الخرطوم – وكالات
يكتنف الوضع السياسي في السودان غموض كثيف حول مستقبل البلاد على رغم تدشين المرحلة النهائية للاتفاق الإطاري الموقع بين المكون العسكري ومجموعة من المدنيين في السودان بقيادة تحالف قوى الحرية والتغيير في الخامس من ديسمبر الهادف إلى تأسيس سلطة مدنية خلال الفترة الانتقالية ومدتها 24 شهراً.
يعود سبب الغموض لما يحدث من تباعد بين المكونات المدنية حول الاتفاق الإطاري، إضافة إلى ما يصدر من تعليقات وتصريحات عن قادة الجيش يدور فحواها حول تردي الوضع السياسي وضرورة إيجاد توافق مقبول على الاتفاق الإطاري، وهو ما يفسره بعضهم بأنه مخطط للتنصل من الاتفاق، بالتالي إعاقة لاستكمال العملية السياسية.
في ظل هذه الأجواء الملغومة تشهد مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات وتحليلات عدة لما سيؤول إليه الوضع، متناولة ما يجري من تحركات واستقطابات داخلية وخارجية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات. فما السيناريو الذي ستفضي إليه الأزمة السودانية منذ اندلاعها في 25 أكتوبر بإعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان تعطيل الوثيقة الدستورية وإلغاء الشراكة مع المدنيين؟
ارتباك واستقطاب
يقول المتخصص في الشؤون السياسية والعسكرية اللواء أمين إسماعيل مجذوب، “من الواضح أن هناك ارتباكاً كبيراً على الساحة السياسية نسبة لتعدد الرؤى والأهداف والتدخلات الإقليمية والدولية، فهناك رؤية مشتركة سعودية- أميركية، وكذلك رؤية مصرية، وأخيراً ظهرت رؤية إسرائيلية، فضلاً عن الرؤية الخاصة بالمؤسسات السياسية السودانية سواء كانت من قبل الحرية والتغيير، أو الكتلة الديمقراطية وبقية القوى السياسية الأخرى، فالاتفاق الإطاري جاء بموافقة طرفي الأزمة من مدنيين وعسكريين وتم التوقيع عليه وتدشين مرحلته الختامية، لكن ما يصدر من تصريحات هنا وهناك أربكت المشهد تماماً”.
وأضاف، “من الواضح أن كل طرف يحاول إبعاد نفسه عن الأزمة وأنه غير متسبب فيها، فأحياناً نسمع من شخص مسؤول حديثاً يؤكد التزامه الاتفاق الإطاري، وبعد أيام يطلق تصريحات مغايرة إرضاء للطرف الآخر، بالتالي فإن هذا الإرباك ربما يؤدي إلى إفشال العملية السياسية برمتها”.
وأوضح اللواء مجذوب أن “هذا الفشل ربما يعود بنا للاستقطاب في الشارع والاستقطاب المضاد، وتصبح السيناريوهات الموجودة جميعها مظلمة، فالسيناريو الأول يتمثل في استمرار الوضع الحالي، مما يعني احتدام الصراع وتزايد الإصابات وأعمال القتل، وقد يتحول الأمر إلى صراع مسلح، والسيناريو الثاني أن تتعقل الأطراف كافة وتتنازل، مما يسمح بإيجاد تسوية سياسية تخرج البلاد من هذا المأزق، أما السيناريو الثالث، فسيكون حاضراً في حال فشل السيناريوهين الأول والثاني وهو أن يكون هناك تدخل خارجي عبر الفصل السابع وربما يصل الأمر إلى عقد مؤتمر طائف سوداني يستدعي كل الأطراف للتوقيع على وثيقة تعدها القوى الدولية، وهنا ربما يعني ذلك ضياع السودان الذي نعرفه”.
أجندة خارجية
في السياق يقول الكاتب السوداني خالد التجاني النور “أصبح السودان ملفاً لأجندة خارجية إقليمية ودولية، فكل دولة تجتهد لتحقيق مصالحها وهذا أمر طبيعي، لكن المشكلة أن الأطراف السودانية ممثلة بقواها السياسية ليس لديها مشروع وطني وليست مدركة لحجم المهددات الماثلة أمامها، بخاصة ما يهدد أمن البلاد القومي، بالتالي هناك حال من الفراغ وصراع حول لافتات مختلفة، مما جعل العامل الخارجي أكثر بروزاً في المشهد السياسي، وما يعزز هذا القول ترقب وصول ستة مبعوثين دوليين غداً الأربعاء إلى الخرطوم، يمثلون فرنسا والنرويج والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي للعمل على تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية لدفع العملية السياسية إلى الأمام”.
وأضاف، “في تقديري أن الاهتمام الخارجي بلب القضية السودانية ضئيل جداً، وهذه المساعي بمعظمها ليست من أجل إيجاد حل سياسي بقدر ما لها من أبعاد أخرى. وما زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى الخرطوم الخميس الماضي سوى مؤشر واضح إلى الصراع الدولي والإقليمي والتدافع حول المصالح سواء داخل السودان أو ما يحيط بالمنطقة من قضايا. فهذه الأطراف الخارجية ليس من أولوياتها استرداد التحول الديمقراطي وإرساء دعائمه في البلاد، بل تسعى إلى إيجاد استقرار يضمن لها القضاء على الإرهاب وتجارة البشر وغيرها، بالتالي ترى أن العسكريين هم الأكثر احتمالاً للحفاظ على مصالحهم”.
وتابع، “السيناريو واضح المعالم، فهو يتجه نحو ضرورة أن يكون للمؤسسة العسكرية دور سياسي، لذلك كان الاتفاق الإطاري الذي وقعه العسكريون مع مجموعة من المدنيين مجرد مناورة وتكتيك من العسكر لكسب الوقت، وأستغرب أن تقع تلك القوى المدنية في الخطأ السابق نفسه وأن تراهن على انسحاب العسكريين من المسرح السياسي والعودة لثكناتهم، فإن ذلك مجرد حلم لأن المشهد السوداني مرتبط بالمعطيات الخارجية، بالتالي لن يكون هناك تغيير جوهري سيحدث، خصوصاً أن كل طرف، مدنياً كان أو عسكرياً، محمي بطرف خارجي، لكن نجد أن كل الأطراف المحلية والخارجية لم تعط الشارع السوداني الاعتبار الكامل كونه يملك زمام المعادلة في التغيير ويخطئ من يقول إنه مات، وفي المقابل يجب على القوى السياسية مراجعة منهجها وأن تعلم بأنها مستخدمة لمصلحة أجندة خارجية، فضلاً عن ابتعادها عن الصراعات في ما بينها لأن المستفيد منها هو العسكر”.
تصريحات قادة الجيش
رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان كان أكد أن القوات المسلحة لا تخطط للانقلاب على ما اتفقت عليه مع مجموعة من المدنيين. ونقل بيان لمجلس السيادة عنه أن “الجيش يسعى إلى توافق السودانيين واتحادهم لإخراج البلاد من وضعها الراهن”، وأضاف أن “الإقصاء لن يبني دولة”، داعياً جميع الأطراف إلى الكف عن المضي بالعملية السياسية بمعزل عن بقية القوى.
فيما قال عضو مجلس السيادة السوداني شمس الدين كباشي إن “الجيش لن يمضي في الاتفاق الإطاري من دون مشاركة قوى معقولة ومقبولة لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد”، وأردف خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً في ولاية جنوب كردفان أول من أمس أن “القوات المسلحة السودانية لن تحمي دستوراً ناقصاً صاغه 10 أشخاص”، لافتاً إلى أن قانون الجيش السوداني ينص على تأمين سيادة القانون والحكم المدني الديمقراطي وحقوق الإنسان.
لن ينسحب الجيش
وكان الكاتب السوداني حسن مكي صرح إلى وسائل إعلام محلية بأن “الاتفاق الإطاري يعد مثالياً لكن يصعب تطبيقه على الأرض، والمشكلة أنه من الناحية العملية لا يتناسب مع ظروف البلد وسيظل الجيش هو الضامن للحياة الديمقراطية والسياسية وأمن البلاد، فلا أحد يعترض على قيام دولة مدنية كاملة، لكن الظروف الموضوعية لا تقبل انسحاب الجيش من السلطة بشكل كامل مما يتيح لأي قوى تسلم السلطة أو تكون أداة لإرباك المشهد”.
وتابع مكي “عندما تطالب الجيش بالانسحاب من المشهد في بلد يعيش أزمات واستقطاباً، يعني ذلك أنك تعرض النظام الجديد للإطاحة بواسطة مغامر عسكري، حتى إذا لم يحكم وتأتي حكومة لا تحظى بتأييد، وهذا سيفتح البلد على الحركات التي تشكو منها القوى الخارجية نفسها مثل ’التكفير والهجرة‘ و’بوكو حرام‘ و’حركة الشباب‘ الصومالية، فبعضها يأتي لأسباب أيديولوجية وبعضها يأتي بحجة أن البلاد ضعيفة ويمكن أن يجد فيها مستقراً وملجأ”.
وأردف “الانقلابات العسكرية دائماً تحدث عندما تكون هناك قوى سياسية مؤثرة في الجيش أو يتحرك لحماية مصالحه، وهذه المرة سيتحرك الجيش من أجل مصالحه لأن القوى المرشحة لقيادة البلد تقف ضده وضد الحركات المسلحة وتريد فتح اتفاق سلام جوبا. صحيح أن الاتفاق يحتاج إلى مراجعات، لكن ليس بهذه الصورة الاستفزازية التي تحاول من خلالها إقصاء الموقعين عليه”.
وشدد على أن قيادة الجيش القائمة على رأس السلطة لن تنسحب من المشهد بهذه الصورة لأن انسحابها سيذهب بها إلى المعتقل بسبب مسؤوليتها عن فض الاعتصام واتهامات أخرى، لافتاً إلى أن تأكيدها على الخروج من الحياة السياسية مجرد مناورة وكسب للوقت، لذلك تحاول هذه القيادة دائماً إرباك المشهد، فتارة تقف إلى جانب القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري وتارة ضد التيار الإسلامي العريض وتارة أخرى تفعل العكس وهكذا.