حوارات

المصور علاء خير: ما رأيته بحرب السودان يشبه فيلماً عن الحرب العالمية

علاء خير، مصور صحفي سوداني من مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور. بدأ التصوير كهواية، ولكن سرعان ما تحولت هذه الهواية إلى “إدمان” مثلما يقول. ظل ينقل للعالم، عبر عدسته، تفاصيل الأحداث التي تجري في بلده السودان. وعند اندلاع الحرب في أبريل 2023 وجد نفسه محاصرا في الخرطوم، مثل الكثيرين.

رغم المخاطر قرر أن يحمل كاميرته ويتجول في أنحاء السودان لينقل لنا الصورة كاملة عن حرب وصفها بأنها غريبة الأطوار. حرب، مثلما يقول علاء، حولت العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح، فبدت كما لو أنها مشهد من فيلم سينمائي وليست المدينة الجميلة المفعمة بالحياة والحركة التي عرفها من قبل. 

مع مرور سنة على الحرب في السودان، أجرينا حوارا مع علاء خير لينقل لنا ما رآه خلال تجواله في مدن السودان المختلفة.

فيما يلي نص الحوار

 أين كنت عندما اندلعت هذه الأحداث؟ 

 كنت قد سافرت إلى مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر منذ بداية رمضان (2023) في رحلة للاستجمام والراحة قبل انطلاق السنة الجديدة. عدت من بورتسودان إلى الخرطوم يوم جمعة- أي قبل يوم من انطلاق شرارة الحرب، ثم فاجأتنا هذه الحرب الغريبة. عندما بدأ إطلاق النار لم نكن نتخيل أنه يمكن أن يتطور إلى حرب بهذا الحجم. اعتقدنا أنه سيكون مثل أحداث عديدة حدثت خلال السنين الفائتة، مثل انقلاب خفيف أو مناوشات بين مجموعات مختلفة. لأن كل هذه الأمور حدثت خلال السنين الفائتة. طوال الأيام الأولى من الحرب كنت أحس أنها مسألة ستنتهي في غضون ساعات. ثم تحولت الساعات إلى أيام ثم أسابيع. طوال هذه الفترة كنت أقيم في شقتي في حي الرياض في العاصمة الخرطوم والذي كان في قلب الاشتباكات خلال الأيام الأولى من الحرب.

تميزت هذه الحرب بمستوى عالٍ من الدمار- دمار البنية التحتية والمؤسسات. أنت كمصور صحفي وثائقي ما هو شعورك عندما ترى كل هذا الدمار وتصوره وتنقله للعالم بعدستك؟ 

عند خروجي من الخرطوم إلى أم درمان بعد اندلاع الحرب، انتابني إحساس غريب للغاية: أن تتحول مدينة الخرطوم، تلكم المدينة الحية، المزدحمة والمليئة بالحياة فجأة إلى مدينة أشباح، خاوية تماما والشوارع مليئة بالجثث. طوال حياتي رأيت نزوحا وحروبا كثيرة عندما كنت أوثق الحرب في دارفور، لكن ما رأيته في الخرطوم، في أول أيام الحرب، كان من الصعب على الفرد أن ينساه أو يتخطاه. إنه أمر محزن جدا، بدا وكأني أشاهد فيلما عن الحرب العالمية الثانية، ولكن الفرق الوحيد أنه مشهد حي وأنني كنت جزءا منه.

ماهو أكثر شيء لفت انتباهك أثناء تجوالك داخل السودان خلال أيام الحرب هذه؟

عند خروجي من الخرطوم اتجهت مباشرة إلى مدينة ود مدني لأن مدني كانت تضم أكبر عدد من النازحين من الخرطوم. غادر عدد كبير من الناس إلى مدن أخرى وإلى خارج السودان لكن الغالبية العظمى منهم توجهوا إلى مدني. وكانت هي محطتي الأولى، وأثناء وجودي فيها رأيت انهزاما في وجوه الناس. اكتشف الناس فجأة أن حياتهم قد تدمرت وأن عليهم البدء من جديد، ولكن للأسف حتى فرصة البدء من جديد هذه غير متاحة لأن الوضع معلق. تحول الناس من أناس عاديين يعيشون حياتهم بصورة طبيعية في الخرطوم إلى نازحين يعيشون في المدارس أو مزارع الدواجن المهجورة، وقد رأيت الأمر نفسه في باقي الولايات. كل ولاية أزورها أجد أن الناس يسكنون في أماكن غريبة جدا. وكان الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لي عندما أقابل أشخاصا أعرفهم لأنه ليس باستطاعتي فعل أي شيء لمساعدتهم. صحيح أن الحرب بدأت أولا في الخرطوم لكن تأثيرها – الأثر النفسي وأثر النزوح- امتد بسرعة إلى الولايات. لقد غيرت الحرب – ومن أول أيامها – الوضع في البلاد بشكل غير طبيعي.

صورت ونقلت لنا المعاناة عبر وجوه العشرات من الأشخاص المتأثرين من هذه الحرب داخل السودان. ذكرت أنك رأيت الانهزام في وجوه الناس. ماذا يقول لك هؤلاء الناس عندما تطلب أن تلتقط صورا لهم؟

كنت دائما أحاول التعرف على قصص الأشخاص وأحاسيسهم قبل تصويرهم، وهذا يساعدني في تكوين الصورة المناسبة. في مرات كثيرة يكون من الصعب (نفسيا) سماع المعاناة التي مر بها الناس، وخاصة السيدات والفتيات اللواتي عانين كثيرا وتعرضن للتحرش وعانين من الخوف- والخوف الذي تمر به السيدة مختلف عن الخوف الذي يمر به الرجل. أكتب بعض القصص التي أسمعها وأصور بعضها الآخر، لكن عموما ليس من السهل الاستماع إلى شخص يحكي عن معاناته، وليس من السهل على كل فرد الحديث عن المعاناة التي مر بها. أحاول من خلال الصور عكس الحوارات التي دارت بيني وبين هؤلاء الأشخاص. لكن هذا جزء بسيط من عدد الناس الذين تحدثت إليهم. استعطت تكوين فكرة عن المعاناة التي يمر به هؤلاء الأشخاص والتحديات التي تواجههم واستخدمت الصورة لعكس معاناتهم إلى العالم.

تعرض الكثير من الصحفيين في السودان للاستهداف من قبل أطراف الصراع، كيف استطعت التنقل في مناطق واسعة من السودان دون أن يتعرض لك أحد؟ هل كنت خائفا عند تنقلك داخل السودان؟ 

منذ لحظة خروجي الأولى من منزلي في الخرطوم إلى أم درمان كانت واحدة من أصعب الأمور أن تحمل معك كاميرا. هناك استهداف كبير جدا للمصورين خاصة والصحفيين عموما. يتحول هذا الاستهداف إلى أن يتهمك أحد الأطراف بأنك جاسوس للطرف الآخر. إنه أمر مخيف للغاية. لم يكن بوسعي أن أعرض نفسي للخطر لأن هناك الكثير من الناس الذين يعتمدون على وخاصة والدي ووالدتي. وبالتالي كان لابد لي أن أكون حذرا. طوال فترتي داخل السودان كنت أحمل أقل ما يمكن من المعدات. مثلا عن سفري بين الخرطوم ومدني كنت دائما أخبئ كاميرتي داخل حقيبة وأخبؤها مع معدات سيارتي، ولكن مع ذلك كان ينتابني خوف كبير جدا، لأنه في بعض المرات أثناء التفتيش من قبل الجيش أو الدعم السريع عندما يجدون بحوزتك كاميرا أو حتى صور في هاتفك المحمول فإنهم يستهدفونك ويسيئون إليك ويخيفونك ويتهمونك بالتجسس لمصلحة الطرف الآخر. وهذا أمر خطير للغاية. إنها تجربة صعبة للغاية أن تعبر نقطة تفتيش وبحوزتك كاميرا.

أخبار الأمم المتحدة: أين تعيش أسرتك حاليا؟

 توزعت أسرتي بين مصر والسودان وليبيا. نحن نمر بمرحلة لا يمكننا فيها التخطيط للمستقبل لأن هناك الكثير من المعطيات التي لا يمكننا التحكم فيها. أسرتي- مثل معظم الأسر السودانية- في مرحلة من الشتات وما يحدث في المرحلة القادمة يعتمد اعتمادا كبيرا على ما سيحدث في السودان خلال الفترة المقبلة.

  • نقلاً عن أخبار الأمم المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى