رأي

السيد مبارك الفاضل وقناة الجزيرة

حمّور زيادة

في يونيو 2020 وقع خلاف بين وزير الصحة الأسبق د. أكرم علي التوم وبين الصحفية الأستاذة لينا يعقوب، حين لاحقت الصحفية الوزير بالأسئلة على رقم الواتساب الشخصي، فانزعج الوزير وقام بحظرها.

وقتها انقسم الرأي العام بين موقفين، مؤيد للوزير لائم على الصحفية إلحاهها وازعاجها، وآخر لائم على الوزير “قمع” الصحافة.

كتبت عندها أن الموقف لا يستدعي تخطئة أحدهما؛ فالاعلام في كل العالم يطارد المسؤولين بإلحاح، بل يترصدهم حتى في المناسبات الخاصة، وقد يتسور عليهم منازلهم ويخترق خصوصيتهم للحصول على سبق. وكذلك يحاول المسؤولون دوماً الحفاظ على خصوصيتهم، ويتهربون مما يعتبرونه إزعاجاً، ويتواصلون مع الإعلام عبر قنوات محددة. فما فعلته لينا يعقوب يفعله أي صحفي. وما فعله د. أكرم التوم يفعله أي وزير. وعزوت تباين مواقف الناس إلى مواقفهم المسبقة من الشخصيتين. فمن يعارضون د. أكرم اعتبروا فعله جريمة. ومن لا يحبون لينا يعقوب اعتبروا فعلها سخفاً.
في الأيام الماضية انتشر فيديو للقاء السيد مبارك الفاضل مع قناة الجزيرة مباشر والإعلامي المحبوب للسودانيين أحمد طه. أشار السيد مبارك في حديثه إلى قوى سياسية مؤيدة للفريق أول عبد الفتاح البرهان. ورغم أنها ليست معلومة مجهولة ولا سرية إلا أن السيد مبارك الفاضل رفض الإجابة عن سؤال أحمد طه عن “من هي هذه القوى؟”. ألح السيد أحمد طه في السؤال، وتهرّب السيد مبارك الفاضل من الإجابة.
في تقديري أن العيب الوحيد في رفض السيد مبارك الفاضل الإجابة كان أنه لم يرد تحمّل الرفض بشكل واضح. فلو قال إنه يتحفّظ على ذكر هذه القوى لأسباب لا يحب الإفصاح عنها، لما وجد السيد طه سبيلاً لمواصلة الإلحاح. لكن السيد مبارك تهرّب بصورة شديدة الضعف. رغم أن عدم ذكر الجهات هو من حقه. ومن حق الصحفي أن يحاول استنطاقه ويلح عليه. فلم يخطئ السيد مبارك، اللهم إلا في كيفية الإجابة، ولم يخطئ السيد طه في السؤال.

إلا أن السيد مبارك فاجأ الرأي العام بعدها بيومين بمنشور يدعي اعتذار مدير مكتب الجزيرة بالسودان عن “النهج غير المهني لمقدم حوار المساء أحمد طه”. اعتبر السيد مبارك إلحاح أحمد طه نهجاً غير مهني! وتصاعدت الضجة أكثر بعدما نفى الإعلامي أحمد طه على صفحته توجيه مكتب الخرطوم أي اعتذار.

في منشوره الضجة سمى السيد مبارك القوى السياسية الحليفة للبرهان، ألا وهي حركات الكفاح المسلح. لكنه في ذات المنشور اعتبر أن الإعلامي أحمد طه كان عليه أن يستنتج من هي هذه القوى.

وهذا غريب جداً، أن يعتبر السيد مبارك السياسي العريق والقديم أن الدور المهني للإعلامي هو أن يستنتج بدلاً عن أن يسأل بشكل مباشر صاحب الكلام والمعلومة.

لم يكن إلحاح السيد أحمد طه مفارقاً للمهنية الإعلامية، بل على العكس اعتبره درساً للسياسيين ألا تلقوا إشارات وتلميحات لا تريدون الخوض فيها. كان حديث السيد مبارك سيكون متسقاً ومستقيماً لو لم يلق هذه الإشارة. وكان الحوار سيتواصل بسلاسة لو أنه أجاب عن سؤال أحمد طه بوضوح كما فعل في منشوره، أو حتى قال بشكل واضح أنا أتحفظ على تسميتها. لكن إصراره على أن “يجتهد الإعلامي ويستنتج”، هو ما يؤسس لسلوك غير مهني بالمرة وغير محمود.
ستمر هذه الضجة، سواء صح اعتذار مكتب الجزيرة الخرطوم أو لم يصح. وسيبقى للناس فقط ذكرى تهرّب السيد مبارك من الإجابة، خاصة مع ما أشار إليه مدير مكتبه بأنهم لن يتعاملوا مع قناة الجزيرة مباشر مرة أخرى. لكن الأهم في تقديري هو أن نتعلم – خاصة ساستنا – أن الإعلام ليس دوره تلميع السياسي وتقديم منبر مفتوح له ليقول ما يشاء بلا مساءلة. فدور الإعلام هو السؤال، والإلحاح، والاعتراض. وليس من دور الإعلام الاستنتاج كما يظن السيد مبارك الفاضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى