انتقال – أحمد ود اشتياق
تبرز قضايا العدالة والعدالة الانتقالية على رأس مطالب ثورة ديسمبر المجيدة، وهي أحد شعارات الثورة الأبرز – إضافة إلى الحرية والسلام – التي سعى السودانيون إلى تحقيقها بإسقاط نظام الثلاثين من يونيو، وطوال سنوات ما بعد خلع رأس نظام الإنقاذ ظل المطلب مرفوعاً طوال الفترة الانتقالية الأولى، ومن ثم بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، والآن والسودان على أعتاب مرحلة جديدة تبدأ بالعملية السياسية وإنهاء الانقلاب..
يعرف المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ICTJ) بأن العدالة الانتقالية، هي كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصّارخة لحقوق الإنسان، وهي تطرح بعضا من أشد الأسئلة صعوبة في القانون والسياسة والعلوم الاجتماعية، وتجهد لحسم عدد لا يحصى من الجدالات، ويضيف المركز – غير الحكومي – في تعريفه أن “العدالة الانتقالية تعنى، أولاً، بالضحايا، قبل أي اعتبار آخر”، فكيف سيتم إسقاط المفهوم على الوضع السوداني؟ وكيف ينظر السودانيون إليه؟
أرضية ثابتة
“إن قابلية وفرص بلادنا في تحقيق العدالة الانتقالية تحتاج إلى أرضية ثابتة لتنطلق منها”، يقول الأستاذ محمد صلاح المحامي عضو سكرتارية وثيقة المحامين، في حديثه لـ”انتقال”، ويضيف معرفاً العدالة الانتقالية: “هي عملية سياسية تقود إلى انتقال ديمقراطي حقيقي ينهي الأزمات السياسية والاجتماعية ويوقف الجرائم والانتهاكات نهائياً، وذلك من أجل استقرار البلاد”، ويؤكد أن هذا المفهوم يحتاج إلى وعي من كافٍ من أطياف المجتمع السوداني، وخاصة أصحاب المصلحة من أسر الشهداء وأسر المفقودين والمخفيين قسرياً والجرحى والمصابين واللاجئين والنازحين والقوى الثورية، من الذين تعرضوا لاعتقالات وتعذيب وإقرار الجهات والأفراد الذين ارتكبوا هذه الأفعال بجرائمهم.
المخاوف
ويضيف محمد صلاح عند إسقاط هذا المفهوم على واقع السودان يواجه مجموعة من التعقيدات السياسية والاجتماعية، وهي مخاوف – يراها صلاح – طبيعية باعتبار أن نموذج العدالة الانتقالية في السودان نموذج سوداني خالص يختلف عن بلدان أخرى لها تجارب في قضية العدالة الانتقالية.
ويشدد صلاح على أن القضاء على هذه المخاوف يحتاج إلى إرادة قوية لبدء إجراءات سريعة تشمل إصلاحات تشريعية لسن وتعديل بعض القوانين وإصلاحات عميقة داخل المنظومات العدلية والأجهزة النظامية، وإزالة التمكين في جميع أجهزة الدولة، ويضيف: “ترتبط العدالة الانتقالية بشكل رئيس بقضية السلطة المدنية وتمليك زمام الأمور للمدنيين من قوى الثورة، وهنا لا بد من الوقوف على المنعرجات السياسية التي يعتمد عليها مسار العدالة الانتقالية في السودان، ومدى استعداد الأجهزة الأمنية والنظامية للتعاون في تسليم منسوبيها للتحقيق العادل والمحاكمة في الجرائم المرتكبة منذ انقلاب ١٩٨٩م، وهذا الأمر يترك أثراً كبيراً بحيث يمنع تكرار هذه الأفعال، ويؤكد مدى جدية الدولة في تحقيق العدالة، وينهي مخاوف أصحاب المصلحة في الدخول في عملية العدالة الانتقالية، ويصرف المعارضين السياسيين عن استخدام قضية العدالة الانتقالية في صراع السلطة”.
ويشير محمد صلاح إلى أن العدالة الانتقالية هي فرصة تاريخية للسودان لتحقيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وأن تحقيق متطلباتها يعني الإيفاء بمطلوبات ثورة ديسمبر، وعلاج الأزمات التي لاحقت تاريخ الدولة السودانية منذ الاستقلال في تحقيق السلام والديمقراطية.
معرفة الحقيقة
يرى عضو لجان المقاومة طه الكباشي العدالة الانتقالية قضية مفصلية مرتبطة مع عدد من القضايا في الدولة، مثل الإصلاح الأمني والعسكري وكذلك مرتبطة بقضايا السلام والحركات المسلحة والدستور.
ويضيف طه، في حديثه لـ”انتقال”، أن “القضية ليست محصورة فقط في قضايا ثورة ديسمبر، وإن كانت جزءاً منها”، فالعدالة الانتقالية – يواصل طه – لكي تكون مدخلاً لعلاج الأزمة الحالية، ينبغي أن يكون من متطلباتها الإقرار بالحقيقة من جميع الأطراف حول كل ما ارتُكب في الوطن منذ نيل استقلاله، مروراً بجميع المجازر والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومن بعد ذلك ينبغي أن يضع دستور البلاد وقانونها عقاباً رادعاً يمنع ارتكاب ما تم ارتكابه من قبل، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في ما حدث.
“إن قيام دولة حقيقية قادرة تحترم مواطنيها وقادرة تحقق انتقال مرتبط لا محالة بتحقيق العدالة”، يقول الكباشي ثم يختم حديثه: “إن تحقق السلام والعدالة يسهم بصورة كبيرة في ترابط نسيج المجتمع، ووضع أرضية مشتركة لتحقيق أحلامه”.