انتقال – السوكي – أحمد ود اشتياق
منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر، يواجه السودانيون وتنظيماتهم النقابية والسياسية والثورية عنف السلطة الانقلابية وبطشها، إضافة إلى عودة عناصر النظام البائد لهرم السلطة مرة أخرى. وأصبح نظام الأمر الواقع يعيق حركة ثورة ديسمبر ومطالبها العادلة في تصفية النظام البائد وعودة النقابات الشرعية وإقامة جمعياتها العمومية. وشهدت الساحة السياسية والمطلبية عودة منسوبي نظام المؤتمر الوطني لإعاقة استعادة السودانيين لمشاريعهم فتم ضرب المحامين في عقر دارهم لمحاولة ومنعهم من دخولها لتعطيل النقابة، كما واجهت نقابة الصحفيين محاولات إعاقة قيامها من قبل عناصر النظام البائد.
وضمن تلك النضالات، يعتصم مزارعو مشروع السوكي الزراعي، هذه الأيام، أمام مكتب مسجل التنظيمات البستانية والزراعية، من أجل اقتلاع حقوقهم بعد محاولات ممتدة لأكثر من عام ونصف العام لإقامة جمعية عمومية تنتخب من يمثل المزارعين، ويقف ضدهم بشكل مباشر والي ولاية سنار المكلف من قبل سلطة الانقلاب .
بدأت القصة بتعيين والي سنار العالم إبراهيم النور، لجنة تسييرية قبل ستة أشهر، ومن أعضائها معتمد محلية سنار غريب في النظام البائد، حبيب الله غريب؛ في الوقت الذي انتظم فيه حراك الجمعية التسييرية لتكوين الجمعية العمومية قبل انقلاب 25 أكتوبر.
عام ونصف من المحاولة
ما بعد انقلاب 25 أكتوبر، لم تتوقف اللجان التسييرية والتجمعات الشعبية عن مواصلة العمل من أجل إقامة جمعياتها العمومية وإكمال نقاباتها للحفاظ على حقوقها وتحسين أوضاعها ضد أي محاولة ردة للشكل القديم؛ فتحرك مزارعو السوكي نحو إكمال خطوات انعقاد الجمعية العمومية والتواصل مع جميع أصحاب المصلحة والتشاور حول كيفية الوصول لشكل نقابي يمثل أصحاب المصلحة؛ لكن وجدت جميع تلك المحاولات الرفض والتعطيل من قبل والي سنار المكلف الذي يسعى لتمكين عناصر النظام البائد كما حدث بالفعل، وقام بتعيين لجنة تسيير لا تمثل إلا أعضاء المؤتمر الوطني، وكان يرفض دوماً انعقاد الجمعية العمومية لمزارعي السوكي بمبررات قدوم الخريف وصعوبة الحركة وسط السيول والأمطار، ومرة أخرى بعدم الإجماع، وأن هنالك عناصر ترفض وبالطبع هي عناصر النظام المباد – بحسب إفادة فضل الله الماحي عضو هيئة السوكي الزراعية لـ”انتقال”.
شكوى رسمية وتعيين كيزان
بعد فشل كل المحاولات لجأ مزارعو السوكي للحكومة المركزية، ودونوا شكوى رسمية لوزارة الحكم الاتحادي ضد والي ولاية سنار المكلف؛ الذي استدعته وزارة الحكم الاتحادي، لكنه برر رفضه بأنه يخطط للجلوس مع لجنة حكماء الولاية وخلق جسم وفاقي يستطيع تشكيل جمعية عمومية.
وبعد عودة الوالي للولاية، ظل الوضع كما هو عليه حتى قرر تشكيل لجنة وحده، وعلى رأسها معتمد سابق لمحلية سنار في عهد النظام البائد، وهو – بحسب إفادة فضل الله الماحي لـ”انتقال” – لا يمتلك “حواشة ” وليس مزارعاً، ومعه أربعة عشر من قيادات الصف الأول من الفلول.
تصعيد واعتصام
بعد فشل المحاولات مع والي الولاية والعمل على تأسيس الجمعية العمومية، لم ينهزم مزارعو السوكي أو يفقدوا الأمل في إقامة نقابتهم الحرة، فاتخذوا أدوات الاحتجاج السلمي طريقاً لتحقيق مطالبهم، وقطعوا أكثر من ٢٩٠ كيلومتراً نحو العاصمة الخرطوم لإقامة اعتصام مفتوح أمام مسجل التنظيمات البستانية والزراعية، مقررين الاعتصام لحين تحقيق مطالبهم المشروعة والعودة لقواعدهم بالتأسيس النقابي وإلغاء قرارات الوالي الانقلابي .
جسم شرعي
يقول فضل الله الماحي عضو هيئة السوكي الزراعية لـ”انتقال”، إن أهداف مبادرة إعمار السوكي كانت واضحة، ويضيف: “نعمل على تأهيل المشروع الزراعي وإبعاد كل مسببات إعاقة المشروع ومحاسبة كل من ارتكب جرماً في حق الأرض، ونحن في البداية أخذنا مطالبنا وطرقنا أبواب وزارة المالية والزراعة، ولم نجد أي حلول، وكانت الردود كلها بأنه لا توجد حلول بسبب أن الدولة لا تمتلك المال؛ فكان من الطبيعي أن نلجأ إلى تنظيم مهن الإنتاج الزراعي والحيواني من أجل بناء جسم شرعي يمثل المزارعين، ويستطيع إنتاج شراكات مع المستثمرين، ووجدنا كثيراً من الممولين مستعدين لتمويل المشروع، وكان طلبهم الأساسي جسم رسمي يمكنهم التعامل معه” .
ويواصل فضل الله: “هذا الأمر مستمر منذ أكثر من عام ونصف ذهبنا خلاله مباشرة إلى مسجل عام تنظيمات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني، واعتصمنا حتى أقر المسجل بتكوين جمعياتنا وتجديدها، ثم أنزلنا المشروع، وعملنا على تكوينه بشكل مؤسسي على ثلاث أسس: القاعدية، النوعية، والتخصصية”.
ويقول فضل الله إنهم وجدوا بالمشروع فساداً ومديونية من قيادات الحزب البائد وطالبوا بتغييرهم، وأسسوا ميثاق شرف.
مواجهة منسوبي النظام البائد
ويشير فضل الله إلى أنهم كونوا مبادرة من أشخاص ذوي كفاءة في مجال الزراعة والاقتصاد كانوا محرومين من قبل النظام البائد، وتبقت لهم فقط إقامة الجمعية العمومية، لكنهم واجهوا مرة أخرى منسوبي النظام البائد الذين استطاعوا الاستحواذ على ٤٠ ألف فدان، من مساحة ٤٨ ألف فدان.
تجميد
وأعلن مسجل التنظيمات مرة أخرى قيام الجمعية العمومية – بحسب فضل الله – كما أن الوالي رفض مرة أخرى وقال إنه لا يستطيع تأمين جمعية عمومية بطريقة غير توافقية.
يقول فضل الله معلقاً على مبررات الوالي: “هذا مُنافٍ للحقيقة، لأننا متوافقون تماماً، ونسعى لتكوين جسمنا الشرعي، ولا توجد بيننا أي إشكاليات، وفي الحقيقة توجد فئة يناصرها الوالي بها منسوبو النظام البائد بالولاية وهم أقلية، ورفض الوالي إقامة الجمعية العمومية، لأنه أدرك أن منسوبي النظام البائد لن يستطيعوا السيطرة على الجسم عبر الانتخاب فجمد الجمعية”.
عودة “الفلول”
أكد فضل لله أنهم واصلوا في المسار الرسمي وتوجهوا صوب الخرطوم ورفعوا شكوى لدى وزير الحكم الاتحادي الذي بدوره استدعى الوالي، وكانت مبرراته أنه كان يرغب في تكوين مجلس لحكماء الولاية والجلوس لتكوين لجنة وفاقية.
ويضيف الماحي: “عدنا للولاية، ولكن رفض الوالي لاحقاً تكوين الجمعية العمومية، وقام بتكوين لجنة أطلق عليها اسم اللجنة التسييرية، وسلمها لقيادات المؤتمر الوطني بالولاية، وعلى رأسها أبرز قيادات النظام البائد والذي كان معتمداً لمحلية سنار، وهو ليس مزارعاً في الأساس ومعه أربعة عشر من قيادات الصف الأول من الفلول”.
“حينها كشف الوالي لنا نفسه بأنه كل تلك المبررات كان هدفها أن يأتي بمنسوبي الحزب المحلول على رأس المزارعين”، يضيف فضل الله .
تضامن ودعم
وناشد الماحي الجهات النقابية والمطلبية الوقوف مع مزارعي السوكي وإنصافهم، وذكر أن “المزارعين تشردوا بسبب من دمروا المشروع سابقاً ويريدون إعادة التمكين من جديد”، وواصل: “سوف نواصل في اعتصامنا هذا لحين القيام بالجمعية العمومية، ولن نتنازل عن الاعتصام حتى ولو دخلنا في إضراب عن الطعام”.