تقارير

الإصلاح الأمني والعسكري.. من المسؤول عنه؟

ما بين مطالب ديسمبر واشتراطات العسكريين

انتقال – أحمد ود اشتياق

برزت قضية الإصلاح الأمني والعسكري، ضمن ما طالبت به قوى الثورة منذ سقوط نظام الثلاثين من يونيو 1989م، وظلت القضية قائمة حتى دخول الفاعلين السياسيين في العملية السياسية التي تسعى لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر 2022م، وأصبحت من ضمن القضايا الخمس التي ستتناولها ورش العملية السياسية الجارية بعد توقيع الاتفاق الإطاري.

في منتصف يناير الماضي، وبعد توقيع الاتفاق الإطاري، حذر قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، السياسيين السودانيين من الحديث في شؤون الجيش. وقال البرهان خلال حضوره فعالية بمنطقة أولو بولاية النيل الأزرق، مخاطباً السياسيين: “كفوا الحديث عن الجيش، وعليكم بترتيب أحزابكم”، مشدداً على أن “أحداً لن يستطيع تفكيك الجيش الذي سيظل موحداً وحارساً للبلاد من أجل الحفاظ على وحدتها”.

وأضاف البرهان إن القوات المسلحة “ستظل داعمة للتحول الديمقراطي وكل خطواته”، معبراً عن أمله في أن يرى الجيش “بعيداً عن السياسة”، وفق مواقع محلية.

تقاسم السلطة

“لم نتعود أن يقول السياسيون صراحة إنهم يرغبون في إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية”، يقول المقدم معاش عمر أرباب حديثه لـ “انتقال”، ويضيف: “صراحة المؤسسة العسكرية هي التي تعودت أن تتدخل بحجة إصلاح الشأن السياسي، إن كان عبر الانقلابات أو الاتفاقيات أو غيرها، لكن من المفارقات العجيبة أن المؤسسة العسكرية في تاريخها عرضة لعمليات اختراقات سياسية من اليمين واليسار، ولكن واضح أن هذه العمليات كانت تتم برضا المؤسسة نفسها، وتفضي إلى حالة من تقاسم السلطة بين المؤسسة العسكرية وما بين الجهة السياسية التي تتحالف معها” .

ويقول أرباب: “في هذه المرة – ما بعد الاتفاق الإطاري – شعرت المؤسسة العسكرية أن الجسم السياسي يرغب في إبعادها من العملية السياسية بشكل تام، وفي ذات اللحظة ترغب القوى السياسية في إدخال يدها داخل المؤسسة، لذا يرفض قادة الجيش تدخلهم”.  ويرى أرباب أن الخلل ليس موجوداً فقط على مستوى الجيش وإنما لدى المنظومة السياسية أيضاً.

لماذا يرفض العسكريون؟

ويقول عمر أرباب، في حديثه لـ”انتقال”، إن التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية موجود أيضاً في التاريخ السياسي السوداني، فالحزب الشيوعي على سبيل المثال تدخل في الجيش وتحالف من أجل قيادة انقلاب عسكري، والإسلاميون كذلك في انقلاب ١٩٨٩م، وكانت هناك عملية بناء داخل المؤسسة العسكرية مستمرة شارك فيها البعثيون أيضاً .

ويقول أرباب: “في تقديري، لا أعتقد أن العملية السياسية وعبر الاتفاق الإطاري سوف تفضي إلى إصلاح الجيش”، ويضيف:  “هناك حالة ضعف في القيادة السياسية، وهنالك قبول بالأمر الواقع بحيث أصبحت ذات القوى السياسية تردد حديث العسكريين في أن (من حقهم إصلاح الجيش)، وهذا الخطاب أصبح يتردد وسط السياسيين أنفسهم، ولا يوجد إحساس بالانتصار في الاتفاق، وإنما تقديم تنازلات، والعسكريون تاريخياً خبرتهم في العمل السياسي والتكتيك أفضل من السياسيين بدليل الوثيقة الدستورية نفسها، إذ نجحوا في تفكيك وإضعاف الحكومة المدنية، وخلّف ذلك جفوة كبيرة ما بين الشعب والجيش، إذ جهز العسكريون لعملية الانقضاض على السلطة، وهذا ما حدث بالضبط، ولم يرفض الجيش القتل الذي يحدث، ولا توجد أصوات رفض لا داخل الجيش ولا الشرطة، وهذه الأصوات سابقاً كانت موجودة في هذه الأجهزة”.

ويشير عمر إلى أن  هذا الأمر يعكس لنا قصر النظر داخل الإدارة السياسية، متسائلاً: “هل يملك العسكريون خياراً آخر غير الاتفاق الإطاري، يمكّنهم من العودة لمربع قطع العلاقات مع المجتمع الدولي والمواصلة في خطهم؟”، ويجيب: “في ظل وجود خيارات لدى العسكر، فإنهم سيتفاوضون من أجل تسليم السلطة، على أن تقدم لهم القوى السياسية تنازلات، وبالتأكيد سيكون أحدها ملف الإصلاح الأمني والعسكري، لذا لا أدري كيف يتم تكرار نفس الخطأ في الوثيقة الدستورية الأولى، فعدم إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية هو أكبر عائق أمام التحول المدني الديمقراطي”.

ويرى أرباب ضرورة عمل إصلاح حقيقي داخل المؤسسة العسكرية على مستوى الكوادر والمناهج والقوانين والعقيدة القتالية، وإن لم يتم ذلك فلن يحدث إصلاح للمؤسسة العسكرية.

تخريب منظم

يعتبر القيادي بالمؤتمر السوداني حسام قريش لـ”انتقال”، أن الإصلاح الأمني والعسكري يقع موقع القلب من عملية التحول المدني بعد ٣٠ عاماً من الديكتاتورية واستخدام المؤسسة العسكرية لتنفيذ مشاريع سياسية تعوزها على الشرعية اللازمة، ويضيف أن المؤسسة العسكرية في الفترة الأخيرة من الثلاثين عاماً تعرضت لتخريب منظم وتجلى في انتشار السلاح وتعدد المليشيات والحروب الأهلية.

ويضيف قريش أن أي عملية إصلاح تقصد التحول المدني يجب أن تهتم بإصلاح المؤسسة العسكرية بدمج المليشيات والقوات التي نشأت في حركات التمرد في جيش وطني موحد مهمته حماية الحدود وحماية الدستور، والحرص على عدم تدخل الجيش في السياسة، وهو ما يشكل أزمة تاريخية وهو أحد أهم أسباب عدم رسوخ المشروع الديمقراطي.

 

جراحة دقيقة

ويرى الناشط السياسي عبد المتعال يوسف، أن الجيش السوداني مؤسسة سياسية بامتياز، وعلى القوى المدنية التعامل معها وفق هذا الواقع، ويقول في حديثه لـ”انتقال”، إن لدى الجيش السوداني خبرة طويلة في التكتيك والعمل السياسي، وعلى القوى السياسية أن تعي أنها تتعامل مع مؤسسة مرتبطة بالعمل السياسي وساعية للسلطة بشكل مباشر ومتورطة في جرائم تاريخية ليس آخرها فض اعتصام القيادة العامة وضحايا انقلاب ٢٥ أكتوبر،  لذا على القوى المدنية – يضيف يوسف – أن تواصل في علمية الضغط والإصرار على خروج المؤسسة العسكرية بشكل كامل لا جزئي، وعدم إعادة مشروع الشراكة الذي يمكن العسكريين من العمل مرة أخرى في مضمار السياسية .

“وهذا الأمر يضع على عاتق القوى السياسية أمر جلل وهو إجراء عمليات جراحية دقيقة ومفصلة داخل المؤسسة العسكرية لتنتج جيشاً مهنياً واحداً ذا عقيدة وطنية”، يضيف يوسف، ثم يقول: “هو أمر صعب ومعقد، ولكنه ليس مستحيلاً، فقط يحتاج إلى الإرادة والدعم الشعبي الذي اعتقد أنه موجود الآن”.

الإطاري هو الحل

ويضيف يوسف أن “الاتفاق الإطاري على الورق يحقق ما فشلت فيه الوثيقة الدستورية نفسها، ويؤكد وعي السياسيين واستفادتهم من التجربة الماضية، ويؤكد كذلك على إصلاح الجيش والنأي به من العمل السياسي، وهي أول خطوة تحقيق عملية انتقال سلس، لذا يواجه الاتفاق الإطاري تحديات جسيمة، فهو الخطوة الصحيحة والحاسمة في عملية التغيير، وهو الأمر الذي يدركه قادة الجيش والفلول أيضاً، فلأول مرة منذ إسقاط النظام البائد تجدهم أكثر حركة واستنفاراً فهذا الاتفاق يغلق بوابتهم وللأبد”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى