الخرطوم – وكالات
يعول السودانيون بشكل كبير على الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، وتقدر بمليارات الدولارات، من أجل توجيهها في عمليات التنمية، خصوصاً أعمال البنى التحتية التي تفتقدها معظم مناطق البلاد، فضلاً عن ارتفاع الأحوال المعيشية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، فهل تنجح حكومة الخرطوم المقبلة في استرداد هذه الأموال، وما الخطوات التي تتبعها في هذا الشأن؟
قوانين وتشريعات
يرى أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، حسن بشير محمد نور أن “جدوى تلك القضية يتطلب أن يكون هناك إصلاح مؤسسي في المنظومة العدلية بشكل كامل من قضاء ونيابة عامة وشرطة، فضلاً عن القوانين والتشريعات الخاصة بالتصرف في المال العام حتى تسترد الأموال المنهوبة بطريقة مؤسسية، وكذلك لا بد من إنشاء مفوضية لتتولى هذه المهمة، خصوصاً أن الفساد المالي خلال فترة النظام السابق كان ضخماً وله أبعاد كبيرة ونفوذ يحميه حتى استمر 30 عاماً، وشمل كل مؤسسات الدولة”.
وقال نور إن “الأموال المنهوبة في الخارج، التي تقدر بمليارات الدولارات تحتاج لتقصي بطريقة احترافية ومهنية وليس عن طريق لجنة مؤقتة يقوم عليها أشخاص عاديون، فمثل هذا الطريق والتوجه لن يوصل إلى الهدف المنشود، فلجنة إزالة تمكين نظام الـ30 من يونيو التي تولت هذه المهمة خلال فترة حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك السابقة كانت هشة ولا تتمتع بعوامل القوة لذلك أجهضت، بالتالي لا بد من التعامل مع هذه القضية بمنهج متخصص واضح المعالم يقوم على هياكل منظمة للتعاملات المالية وأسس المراجعة والفحص”.
تتبع ورصد
وتابع نور “من المؤكد أن استرداد هذه الأموال الضخمة مسألة معقدة للغاية، ومن المؤسف أن الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والمهنية ضعيف جداً، وهو أحد أسباب المآسي التي تشهدها البلاد، فالنجاح في هذه المهمة يعتمد على طبيعة الحكومة المقبلة التي من المتوقع تشكيلها قريباً بعد التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، فإذا كانت حكومة حقيقية وقوية بعيدة عن المحاصصات السياسية، فضلاً عن ارتباطها بمنظومة الإصلاح المؤسسي في شتى المجالات العدلية والمالية والمصرفية وغيرها، فبلا شك ستنجز المهمة، وإن كان الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً يتعدى عمر الفترة الانتقالية المحددة بـ24 شهراً، لأن المهمة كبيرة ومتشعبة”.
وحول إمكان مساعدة المجتمع الدولي للسودان في استرداد أمواله المنهوبة من الخارج، أجاب بقوله “من الممكن أن تساعد المؤسسات الدولية وبعض حكومات الدول الصديقة من الناحية الفنية والمهنية بما لديهم من خبرات في هذا الجانب، خصوصاً الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وما يسهل هذه المهمة وجود السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في السابق، وهو ما جعله محط تتبع ورصد في مجالات غسل الأموال والتجارة غير المشروعة وغيرها، فضلاً عن محدودية تعاملاته، فمساعدة الشركاء الدوليين لإنجاز هذا الموضوع مهمة، ويمكن الوصول إلى جزء مهم من الأموال التي تكون في شكل ودائع بالمصارف وأصول عقارية وغيرها، لكن إذا كانت عبارة عن شركات فستكون المهمة أصعب”.
ولفت أستاذ الاقتصاد السياسي إلى أن “التقديرات الخاصة بحجم هذه الأموال متفاوتة، لكونها تراكمت بطرق غير مشروعة، بخاصة تلك المهربة إلى الخارج، لكن بالنسبة إلى الأموال في الداخل فهي واضحة ومعروفة لأنها تتعلق بثروات أفراد، وسبق أن توصلت اللجنة السابقة لإزالة التمكين ومحاربة الفساد إلى بعض الأموال والعقارات المنهوبة من قبل أفراد نافذين في الحكم السابق، لكنها لم تصل إلى أوكار الأموال الضخمة”.
صعوبات وتحديات
في السياق، يشير المتخصص في الشأن القانوني، كمال محمد الأمين إلى أنه “يجب على الحكومة الانتقالية المقبلة تبني إصدار قانون جديد لتفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989 وإزالة التمكين، يتضمن بنوداً واضحة تأخذ في اعتبارها توصيات الورشة الخاصة بتفكيك نظام البشير السابق التي انعقدت في التاسع من يناير، وجاءت في إطار ترتيبات المسار السياسي تمهيداً للاتفاق النهائي، على أن يراعي القانون الجديد جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالفساد ويسعى لتفكيك دولة الإخوان بأقصر الطرق وأعدلها”.
