك مقاعد نيابية. غير أن ذلك لم يحرك الوضع داخل المجلس الشعبي الوطني، الذي يسير في نفس اتجاه سابقيه من حيث التعاطي مع النشاط الحكومي والبرلماني، ما جعله عرضة للانتقادات في كثير من الأحيان. ولعل الغياب المتكرر والمستمر لنواب واعتماد المناقشة الباردة والاكتفاء برفع الأيدي تجنباً لأي “صداع”، ممارسات جلبت بحسب متابعين، “الخيبة” لمواطنين خرجوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يدافع عن انشغالاتهم وهمومهم ويقدم المشاريع التنموية، “على الرغم من أن الوضع لا يشمل الجميع، بوجود ممثلين يتمسكون بأدوارهم ويتحملون مسؤولياتهم أمام ناخبيهم”.
ورأى خبراء دستوريون ورى ورأى في أن أن “بعض النواب يخضعون لأوامر تشكيلاتهم السياسية التي أصبح من الصعب التمييز بين المعارضة والموالاة بعد أن التزمت الصمت، فمنهم من يجد نفسه ملزماً للوقوف عند قرارات حزبه حفاظاً عن الهدوء وأيضاً تجنباً للصدام مع السلطة، في حين هناك فئة تبحث عن مصالحها الشخصية وهي على قلتها عكس البرلمانات السابقة، تنتهج سياسة التخفي أو على عدم الظهور”.
البرلمان أصبح جزءاً من الحكومة
وفي السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية عبدالقادر عبدالعالي، أن “هناك أزمة مؤسساتية وسياسية عميقة لدى البرلمان ونوابه، إذ أصبح كثير منهم يعمل بعيداً من الالتزام الحزبي وإرادة الشعب”. وقال إن “البرلمان لم يعد يمثل الشعب نظراً إلى مسايرته للحكومة في إصدار قرارات وسياسات غير شعبية، ولم يعد يدافع عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولم يعد يمثل الأحزاب السياسية، لأن الكتل البرلمانية أصبحت تبحث عن تأييد الحكومة بدلاً من أن تبحث الحكومة عن تأييد البرلمان، بل أصبح الرأي العام بمثابة بديل عن البرلمان الذي أصبح جزءاً من الحكومة وليس ممثلاً للشعب”.
ويرجع عبدالعالي، أسباب هذا الوضع إلى “تحول الأحزاب إلى مؤسسات احتكارية أغلقت فرص التداول على السلطة، إضافة إلى ميراث الحراك الشعبي الذي رفع سقف المطالب بإصلاحات عميقة”، مضيفاً أن “البرلمان لم يقم بدوره الرقابي والتمثيلي بعد، ويحتاج إلى تدعيم استقلاليته بتفعيل نصوص الدستور الجديد، ووضع أولويات مستقبلية في تعيين رئيس الحكومة ومعظم طاقمه من نواب البرلمان”.
قلة قليلة
من جانبه، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بريك الله حبيب، أن “قلة قليلة من أعضاء البرلمان تمثل الشعب وتطلعاته، وتحمل هموم المواطن البسيط، وتسعى إلى تحقيق مصالحه وتنقل صرخاته وآهاته، وهو الذي وضع ثقته في النواب الذين أوصلهم ليتحدثوا بلسانه، ولكن الأغلبية تتكلم بأسماء أحزابها وتسعى لقضاء أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية للحزب الذي تنتمي إليه”، معبراً عن أسفه الشديد لهذه الممارسات.
ويشير حبيب إلى أن “الجزائر من خلال مؤسساتها السيادية، يجب أن تحرص كل الحرص على إعادة النظر في شروط وآليات وضوابط الترشح، ورفع سقف التحدي عالياً من أجل استقطاب أسماء وممثلين من الشعب وإلى الشعب”، ورداً على سؤال حول أسباب “انقلاب” النائب، أوضح أن مع وصول هذا الأخير إلى قبة البرلمان تتهاوى لديه هموم المواطن شيئاً فشيئاً.
التوازن بين الدورين الحزبي والانتخابي
إلى ذلك يرى الحقوقي آدم مقراني أن البرلمان بصفة عامة هو مسرح لإيصال صوت الشعب عبر مجموعة من الممثلين الذين يتخذون عادة شكل أحزاب أو كتل مستقلة، لنقل نبض الشارع وهواجسه السياسية والفكرية، لكن أحياناً تغيب هواجس الشارع عن تلك المجالس البرلمانية وتهمل ما ينشده الشعب من مطالب. وقال إنه لا يحيد المثال الجزائري عن هذا الإطار، إذ “تتسم الساحة الحزبية البرلمانية الجزائرية بغياب الوعي السياسي الكفيل بجعل النائب في خدمة شعبه ومنطقته، لنجد في المقابل نواباً في خدمة مصالح أحزاب قد تتضارب مع المصلحة العامة”.
ويواصل مقراني “لا نطلب من نواب البرلمان أن يهملوا أحزابهم ويضعوها جانباً، غير أنه يجب التوازن بين دورهم الحزبي ودورهم التشريعي”، مشيراً إلى أن نقص التجربة السياسية وحداثة عهد النواب قد يؤدي إلى قطيعة البرلمان مع الشارع لا سيما في غرفته السفلى “المجلس الشعبي الوطني”، التي تنتخب بطريقة مباشرة من الشعب، الأمر الذي يجعل الدور التمثيلي للنائب يقتصر على الحزب وما وراءه من مصالح ولوبيات.
تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة
رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالبرلمان النائب على محمد ربيج له رأي آخر، ويشدد في تصريحه على أن البرلمان هيئة دستورية تشريعية مهمتها الأولى تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة. وقال إن كل منتخب من طرف الشعب يمثل الشعب ويرافع باسم الشعب ويدافع عن مصلحة الشعب، لكن كل نائب من موقعه وبوسائل وميكانيزمات وآليات مختلفة. وأوضح أن الحكومة التي يتم تعيينها من قبل رئيس الجمهورية الذي هو ممثل الشعب، تعمل على تحقيق برنامج الرئيس. و”البرلمان يضم الموالاة والمعارضة في غالب الأحيان، إذ تعمل الموالاة على مساعدة الحكومة على تنفيذ البرنامج، فيما تسعى المعارضة إلى مراقبة الحكومة والكشف عن النقص والضعف في تطبيق هذا البرنامج”. وختم بأن النائب هو منتخب من طرف الشعب يدافع عن الشعب ولكن هو في الأخير يلبس قبعة سياسية ويمثل حزبه داخل البرلمان.
إعادة كسب ثقة المواطن
وكان النائب عبدالوهاب آيت منقلات، خلال ترؤسه الجلسة العلنية الأولى للبرلمان من الفترة التشريعية التاسعة، قد شدد على أهمية استرجاع صدقية البرلمان بهدف إعادة كسب ثقة المواطن، مضيفاً أن “الشعب الجزائري تعب من الكذب والنفاق ما يتطلب منا العمل لاسترجاع صدقية البرلمان بهدف إعادة كسب ثقته”. ودعا النواب إلى ضرورة اعتماد “الثقة والمفاهمة خدمة لمصلحة البلاد بعيداً من أي مصالح شخصية”.
مصر… إلى أي مدى يفتح البرلمان أعين الرقابة على الحكومة؟
في عشرية 2010-2020 المليئة بالاضطرابات والتغيرات السياسية شهدت مصر أربعة برلمانات أحدها كانت محركاً لانتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ولم يتخط عمره بضعة أشهر، إذ شهدت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تبايناً واضحاً.
ووفق نصوص الدستور المصري لعام 2014 يتولى مجلس النواب سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
ويمنح القانون عديداً من الأدوات الرقابية لعضو مجلس النواب، أولها تقديم أسئلة للوزير المختص للاستفهام عن أمر لا يعلمه النائب، وتقديم طلبات الإحاطة لرئيس مجلس الوزراء أو وزرائه للإحاطة بما له أهمية، إضافة إلى تقديم البيانات العاجلة بطلب من رئيس المجلس للموافقة على إدلائه في موضوع خارج جدول الأعمال، وتوجيه استجواب للحكومة أو وزير بغرض المحاسبة، وطلب سحب الثقة من وزير أو الحكومة بكاملها بتقديم طلب إلى رئيس البرلمان موقعاً من 10 في المئة من النواب على الأقل، كما تشمل الأدوات الرقابية طلب المناقشة العامة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأن ما، شريطة توقيع 20 عضواً على الأقل، كذلك قد تشكل لجان استطلاع ومواجهة في شأن قضية مهمة أو لجنة تقصي حقائق لتتبع نشاط أو قضية، وتصل الأدوات الرقابية إلى إمكانية اتهام رئيس الحكومة وأعضائها بالخيانة العظمى.
استجواب الوزراء
لكن الاستجواب ظل الوسيلة الرقابية الأشهر والأكثر فاعلية في تاريخ البرلمان المصري منذ أول استخدام لها عام 1924، حيث وجه لوزير المالية في شأن إنفاق الخزانة العامة في السودان، مروراً باستجواب عن كلفة حفل زفاف الملك فاروق في عام 1937، وآخر عن انتشار مرض السل في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك طاول استجواب برلماني وزير الدفاع عبدالحليم أبو غزالة في شأن عمولات نقل أسلحة أميركية.
وفي السنوات الأخيرة خفتت وتيرة تقديم استجوابات للوزراء، حيث لم يتم تقديم أي استجواب منذ بدء البرلمان السابق عمله في عام 2015 وحتى عام 2020، حين تم تقديم استجواب ضد وزيرة الصحة السابقة هالة زايد، وذلك على رغم أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان قد صرح عام 2019 بأن على نواب الشعب التصدي لأي أمر محل تشكيك حتى لو يخص تقصيراً من مؤسسات الدولة، كما حث المسؤولين على عدم أخذ الأمر بحساسية في حال استجوابهم برلمانياً، مضيفاً “نحن نتعامل في إطار الدولة ونخطئ ونصيب، بالتالي لم يكن هناك مانع من توضيح ذلك ونتحدث بموضوعية وحقائق وبيانات مهما كانت هذه البيانات صعبة”.
وفي الدورة الحالية لمجلس النواب كان أول استجواب للحكومة العام الماضي، بعد عام كامل من بدء المجلس أعماله، وقدمه النائب مصطفى بكري في شأن خطة الدولة لتصفية مصنع حلوان للحديد والصلب، وهو مجمع صناعي تاريخي أسسه جمال عبدالناصر، لكن رغم ذلك مضت الدولة في خطتها لتصفية المصنع.
وبمقارنة تلك الأرقام بعهد مبارك، يمكن ملاحظة التراجع الكبير في عدد الاستجوابات، حيث كان عددها قد وصل عام 2007 إلى 85 استجواباً مقدماً في الوقت ذاته ضد حكومة أحمد نظيف، رئيس الوزراء في ذلك الوقت. وتظل طلبات الإحاطة هي الوسيلة الرقابية الأكثير شيوعاً في البرلمان الحالي في شأن القضايا المختلفة.
تقييم النواب
وعلى رغم غياب استطلاعات للرأي عن تقييم المواطن المصري أداء البرلمان، فإن مراكز أبحاث تقوم بدراسات عن أداء النواب فعلى سبيل المثال أصدر مركز “جسور” للدراسات الاستراتيجية، في فبراير (شباط) الماضي، تقريره الأول عن تقييم أداء أعضاء البرلمان، بعنوان “تحليل تفاعل ومداخلات النواب في 2021″، وخلصت الدراسة إلى الدعوة للعمل على إيجاد آلية حقيقية للتواصل الجماهيري، وتعزيز صورة البرلمان لدى تلك القطاعات، سواء باستعادة آلية البث التلفزيوني المباشر للجلسات أو بتحديد توقيتات لاحقة وملزمة لبثها إلى جانب تفعيل دور معهد التدريب البرلماني في بناء قدرات الأعضاء في ما يخص العمل البرلماني والتواصل الجماهيري، وكذلك ضرورة اهتمام النواب بصناعة رأي مجتمعي إيجابي تجاه البرلمان، بوجود آلية حقيقية في مكاتبهم لتتبع ممارستهم ورصد طبيعة الأنشطة والتدخلات التي يقومون بها.
واختلفت تركيبة الحكومات المصرية قبل وبعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، حيث تقلص الاعتماد على وزراء حزبيين وأصبح جميع الوزراء تقريباً تكنوقراط، على عكس حكومات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك التي كان معظم أعضائها من أعضاء الحزب الوطني الحاكم، وفي عام حكم جماعة الإخوان (2012-2013) احتوى التشكيل الحكومي على أعضاء بحزب الحرية والعدالة وأحزاب متحالفة معه.
ومثل 26 حزباً وتياراً في مجلس النواب المصري الحالي، الذي انتخب عام 2020، مقابل 19 في برلمان 2015، و18 في مجلس الشعب 2012 و6 فقط في آخر مجالس الحزب الوطني في عام 2010.
هيمنة حزبية
ويهيمن حزب “مستقبل وطن” على ساحة البرلمان المصري بـ316 مقعداً من بين 596 مقعداً في مجلس النواب، وفي مجلس الشيوخ بـ149 مقعداً من أصل 300 مقعد.
عملية اختيار أو تنسيق القوائم الانتخابية لبرلمان 2020 التي أسفرت عن تكوينه الحالي كانت معقدة بعض الشيء، بسبب الحديث عن خلافات في تشكيل القائمة الأبرز، والتي فازت بعد ذلك، “القائمة الوطنية من أجل مصر” بتعاون 13 حزباً سياسياً، من بين 104 أحزاب ناشطة في مصر وفقاً لتقارير رسمية من لجنة الأحزاب، إلى جانب مشاركة نادرة لبعض أحزاب المعارضة.
وأفرزت الانتخابات وصول 19 حزباً إلى البرلمان، لكن معظمها جاء نتيجة قبوله الدخول في ائتلاف حزبي واسع النطاق مع حزب “مستقبل وطن” في القائمة المغلقة، وغياب تمثيل أحزاب المعارضة بشكل كبير، بخاصة مع نظام انتخابي يشمل توسعاً لمقاعد القائمة المغلقة، مما يمنح الطرف الأساسي في الائتلاف “مستقبل وطن” فرصة أكبر في اختيار النواب.
وتعرض حزب “مستقبل وطن” لاتهامات من بعض السياسيين إبان الانتخابات تتعلق بمساعيه إلى الهيمنة على الحياة السياسية، لكن نائب رئيس الحزب حسام الخولي نفى في تصريحات لصحف محلية وقتها هذه الاتهامات. وقال إن سعي الحزب للحصول على أكبر عدد من المقاعد مصدره شعبيته الواسعة، وقدرته على تنظيم وحشد الناخبين، كما اعتبر الأمين العام للحزب أشرف رشاد نتيجة الانتخابات أنها “دليل على ثقة الشارع بممثلي الحزب”.
تاريخ البرلمان المصري
وشهدت مصر أول حياة سياسية وبرلمانية في الوطن العربي، إذ بدأت في عام 1866، حيث شكل أول برلمان مصري سمي آنذاك “مجلس شورى النواب”، وتكون من 75 عضواً نيابياً أغلبهم من كبار ملاك الأراضي الزراعية في جمهورية مصر العربية. وكان “الحزب الوطني” هو الحزب الأول في مصر، وتشكل عام 1907 على يد مصطفى كامل باشا، وخلال 10 سنوات شهدت الأحزاب المصرية تنوعاً كبيراً في طبيعتها وأيديولوجيتها السياسية وقدراتها على توسعة قاعدتها الشعبية، وكان حزب “الوفد” علامة بارزة في الحياة السياسية منذ العشرينيات من القرن الماضي، وحتى إلغاء الأحزاب بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، إلى أن أعادها الرئيس الأسبق أنور السادات في السبعينيات.