انتقال : حسام الدين عبدالوهاب
أدت الحرب الجارية في السودان منذ منتصف أبريل 2023 إلى تشرد ملايين العاملين في القطاعين العام والخاص وفقدان الملايين لوظائفهم سواء في الشركاتِ والمؤسسات والمصانع أو مشاريعهم الخاصة إضافةٍ إلى العاملين في مهنٍ ووظائف مثل المحامين والأطباء والصحفيين وتفضيل غالبيتهم للهجرة خارج السودان والبحث عن حياةٍ أخرى ـ وهو ينعكس بصورةٍ أو أخرى على نمو السودان وفقدانه لكفاءة وعقول وأصحاب مهن مهمة بسبب الحرب.
أيمن أحمد عيسى: فقدت مصنعي بسبب الحرب
أيمن أحمد عيسى أحد المنتجين الذين أثرت عليهم الحرب بصورةٍ مباشرة ، كان أيمن يملك مصنعاً لصناعة الطلاء ومستلزمات حوائط المنازل ، فقد أيمن مصنعه في المنطقة الصناعية بالعاصمة الخرطوم وتعرض للنهب والسرقة ثم للتدمير نتيجة الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وبلغت خسائره أكثر من 500 ألف دولار تشمل الأصول والمعدات والبضائع الجاهزة للبيع إضافة إلى الأموال لدى العملاء ، قال لـ ” انتقال ” : بعد فقدان مصنعي قررت النزوح إلى مدينة عطبرة وبدء مشروع جديد ولكن الظروف لم تكن مواتية لذلك ، وقررت الهجرة إلى خارج السودان وأنا منذ سنةٍ أبحث عن فرصٍ لبداية جديدة في شرق إفريقيا حيث اخترتها مكاناً لذلك ، وأضاف : تواجهنا صعوبات كثيرة من ناحية القوانين المنظمة لقطاع الاعمال واختلاف متطلبات السوق المحلي وعدم معرفتنا الكاملة بطبيعة المستهلكين بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية وما يتعلق بتوفير اللازم ، وأضاف : بسبب الحرب خسرت مصنعي وأكثر من 50 من العاملين معي فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم تبعاً لذلك وكنت حريصاً على توفير رواتبهم ومستحقاتهم ولأن عملنا مرتبط بالإنتاج لم يعد المصنع يعمل وبالتالي انتهت قصتي معه ، وذكر أيمن أحمد عيسى لـ ” انتقال ” : كثير من أصحاب الأعمال التجارية والمصانع فقدوا أعمالهم ولم يعد لديهم خيار سوى الهجرة والبدء من جديد واخرون أصبحوا مُفلسين تماماً .
خسائر مادية وبشرية كبيرة
توسع دائرة الحرب والنزاع المسلح بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في معظم انحاء البلاد خلق موجات نزوحٍ داخلي كبيرةٍ ولجوء أكثر من 8 ملايين مواطنٍ إلى دول الجوار السوداني أو البحث عن فرص عملٍ في دول الخليج العربي وهو ما أدى بالتالي إلى هجرة الملايين من أصحاب الكفاءة والخبرات وتعرضهم إلى مشاكل في دول اللجوء والاغتراب من قوانين العمل التي تختلف فعلياً عن السودان واختلاف بيئات العمل والشروط والضوابط التي تمنعهم من العمل بصورةٍ عادية مثل بلدهم لكونهم غير مواطنين ولا يتمتعون بكامل الحقوق المهنيةِ وبناء على الشروط التي تحكم عمل اللاجئين والمهاجرين وفي أبريل 2024 قال مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي د. عبدالله الدردري أن السودان خسر 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الأولى من الحرب وفقد 70% من الموظفين والعمال وظائفهم خلال السنة الأولى فقط من الحرب ،تشير تقديراتٌ غير رسمية إلى أن نسبة العاملين والمهنيين في السودان تلقوا أجورهم بنهاية العام 2023 ومطلع العام 2024 أقل من 3% بسبب اشتداد الصراع المسلح والنزوح واللجوء الدائم، وهاجر ملايين السودانيين من العاملين في القطاعين العام والخاص إلى خارج السودان وبلغت نسبة المهاجرين إلى المملكة العربية السعودية 25% ومصر 47%، وتوزعت النسب الأخرى بين داخل وخارج السودان.