وعن حجم الأموال المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق، أوضح الأمين بقوله “لا توجد تقديرات محددة لحجم فساد نظام الـ30 من يونيو، فإذا نظرنا لآخر تقرير صادر من منظمة الشفافية الدولية نجد أن السودان يحتل مرتبة متأخرة جداً، إذ يعد من بين الدول الأكثر فساداً، فقد اعتمد النظام السابق على شبكة فاسدة كرست جهودها على الإثراء الشخصي، إلى جانب صور متنوعة للفساد والتمكين لعضوية المؤتمر الوطني في جميع مفاصل الدولة، لذلك ارتفعت نسبة الفساد إلى درجة عالية جداً، مما يتطلب معه الأمر جهوداً كبيرة للوصول إلى هذه الشبكة الفاسدة وتفكيكها”.
وتوقع الأمين أن تواجه عملية استرداد الأموال المنهوبة صعوبات وتحديات كبيرة، بخاصة أن التمكين طال جميع مؤسسات الدولة ولمدى 30 عاماً، فضلاً عن الاستبداد والتسلط والاعتداء على المال العام وتهريب جزء كبير منه خارج البلاد، مشيراً إلى أن “حجم الضرر الذي سببه انقلاب 25 أكتوبر2021 كان كبيراً وكانت الردة أكبر من خلال إلغاء معظم قرارات اللجنة بواسطة الدائرة الخاصة بالطعون في المحكمة العليا وعودة عناصر النظام السابق لتصدر المشهد من جديد، بالتالي فإن الأضرار كبيرة ولا يمكن حصرها”.
ومضى المتخصص في الشأن القانوني بالقول “في تقديري فإنه إذا توافرت الإرادة السياسية من خلال إصلاح القضاء ومؤسسات الخدمة المدنية، إضافة إلى استحداث قانون يختص بتفكيك نظام الـ30 من يونيو يقوم بعمليات تدقيق واسعة من دون الاتجاه لأي أعمال تطهير، ستتحقق خلال بضعة أشهر نتائج ملموسة في جانب تفكيك بنية النظام السابق، فضلاً عن استرداد الأصول والأموال المنهوبة داخلياً وخارجيا”، لافتاً إلى أنه بالإمكان الاستفادة من المؤسسات الدولية التي لديها خبرات كبيرة في هذا المجال وتحديداً الدول التي مرت بظروف وتجارب مشابهة للسودان.
أمن قومي
وكانت الخبيرة الدولية في مجال استرداد الأصول والأموال غريتا فينر، دعت خلال ورشة تفكيك نظام الإخوان في السودان إلى التحلي بالصبر والواقعية وتحديد الأولويات في عملية التفكيك واسترداد الأموال المنهوبة، منوهة بأن هناك كثيراً من الأصول المسروقة، وأن عملية الاسترداد تحتاج لعمل شاق ومتسع من الوقت.
ونادت غريتا بالشفافية في تقديم المعلومات وعدم تقديم وعود كبيرة من لجنة تفكيك نظام البشير، مؤكدة أن استرداد الأصول أمر واسع يبدأ بالتحري ثم المحاكمات وبعد ذلك المصادرة.
وأشارت الخبيرة الدولية إلى أن “عدم إدارة الأصول بطريقة جيدة يشكل خطراً كبيراً على السودان، بالتالي لا بد أن تكون هناك ضوابط وقواعد للتعامل مع الأصول التي تصادر، فضلاً عن ضرورة وجود مؤهلين لاسترداد الأصول في الشركات، ودراسة الأمر جيداً قبل تجميدها، إضافة إلى ضرورة إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة في القطاعين الخاص والعام”.
وكان المشاركون في ورشة تفكيك نظام البشير اعتبروا أن “الاعتداء على المال العام جريمة أمن قومي لا يمكن معها الإفلات من العقاب”، مؤكدين “ضرورة الاستمرار في تجربة تفكيك النظام بطريقة تحترم سيادة حكم القانون والمعايير الدولية، مع الدعم السياسي”.
وطالبت الورشة بمراجعة الفساد في القطاع الخاص، ومحاسبة المتورطين في كسب الأموال بطريقة غير شرعية، مع تفكيك دولة الحزب الأمنية لصالح الدولة المدنية التي تراعي مصالح الجميع، وتعديل القانون الخاص بإزالة التمكين على أن يشمل تحديد السلطات بشكل دقيق.
ونادت الورشة بإعفاء قضاة المحكمة العليا وإخضاع قضاة الدرجات الأدنى لعملية الفحص والتدقيق، والعمل على إصلاح القوانين المنظمة للقطاع الخاص، وتصفية الواجهات الدينية للنظام السابق، ومراجعة أجهزة الضبط والرقابة، ومراجعة الشركات الحكومية، وتحويل الملكية، وإجراء مراجعة لقطاع النفط والتعدين.