د. سامر عوض حسين
إنسداد الأفق في المفاوضات الجارية بمدينة جدة أثار إحباط غالب أهل السودان، مع تضاعف التأثيرات المأساوية للحرب الكارثية التي ألمت بالمجتمع السوداني في الخامس عشر من أبريل 2023، نتيجة نشوب الحرب الكارثية. حيث اندلعت الحرب بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم قبل أن تنتشر بسرعة إلى أجزاء أخرى من البلاد. وبحلول نهاية يونيو 2023، كان أكثر من 3 ملايين شخص قد نزحوا داخل البلاد بسبب الصراع. بالإضافة إلى ذلك، اضطر ما يقرب من ربع مليون سوداني، إلى جانب أكثر من 163,000 شخص من جنسيات أخرى – ومعظمهم من اللاجئين الذين كانوا يعيشون سابقاً في السودان – للفرار إلى البلدان المجاورة، وخاصة تشاد وجنوب السودان. ودون التوصل إلى حل للأزمة، تقدّر المفوضية وشركاؤها أن يصل عدد اللاجئين والعائدين الذين أجبروا على الفرار إلى 1.8 مليون شخص بحلول نهاية عام 2023.
نجد أن الأوضاع قد تعقدت وتم عقد مفاوضات هامة بين الأطراف السودانية في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية برعاية الدولة المضيفة والولايات المتحدة الأمريكية. وتهدف هذه المفاوضات إلى البحث عن حل للأزمة السياسية التي تعصف بالسودان منذ فترة طويلة وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. ومع أن الآمال العراض كانت معلقة على نجاح هذه المفاوضات، إلا أنها واجهت تحديات ومعوقات أدت إلى انسداد الافق وفشل التوصل إلى اتفاق مستدام واصطدامه من جديد بعقبة التعهدات غير الملتزم بها من قبل الجانبين في الاتفاقات السابقة، مما دفع الوساطة المشتركة إلى رفع جولة التفاوض وعودة الوفدين للتشاور مع قياداتهما. بينما يتمسك وفد الجيش المفاوض بخروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية والمؤسسات الخدمية ومنازل المواطنين وفقاً لما جاء في اتفاق جدة 1، يتشدد الطرف الآخر على ضرورة وفاء الجيش بتعهداته في إعلان جدة الأخير في ما يخص إجراءات بناء الثقة، بالقبض على قائمة المطلوبين من قادة نظام المخلوع عمر البشير والإسلاميين لمواصلة التفاوض.
تعود أسباب انسداد الافق في المفاوضات إلى العديد من العوامل. من بينها الصراعات السياسية الداخلية بين الأطراف المختلفة في السودان والتنافس على السلطة والمصالح ، كما يعتبر تأثر المفاوضات بالفصائل المسلحة واحدة من العوامل الرئيسية التي تسببت في تأجيل وتعثر المفاوضات.
ومن الجوانب الأخرى التي أدت إلى انسداد الافق، هو نقص الثقة بين الأطراف المشاركة في المفاوضات. فالصراعات التاريخية بين بعض الأعراق والقبائل والجماعات السياسية في السودان تعمل كحواجز تحول دون التوصل إلى تفاهمات شاملة. هذا التوتر يعود جزئياً لعوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية، مثل توزيع الموارد والسلطة في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الحروب الكارثية التي شهدها السودان على مدار العقود الماضية لها تأثير كبير على سير المفاوضات و انسداد الأفق. فالصراعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان وتشريد المئات بل الآلاف من المواطنين شكلت أعباء كبيرة على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد. ومن الصعب تحقيق تفاهمات مستدامة في ظل وجود تلك المشاكل العميقة والجروح التي تتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة للتعافي منها.
في الوقت الذي يتهرب فيه قائد الجيش من الذهاب إلى المفاوضات إلى منبر جدة والتجول في العواصم الاقليمية وقمة الايقاد. تعمل فرق تحالف “تقدم” بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا التي يدعي الفلول بالنظام السابق بأنها ذات طبيعة نيوليبرالية وتشكيل تحالف عريض يوجد فيه ممثلون عن الطرق الصوفية والمجتمع الأهلي، وممثلون لرجال الأعمال ويضم أكثر من 80 مشاركاً يمثلون كيانات مدنية وسياسية مختلفة، وهو الأمر الذي يؤكد الجهود الكبيرة من القوى المدنية الديمقراطية في اتجاه إنهاء الحرب و استعادة السودانيين لحياتهم الطبيعية علاوة على استعادة مسار التحول المدني الكامل.