تقارير

البرهان وحميدتي.. ثلاثة سيناريوهات قبل المواجهة

مع اقتراب الفراغ من المرحلة النهائية للعملية السياسية.. صراع كسب النقاط لقادة انقلاب 25 أكتوبر

تحليل – انتقال

أخذت التصريحات المتبادلة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” منحى آخر، وذلك عقب اقتراب انتهاء المرحلة النهائية من العملية السياسية؛ إذ بدأ الإثنان في الحديث صراحة عن فشل انقلاب 25 أكتوبر، وإن كان ذلك الاعتراف بدأ يخرج للعلن عقب فشلهما في تكوين حكومة توافقية لتسيير الأعمال بعد شهر من تاريخ الانقلاب وتكملة هياكل الحكم التي لم تنجح الفترة الانتقالية في تكملتها، مثلما أعلن في بيان الانقلاب الأول.

اعتراف ضمني

لكن الاعتراف وإن كان ضمنياً بدأ في شهر يونيو الماضي عقب انخراط الطرفين في المرحلة الأولى من العملية السياسية، والتي وصلت إلى نهايتها انعقاد ورشة شرق السودان الأسبوع الماضي.

حتى الأمس كان البرهان يصف ما قام به بالحركة التصحيحية في 25 أكتوبر، ويصر على أنها كانت تهدف إلى تصحيح مسار العملية السياسية، وذات الأمر كان ينطبق على حميدتي، بيد أن حدة التصريحات المتباينة بينهما دفعت الأخير إلى وصف تلك الحركة التصحيحية بالانقلاب صراحة، بل ولم يكتفِ بذلك، معلناً عن أنها خطأ ارتكبه وشارك فيه.

شد وجذب

يقود التباين المعلن وغير المعلن في ومواقف البرهان وحميدتي تجاه إنهاء الانقلاب والمضي قدماً في نقل السلطة إلى المدنيين، إلى الخروج في كل مرة للكشف عن الإخفاقات التي ارتكبها الطرف الآخر خلال الفترة السابقة؛ فكلما كان حديث قائد الجيش عن دعم الاتفاق السياسي فيه شيء من عدم الوضوح، يخرج حميدتي بتصريحات تؤكد جديته في دعم الاتفاق وصدق نواياه في نقل السلطة للمدنيين.

ذلك التباين يؤكد أن تصريحاتهما تهدف لأن تسحب الطرف الآخر إلى النقطة التي يقف عليها، وذلك بنقل الحديث عن المواقف من الغرف المغلقة إلى الفضاء المفتوح. محاولة الشد بين الطرفين لا تخرج من سياق ثلاثة تحليلات: أولها سعي الطرفين إلى إيقاف تكتيكات الطرف الآخر، وذلك يدل على أن الاثنين يقفان الآن على موقف غير متوازن، فبالنسبة للبرهان الذي يتولى رئاسة حكومة الأمر الواقع فهو يواجه كل يوم بأزمة جديدة على مستوى الجهاز التنفيذي والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ومواقف المجتمع الدولي التي تطالب باستمرار بنقل السلطة للمدنيين.

أما في جانب قائد الدعم السريع، فإنه يعمل على إعادة تقديم نفسه بشكل مختلف داخلياً وخارجياً بالشكل الذي يضمن له وجوداً بقوة أكبر في المرحلة المقبلة.

تحليل ثانٍ

فيما يشير التحليل الثاني إلى أن الطرفين يسعيان إلى كسب نقاط في عملية التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير والقوى الداعمة للانتقال، والتي ترتبط ببند الترتيبات الأمنية وورشة الإصلاح الأمني والعسكري. وفي هذه النقطة يتحدث الطرفان بكل وضوح ويقدم كل منهما اشتراطاته للآخر، إذ قال الفريق عبد الفتاح البرهان إن الاتفاق الإطاري إذا لم ينتهِ بدمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة فإنه لن يمضي فيه إلى الأمام. ولم يمض على هذا التصريح سوى ساعات قبل أن يخرج “حميدتي” ويؤكد أنه ملتزم بعملية دمج قواته داخل الجيش وفق الإجراءات المتبعة في تلك العمليات.

وفي مسار التحليل الثالث، قد يكون الطرفان ضحية لمعلومات مضللة توحي لهما بأن الآخر يتربص للإيقاع به كضحية لفشل الانقلاب. وفي هذا السياق تحديداً يتهم قائد قوات الدعم السريع بأن عناصر النظام البائد تسعى للوقيعة بين قواته والقوات المسلحة، وتسعى لوضعهما في مواجهة مسلحة، وإن كان البرهان أشار إلى هذه النقطة في حديث سابق له، ووجه رسالة واضحة لحزب المؤتمر الوطني المحلول بأن يتخلوا عن أحلامهم في استخدام الجيش كمطية لتحقيق مكاسبهم السياسية.

خلاف مكتوم

ذلك التباين في تحليلات تباين التصريحات بين قادة الانقلاب، لا ينفي أن بين الطرفين خلافاً مكتوماً خرج للعلن في أوج تصاعده، وربما يقود ذلك الخلاف إلى تصاعد في حدة تلك التصريحات، وذلك نهج ينتهجه القادة العسكريون دائماً قبل التوجه إلى معاركهم بهدف كسب الوقت لإعداد صفوفهم واختيار ميدان المعركة. وفي ذات المنحى هو إعلان لفتح الفرصة لتدخل أطراف جديدة لتقديم مبادرات تنهي ذلك الخلاف بنتائج مرضية، وذلك ما ستكشف عنه الأحداث في الساعات المقبلة.

كأنه اعتذار

ومع ذلك يبدو خطاب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بمثابة اعتذار عن انقلاب 25 أكتوبر، لكنه اعتذار تحت وطأة تجربة فشل الانقلاب، في إدارة دولاب الدولة مع عجز بائن عن تقديم وصفة سياسية واقتصادية تخرج بالبلاد من أزمتها الراهنة، أو كما زعم قائد الجيش بعد انقلابه بأنه يريد تصحيح مسار الثورة وتوسيع قاعدة المشاركة.

في لحظة ما يشبه الاعتذار، يمكن قراءة انقلاب 25 أكتوبر في سياق الانقلابات العسكرية السودانية التي استطاعت المحافظة على حكمها أولاً بالبطش، وثانياً بالحواضن التي تمثلها التنظيمات السياسية؛ فتاريخ الانقلابات العسكرية في السودان يُثبت أن كل انقلاب لا بد له من حواضن سياسية واجتماعية بالضرورة.

تميز انقلاب 25 أكتوبر بعجز كامل –  أعلن عنه خطاب حميدتي اليوم واضحاً – عن المسير خطوة أخرى، بسبب أنه لا يرتكز على مقومات، غير الآلة العسكرية، وهي أداة في يد الدولة وليس العكس، فضلاً عن أن انقلاب أكتوبر حدث في فترة تمدد فيها العمل الثوري وتواصل على نحو مطرد، فهل يُفضي الاعتراف الصريح بالفشل والخطأ إلى كسر دائرة الانقلابات العسكرية في السودان؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى