رأي

هل أصبح البرهان الرابح الوحيد؟

 حمور زيادة

رغم اتفاق الصديق والخصم على فشل انقلاب 25 اكتوبر، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن البرهان لم يحصل – أو ليس في الطريق للحصول – على ما يريد.

كان انقلاب 25 اكتوبر مغامرة حمقاء إلى المجهول. هكذا نظرنا إليها جميعاً. وحتى حميدتي، نائب البرهان اعترف بأنها كانت مغامرة فاشلة.
لم يستطع انقلاب 25 اكتوبر أن يشكل حكومة أو مجلساً تشريعياً أو يكمل هياكل السلطة، لكنه لأكثر من 15 شهراً جعل السلطة، كل السلطة في يد البرهان. هل نعرف بدقة ماذا حدث خلال هذه الأشهر؟ كيف استغل البرهان سلطته المطلقة على جهاز الدولة؟
رهن البرهان في خطابات كثيرة، منذ خطابه الأول، إعادة تسليم السلطة للمدنيين بالتوافق. وهو توافق غير محدد الأطراف. فلا يدري أحد بدقة من يقصد بالتوافق. لكن بالتجربة العملية فقد اتخذ انقلاب 25 أكتوبر خلاف الحرية والتغيير مع مجموعة سلام جوبا سبباً للنكوص عن الوثيقة الدستورية وإقالة الحكومة. ومن المدهش والمحزن أن “قائد الانقلاب” هو من يترأس اجتماعات الحرية والتغيير وحركات سلام جوبا للتوافق على الاتفاق الاطاري! بلا أي حساسية من أي جانب من الجوانب.

لا يهم إن كان الرجل نفذ انقلاباً، لا يهم إن كان الشارع الثوري يرفضه. القوى السياسية من الجانبين تتعامل معه، وتجلس في اجتماعات وساطة هو من يرأسها ليحل الخلافات بين المدنيين.

تمارس الحرية والتغيير مزيداً من الابتعاد عن الشارع الثوري، قوتها الضاربة.
في هذا المسار يبدو البرهان في طريقه لما يريد منذ اللحظة الأولى.
هو الآن راعي وحدة القوى المدنية المتناحرة. وهو – بموجب الاتفاق الإطاري، ومن بعده الاتفاق السياسي، سيخرج من السياسة ليشرف على تشكيل الجيش الموحد وهيكلة القوات المسلحة.

في ذات الوقت تتحمل السلطة التنفيذية المدنية قوى متنافرة بين الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح التي لم تتحول لأحزاب بعد.
فترة انتقالية من تشاحن وتنافر الأحزاب، تشهد تعاوناً دولياً، وضخاً للأموال، ورفع جميع العقوبات عن السودان،
ثم تأتي انتخابات مشوشة مليئة بالتهديدات والصراعات.

ومن مكان ما يبرز قائد الجيش. الذي تنازل عن السلطة للمدنيين حين اتفاق. والذي بقي يطوّر ويدرّب جيش البلاد/ جيشه. يأتي مترشحاً للانتخابات. ندعمه الآلة الإعلامية للجيش، وللأجهزة الأمنية، وحلفاؤة في الخارج، واتباعه الذين كونهم في الفترة السابقة. انتخابات موجهة، مسيطر عليها، في مقاس رجل واحد.
يرث هذا الرجل كل الدعم الدولي الذي حصلت عليه البلاد. ويمارس عمله كرئيس منتخب في ظروف علاقات دولية طبيعية.
كانت هناك مادة واحدة في الوثيقة الدستورية للعام 2019 يمكن أن نحتمي بها من نهاية مثل هذه. مادة منع ترشح كل من تولى منصب دستوري في انتخابات ما بعد الانتقالية. بموجب هذه المادة كان البرهان وحميدتي والعطا وكباشي وجابر ومحمد الفكي والتعايشي وحمدوك وخالد عمر ومريم الصادق وإبراهيم الشيخ وغيرهم، ممنوعين من الترشح. فقط سمحت اتفاقية سلام جوبا في استثناء غريب ويوحي بالتكالب على المناصب لحركات السلام بالترشح، فيمكن لجبريل إبراهيم وزير المالية أن يترشح في الانتخابات. بينما لا يحق ذلك لإبراهيم البدوي. لماذا؟ لأن جبريل جاء للسلطة وفق اتفاقية السلام، وقد أصرت الحركات المسلحة أن يأخذ قادتها فرصة الحكم في الانتقالية، ثم الحكم في الديموقراطية!

لا أحد يعرف هل مادة الحظر هذه – والذي لا يشمل قادة الحركات – ستكون موجودة مستقبلا أم لا.

لكن هل سيكون المانع بين البرهان والسلطة مادة دستورية عابرة؟
بشكل ما يبدو حتى الآن البرهان قد حصل على أغلب – إن لم يكن كل – ما يريد. وما تبقى هو مجرد خطوات معتمدة على ما يحدث الآن.
فهو راعي التوافق المدني – المدني، وهو قائد الجيش الذي سيستقل به لينفذ فيه الإصلاح والهيلكة، دون تدخل من المدنيين. هو لن يكون جزءاً من السلطة ليخضع لمدني، سيكون مستقلاً بالقوات المسلحة، ويعامل معاملة رئيس دولة جارة صديقة حتى لحظة الانتخابات.
وتلك اللحظة التي يبدو أنه يناور ليصل إليها متحرراً من أي موانع دستورية، ومحملاً بنفوذ وحلفاء وعلاقات، تجعل فوزه مجرد إجراء شكلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى