الخرطوم – انتقال
يجلس الهلال السوداني في المركز الثاني ضمن ترتيب فرق المجموعة الثانية بدوري مجموعات أبطال إفريقيا، واضعاً في رصيده 10 نقاط، بعد تعادله في الجولة الخامسة أمام ماميلودي صنداونز الجنوبي إفريقي. ومع فقدان الهلال فرصة حسم بطاقة الصعود للدور ربع النهائي وإضاعته ركلة جزاء عن طريق لاعبه أطهر الطاهر، لكن الفريق مواجه بتحد من نوع آخر تتداخل فيه عوامل رياضية وسياسية تتعلق بالنفوذ الذي تتمتع به الأندية المصرية خاصةً الأهلي الذي يواجه الهلال في الجولة الأخيرة بالقاهرة في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.
وخاطب النادي الأهلي اليوم، وزير الداخلية المصري للموافقة على السعة الكاملة لاستاد القاهرة في مباراته مع الهلال السوداني، في 31 من الشهر الجاري بملعبه بالقاهرة، بحسب الموقع الرسمي لفريق الأهلي، وهو ما عده مراقبون تحويلاً للمباراة من مستوى التنافس الشريف إلى شكل من استرداد الكرامة تجاه مباراة الهلال السابقة مع الأهلي.
تدخل سياسي مصري
من المعروف أن النادي الأهلي المصري من أكثر الأندية المصرية نفوذاً في الجارة الشمالية، ونفوذه يمتد إلى داخل أروقة الاتحاد المصري والاتحاد الإفريقي لكرة القدم الذي يتخذ من القاهرة مقراً دائماً له، ولكن ما وجه العلاقة بين الموقف السياسي والموقف الرياضي؟
العلاقة أن النادي الأهلي المصري تقدم في 20 فبراير الماضي بمذكرة لوزارة الخارجية المصرية بما سماه تجاوزات نادي الهلال، واتخذ منحى سياسياً بعيداً عن لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، والتي تمنع التدخلات السياسية أو إدخال الأجندة السياسية في كرة القدم والرياضة عموماً. وتضمنت الشكوى التي تم رفعها إلى وزير الخارجية المصري ذات تفاصيل الشكوى التي تقدم بها الأهلي للاتحاد الإفريقي، وهو ما نتج عنه استغلال نفوذ سياسي واضح أثر على قرارات الكاف التي عاقبت الهلال بإيقاف طبيب الفريق وتغريم النادي 40 ألف دولار وحرمانه من الجمهور، على الرغم من أن الهلال أبدى اعتراضاً مستمراً لحرمانه من جمهوره بسبب اشتراطات يرى مسؤولوه أنها متوفرة قياساً بملاعب أخرى أقل جاهزية من استاد الجوهرة الزرقاء.
ووفقاً لمحللين سياسيين، فإن الأهلي بذلك قصد الضغط على نادي الهلال وسلطة الأمر الواقع بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، مستفيداً من تحركات السفير المصري هاني صلاح السياسية مع قادة السلطة الحالية في البلاد واستغلال العلاقات المستمرة بينهم.
تقويض العلاقات الممتازة
بعد أحداث تسبب فيها لاعبو الأهلي وحارسه أحمد الشناوي وتقديم شكوى إلى الكاف، فُرضت على الهلال عقوباتٌ تتضمن حرمانه من جمهوره والاكتفاء بحضور 30 فرداً فقط، وتغريم طبيب فريق الهلال 10 آلاف دولار، وحرمانه من حضور 4 مباريات، وتغريم عامل غرف الملابس 20 ألف دولار. هذه العقوبات فندها نادي الهلال عبر خطاب إلى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.
وفي الرد على مزاعم نادي الأهلي المصري ذكر نادي الهلال في خطاب بتوقيع الأمين العام لمجلس إدارة نادي الهلال حسن علي عيسى، أرسل إلى الأمين العام للاتحاد الإفريقي لكرة القدم في 23 فبراير الماضي قال: “أصبحت الشكاوى المقدمة من قبل الأهلي الآن جزءاً لا يتجزأ من كل مباراة يخسرها في ملعب الهلال، وذلك لإقناع معجبيهم وتبديد خيبة آمالهم”، وأضاف في الخطاب: “العلاقات الودية ربطت الفريقين على مدى سنوات… الآن نشعر أنه خلال الشكاوى المتكررة من الأهلي المصري وسلوكه غير الرياضي أينما كان في الخرطوم جزء من عمليةٍ تهدف إلى تقويض هذه العلاقات الممتازة”. وفند خطاب نادي الهلال الشكوى التي قدمها النادي الأهلي المصري مقدماً مستندات ومقاطع فيديو وشهادات متعددة تؤكد صحة موقفه.
الموقف المصري سياسياً
الموقف المصري تجاه السودان، ارتبط بمواقف سياسية واقتصادية دائماً ما كانت محل نظر وتحليل دائم، فالموقف المصري سياسياً – بحسب ما يراه مراقبون – كان داعماً لانقلاب 25 أكتوبر 2021م، إضافة إلى عدم توقيع جمهورية مصر العربية على بيان الآلية الرباعية الداعم للعملية السياسية المفضية إلى إنهاء الانقلاب، وسعيها عبر سفيرها السابق حسام عيسى والمستشار أحمد عدلي إلى أداء أدوار تدعم أطرافاً تقف ضد الانتقال الديمقراطي ومحاولات حثيثة إلى تكوين تحالف سياسي يدعم سلطة انقلاب قائد الجيش، والانتهاء بإقامة ما عُرف بالحوار السوداني – السوداني بالقاهرة شهر فبراير الماضي، علاوةً على الموقف المصري تجاه السودان في ملف سد النهضة ووقوفه دائماً إلى جانب إبعاد الخرطوم عن الملف والضغط عليها بإثارة أزمات سياسية.
احترام المنافسين
رئيس نادي الهلال هشام السوباط أكد لـ “انتقال”، أن مباراة الهلال في الجولة الأخيرة هي مهمة أيضاً، وأضاف: “نسعى في جميع المباريات لتحقيق الفوز للترقي في البطولة، ولكن نحن لا ننظر إليها كونها خارج سياق التنافس الرياضي واحترام المنافسين”.
وأضاف السوباط لـ “انتقال” أن نادي الهلال دائماً يسعى لخلق علاقات طيبة مع الأندية الزائرة في جميع المنافسات التي يلعب بها الفريق، وأضاف: “لذلك دائماً نعمل على أن نوفر أقصى درجات كرم وحسن الضيافة السودانية لبعثات الأندية الزائرة”. وفيما يخص لقاء الأهلي المصري، قال السوباط: “نحن نحترمه كمنافس قوي، وستسافر بعثة الفريق إلى القاهرة، وأعتقد أنه بالمثل سيجد استضافة جيدة قياساً على معاملتنا لبعثة النادي الأهلي المصري وتوفير الحماية والخدمات لبعثة الهلال عند زيارتها لأداء المباراة”.
وأضاف: “سنكون حريصين على ألا يتم هضم حقوق الهلال أو التقليل من شأنه، وأن نراقب الأوضاع بما يضمن سلامة وحسن أداء الفريق للمباراة وإخطار مسؤولي اللجنة المنظمة والكاف بجميع ملاحظاتنا”.
للهلال سمعته المعروفة
وقال السوباط لـ “انتقال”، إن نادي الهلال هو أحد أندية إفريقيا الكبار ولديه سمعته المعروفة، وأحداث المباراة لم يكن لاعبو الفريق ولا جهازه الفني والإداري طرفاً متسبباً فيها أو يسعى لذلك لسببين، يلخصهما السوباط: “الأول أن اللاعبين والجهازين الفني والإداري على قدر عالٍ جداً من الاحترافية والمهنية ولديهم القدرة للتعامل مع الظروف المختلفة بأعلى درجات ضبط النفس والحكمة وحصل احتكاك من قبل لاعبي فريق الأهلي الضيف، والجميع شاهد ذلك، وبالتالي الهلال حفظاً لحقوقه تقدمنا بتوضحيات ورد ومذكرة بشأن أحداث المباراة وعقب صدور القرارات الاخيرة أيضاً تقدمنا بالاستئناف حفظاً للحقوق”.
وأضاف: “نحن نحترم جميع الأندية الإفريقية والعربية بجميع البطولات ونقدر العلاقات بيننا وبينهم، ولكن أيضاً نحافظ على حقوق النادي ولاعبيه وجهازيه الإداري والفني وجماهيره، والتزمنا بقرار منع حضور الجمهور رغم تحفظنا على ذلك، وأعتقد أن معرفة الجميع بجمهور الهلال وتأثيره الإيجابي على نتائج مباريات الفريق من خلال التشجيع المستمر، قد أصبح يشكل مصدر قلق لبعض الأندية، وهو أمر مفهوم طبعاً، ولكن مع ذلك أثبت لاعبو الهلال أنه ورغم غياب الجمهور لكن بإمكانهم صناعة الفوز والنتائج الجيدة وإهداء الجمهور أفضل النتائج”.
التأثير والنفوذ داخل “الكاف”
الأمين العام الأسبق لنادي الهلال الطيب العباسي، أكد لـ “انتقال”، أن الهلال يمثل نادياً للحركة الوطنية منذ عهد الاستعمار ونشأة مؤتمر الخريجين الذي كان عضويته وقياداته حينها جزءاً من تأسيس النادي ومقاومة الاستعمار “الثنائي الإنجليزي – المصري”، ومنهم المناضل والسياسي الذي شغل منصب وزير الخارجية عقب الاستقلال “مبارك زروق”، وبالتالي للهلال موقف وطني معروف، مضيفاً: “استهداف الهلال ليس سياسياً فحسب، بل أيضاً لجماهيريته التي تنافس أنديةً عالمية وإفريقية، وعلى رأسها النادي الأهلي المصري، لذلك يشكل الهلال بعبعاً للأهلي والدليل على ذلك مباراة نهائي أبطال إفريقيا في نسختها القديمة والتي كسبها الأهلي باستمالة الحكم المغربي “لاراش”، الذي ذبح الهلال تحكيمياً لمصلحة الأهلي المصري وشهد بذلك اللاعب المصري السابق فاروق جعفر والذي اعترف في وسائل الصحافة والإعلام المصرية أن الأندية المصرية تسيطر على الاتحاد الإفريقي وتحقق النتائج والبطولات عبر استغلال النفوذ داخل الكاف”.
وقال العباسي في حديثه لـ “انتقال”: “طالبنا عندما كنا في مجالس إدارة الهلال السابقة والاتحاد الرياضي السوداني لكرة القدم في السنوات الماضية، بضرورة نقل مقر الكاف من موقعه الحالي في مصر إلى دولة إفريقية أخرى من أجل تحقق اللعب النظيف وفك سيطرة الأندية المصرية والمسؤولين المصريين على مفاصل الاتحاد الإفريقي لمصلحتهم والتأثير على مسارات المنافسات سواء في مستوى المنتخبات والأندية”.
صدمة للأهلي المصري
رمزي يحيى المراقب الرياضي والعضو السابق في مجلس إدارة الاتحاد الرياضي السوداني لكرة القدم، ذكر لـ “انتقال”، أن حظوظ الهلال في نسخة البطولة هذه العام كانت خلافاً للتوقعات وحقق نتائج جيدة تضعه منافساً على الترقي، وهو ما صدم النادي الأهلي الذي لم يقدم المستوى المتوقع منه، لذلك عمل الإعلام الرياضي المصري والإعلام المساند للأهلي المصري على تنظيم حملات إعلامية للضغط على الهلال ومحاصرته خارج الملعب بغرض التأثير على النادي والفريق وإخراجه من أجواء التنافس والتركيز.
وأضاف: “من الواضح أن الأهلي يعمل على استغلال نفوذه السياسي والرياضي والإعلامي بشكلٍ كبير وواسع، للتأثير على الاتحاد الإفريقي لإفقاد الهلال التوازن والثبات قبل الوصول إلى ملعب المباراة، وهو بذلك يسعى للضغط على المنظومة الرياضية داخل الكاف بأي شكل كان، والمنظومة السياسية في مصر والسودان من خلال الشكوى التي قدمها إلى وزير الخارجية المصري”، وأكد أنه يتوجب على نادي الهلال إبعاد لاعبيه عن الضغط الإعلامي والتركيز على المباراة وأجوائها”.