انتقال – حسام عبد الوهاب
في نهاية يناير من العام الجاري، أعلن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، جبريل إبراهيم، إجازة تعديلات القوانين المتعارضة مع ولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على المال العام.
وذكر جبريل عبر تدوينة على صفحته الرسمية، أن الخطوة تأتي لضرورة إحكام ولاية وزارة المالية على المال العام والتحكّم في الإيرادات والمصروفات بما يحقّق الشفافية والعدالة في ضبط الأداء المالي للدولة – بحسب وكالة سونا للأنباء.
لكن وزير العدل “المكلف”، محمد سعيد الحلو رفض مشروع تعديل القوانين، ووصفه بغير القانوني، ومخالف لمنشور استصدار القوانين الخاص بوزارة العدل 1996م.
وقال الحلو في مذكرة دفع بها لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ووزير شؤون مجلس الوزراء المكلف عثمان حسين، أن التعديلات التي أدخلت على قانون ولاية الدولة على المال العام، غير مجازة، وقام بها جبريل دون الرجوع للأطراف المعنية أو مناقشتها وفقاً للإجراءات التشريعية المتبعة وفقاً للوثيقة الدستورية التي اعتمد عليها كمصدر للتشريع.
وكشف الحلو أن جبريل أضاف إلى مصفوفة التعديلات 8 قوانين لم تكن موجودة في المشروع المجاز من قبل، دون أي سند قانوني، وهي قوانين السلطة القضائية 1986م، وقانون القوات المسلحة 2007م، قانون الشرطة 2008، قانون جهاز المخابرات 2010م، قانون المراجعة القومي 2015م، قانون الدعم السريع 2016م، قانون تنظيم وزارة العدل 2017، قانون النيابة العامة 2017م.
واعترض الوزير المكلف على وضع جبريل ديوان المراجعة القومي تحت السلطة التنفيذية، باعتباره مستقلاً ومنوطاً به مراجعة كل أجهزة الدولة التي من ضمنها وزارة المالية ومجلس الوزراء، وأضاف أن القانون المقدم يتعارض مع استقلالية ديوان المراجعة، ويقدح في استقلالية القضاء والنيابة ووزارة العدل وكل الجهات التي ناقش قانونها.
استثناء من المراجعة
وبالإضافة إلى أن تعديلات القوانين وضعت ديوان المراجع القومي تحت سلطة وزارة المالية، استثنت شركات القوات النظامية من المراجعة والمحاسبة، مما يخرجها من ولاية الدولة على المال العام.
الرأي القانوني والذي يعد بمثابة فتوى قانونية من قبل وزير العدل المكلف والذي قدمه إلى كل من قائد الجيش ووزير مالية سلطة الأمر الواقع ومشروع ولاية الدولة على المال العام ورفضه من قبل المسؤول الأول عن التشريعات، وصفه قانونيون بأنه محاولة من أطراف سلطة الأمر الواقع لمحاصرة الدستور الانتقالي المقبل ووضع عراقيل قانونية أمام الحكومة المدنية المقبلة حال توقيع الاتفاق النهائي الذي يؤسس لسلطة مدنية كاملة وحماية لمصالح أطراف منحتها السلطة الانقلابية ومنحها تمييزاً يتجاوز القوانين الحالية بعد تعطيل العمل بالوثيقة الدستورية .
مشاريع القوانين التي تم طرحها وعددها ثمانية قوانين لم تكن مجازةً، وأجازها وزير مالية السلطة الانقلابية جبريل إبراهيم منفرداً دون الرجوع للسلطات المخول لها وضع التشريعات ولم تخضع للنقاش لغياب الهيئات التشريعية سواء المجلس التشريعي أو المجلس التشريعي المؤقت “مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء الانتقالي”، بعد حلهما عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 مباشرةً من قبل قائد الجيش.
وأشار وزير العدل المكلف من ذات السلطة أنه لم يتم اتباع الإجراءات وفقاً للوثيقة الدستورية ولم يتوفر لها السند القانوني لهذه التعديلات.
مصفوفة التعديلات
ووفقاً لقانونيين فإن وضع ديوان المراجعة القومي ذو الطبيعة المستقلة تحت سلطة وزارة المالية والاقتصاد الوطني يعد خرقاً دستورياً وقانونياً خطيراً، إذ إن المراجع القومي من سلطاته وصلاحياته مراجعة جميع أجهزة الدولة ومن ضمنها وزارة المالية ذاتها .
سلطة الانقلاب وبعد رفض وزارة العدل المكلف هذه التعديلات التفت عليها بتضمينها ضمن قانون ولاية الدولة على المال العام والذي يقوم على أساس قانوني غير سليم ودون سند دستوري. ويرى قانونيون أن الغرض من التعديلات هو السيطرة على أجهزة القضاء والنيابة والمراجع القومي مستقبلاً عبر تمكين سياسي وقانوني يقيد السلطات الانتقالية المقبلة من الكشف عن الفساد وملاحقة المتجاوزين .
أوامر الطوارئ
المحامي والخبير القانوني محمد زين عمر، أوضح لـ “انتقال”، أن السلطة الانقلابية شكلت لجنة بموجب قرار بالرقم (99) لسنة 2023م صادر من وزير شؤون مجلس الوزراء المكلف مكونة من ممثلي الوزارات لتعديل مجموعة قوانين متعلقة بولاية وزارة المالية على المال العام، وأضاف: “بعد استقراء مسودة القانون المبذولة، نجد أنها قد انطوت على مخالفات دستورية، وبالرجوع إلى انقلاب 25 أكتوبر 2021م، نجد أنه انطوى على مخالفات دستورية كبيرة ألقت بظلالها على سير العملية التشريعية في البلاد، بعد أن انقلب قائد الجيش على حكومة الفترة الانتقالية وعطل الوثيقة الدستورية وجمد نصوصها واعتقل قادة المجلسين (مجلس السيادة ومجلس الوزراء)، من الأطراف المدنيين حسب الوثيقة الدستورية”. ويواصل محمد زين لـ”انتقال”: “بذلك يكون قد ألغى العملية التشريعية في السودان وصارت البلاد تسير وفق أوامر الطوارئ المعلنة والتي من ضمنها أمر الطوارئ رقم (3) والذي بموجبه منح قائد الجيش سلطات وصلاحيات لجميع القوات النظامية تحت مسمى (القوات المشتركة)، وهذا الفراغ أدى إلى انعدام وجود سلطة تشريعية في البلاد تمارس سلطاتها التي كانت باجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء بشكل مؤقت لحين تكوين مجلس تشريعي، وبما أن قائد الجيش قد ألغى المجلسين فقد انتفت السلطة التشريعية ولا وجود لها”.
منح السيطرة لوزارة المالية
وأكد المحامي والخبير القانوني محمد زين عمر لـ “انتقال”، أن المسودة انطوت على مخالفات قانونية وفنية بمنح السيطرة الكاملة على المال العام لصالح وزارة المالية، وهو ما يخالف قوانين عدد كبير من المؤسسات على رأسها السلطة القضائية ووزارة العدل والنيابة العامة والمراجع العام، وهي وزارات ومؤسسات مستقلة ولا تتبع لرئاسة الوزراء ولا يمكن أن تخضع لسيطرة مجلس الوزراء عبر ميزانيتها وهياكلها لطبيعتها المستقلة.
وأشار زين إلى أن صدور المسودة في هذا الوقت يعتبر التفافاً على الاتفاق السياسي الإطاري، وما نتج عنه وهو محاولة من السلطة الانقلابية لإضفاء الشرعية على مؤسساتها، وهو أمر يوضح شكل العبث التشريعي القائم الآن في الدولة وحالة التضارب والضعف الذي تعانيه، مضيفاً: “هذا المشروع هو والعدم سواء، ولا تترتب عليه أي آثار قانونية لافتقاده للسند الشرعي والدستوري”.