عمر أحمد صالح: الحرب دمرت البنى التحتية
وبحسب إحصائياتٍ وتقديراتٍ اقتصادية فإنه بعد اتساع دائرة الحرب إلى ولايتي الجزيرة وسنار واستمرارها في ولايات دافور فقدت البلاد أكثر من 4 مليون فدان من الأراضي الزراعية وكانت توفر تغطيةً لـ 45 % من الناتج المحلي الإجمالي وفقد مئات آلافٍ من المزارعين والعمال الزراعيين أعمالهم وقدرتهم على الإنتاج.
عمر أحمد صالح عضو تنسيقية النقابات والمهنيين ومسؤول الملف الإنساني بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ” تقدم ” أوضح لـ ” انتقال ” أن الهجرة أصبحت خياراً لكثير من العمال والمهنيين للبحث عن فرص عملٍ وتشمل فئات العمال المهرة والأقل منهم ، ذاكراً أن الحرب شملت رقعة واسعة من السودان وأثرت على القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والاجتماعية وبشكل كامل على مجمل القطاعات في السودان ، مشيراً إلى وجود تأثيراتٍ مباشرة وغير مباشرة على العمال والمهنيين ، وأضاف : تدمير البنى التحتية الصناعية والزراعية وغيرها إلى فقدان الوظائف وتسبب في اغلاق مصانع وشركات ومزارع وادى إلى انهيار الاقتصاد السوداني ، وبالتالي أدى فوراً إلى فقدان الوظائف وتسريح المؤسسات الاقتصادية للعاملين فيها ، مضيفاً : النزوح الداخلي واللجوء خارج السودان افقد السودان الكثير من العمال والموظفين ذوي الكفاءة للحفاظ على سلامتهم وأسرهم هرباً من مناطق الاشتباكات المسلحة ، وهو ما أدى إلى ضيق فرص العمل بالنسبة لهم وانخفاض الأجور وسوء ظروف العمل وتراجع الأوضاع الاقتصادية جعلهم يقبلون بأي فرص للعمل مهما كانت صغيرة أو خارج تخصصهم المهني والأكاديمي خاصةً مع ارتفاع معدلات الفقر ، والقبول بأجور منخفضة والعمل حتى في مخالفةٍ لقوانين العمل وما ينظم المهن التي تضمن لهم حقوقهم المهنية ، وذكر عمر أحمد صالح لـ ” انتقال ” حر: القطاع الزراعي تأثر تماماً بهذه الحرب وهو من القطاعات الواسعة وتأثرت البنى التحتية الزراعية بصورة كبيرة ، إضافةً إلى انعدام الأمن للعاملين في القطاع الزراعي وأدى إلى تعطله تماماً وفقد المزارعون سواء من العمال أو ملاك الأراضي مصادر دخلهم ، وأشار إلى أن الحرب أوجدت واقعاً سيئاً للعاملين في القطاعين العام والخاص وخاصة قطاع الخدمات المباشرة مثل الأطباء والمهندسين الذين كانوا محل استهدافٍ مستمر نتيجة عملهم وأداء مهامهم في مناطق الاشتباكات المسلحة ،أدت الحرب إلى انهيارٍ كبير في القطاع الصحي في السودان، ونقص في الخدمات الصحية والدوائية بسبب اغلاق مئات المصانع المنتجة للدواء وآلاف الصيدليات وتعمل أقل من 20 مستشفى حكومي ومرجعي في العاصمة والولايات حيث تعمل في الخرطوم 6 مستشفيات فقط و10 مستشفيات ومراكز صحية مرجعية في جميع أنحاء السودان.
هجرة الأطباء
مصعب عجب الدور وهو طبيب مهاجر واختصاصي الباطنية وعضو الجمعية العمومية للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان أوضح لـ ” انتقال ” أنه هاجر من السودان بعد نحو 10 أشهرٍ من اندلاع الحرب في السودان ، ورسم مصعب عجب الدور صورةً قاتمة لمستقبل القطاع الصحي في ظل استمرار الحرب ، وأشار إلى أن عدداً كبير من الأطباء من مختلف القطاعات والتخصصات هاجروا أو نزحوا أو لجأوا داخل وخارج السودان بسبب انعدام الوظائف وانخفاض مستوى الأمان الوظيفي وتوقف المستشفيات في معظم أنحاء البلاد عن العمل ونقص الخدمات الصحية والدوائية ، وأشار إلى أن البحث عن فرص عملٍ بالخارج بالنسبة للأطباء المهاجرين واللاجئين ليس أمراً سهلاً فهم يصطدمون أيضاً بصعوبات تتعلق بالترخيص وقوانين البلدان التي وصولوا إليها وأيضاً تفاوت وانخفاض معدلات الأجور والرواتب ، ذاكراً : هذه الهجرة لها تأثيرات كبيرة وجسيمة على القطاع الصحي والخدمات الصحية وتفقد البلاد كوادر وكفاءاتٍ مهنية .
انكماش الاقتصاد السوداني
وبحسب احصائياتٍ رسمية صادرةٍ عن سلطة الأمر الواقع في العاصمة الإدارية المؤقتة في مدينة بورتسودان شرق السودان فإن الانكماش في الاقتصاد السوداني وصل إلى 28 % خلال العام 2024 مقارنةً بـ 12.3 % في العام 2023 وهو العام الأول للحرب وبنسبةِ زيادة بلغت 12% ، وفقد ملايين الموظفين وظائفهم نتيجة الدمار الذي طال البنى التحتية نتيجة المعارك المستمرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم ، ومنذ 15 أبريل قررت العديد من الشركات الكبيرة والمؤسسات والبنوك والمصانع منح العاملين اجازاتٍ مفتوحة بدون رواتب وهو مالم يتم النص عليه في قانون العمل السوداني لسنة 1997 ، ومن هذه الشركات شركة دال وشركة آراك وشركة سي تي سي وشركة كوفتي والبنوك ومنها بنك الخرطوم وبنك الإدخار والتنمية الاجتماعية وبنك فيصل الإسلامي السوداني حيث بررت هذه المؤسسات الاقتصادية قراراتها أنها تعرضت إلى خسائر كبيرة وقامت بعض المصانع والشركات والبنوك بفصل العاملين بناء على هذه القرارات ، هذه المعطيات أدت إلى تحول آلاف المهنيين وأصحاب الوظائف إلى العمل في مهنٍ هامشية وتغيير أعمالهم وأيضاً اتخاذ الهجرةِ واللجوء خياراً للبحث عن رزقهم وقوتهم .
أكثر من 85% فقدوا وظائفهم
وأشارت تقارير رسمية سابقة صادرةٍ عن وزارة المالية والاقتصاد الوطني في السودان قبل حرب 15 أبريل أن عدد العاملين في البلاد يُقدر بـ 25 مليون شخص من العدد الكلي لعدد السكان المقدر بـ 48 مليون شخص وبناء على تقارير صندوق النقد الدولي بعد الحرب بلغت نسبة البطالة في البلاد أكثر من 47% فيما فقدت الجنيه السوداني قيمته بنسبةٍ أكثر من 50%، وارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 218% وفقاً لإحصائيات من سلطة الأمر الواقع التي تدير البلاد من بورتسودان ، وأصبح ملايين السودانيين يقاومون ظروف اقتصادية صعبةً للغاية و ارتفاع نسبة الذين فقدوا وظائفهم إلى أكثر من 85 % وفق تقديراتٍ اقتصادية مختلفة وتشير هذه التقديرات إلى أن خسائر الحرب الاقتصادية في السودان بعد سنةٍ وثمانية أشهر قد بلغ أكثر من 200 مليار دولار .
الهجرة وخطر المجاعة
استمرار الحرب في السودان وتوسعها في ولاياتٍ جديدة وضع أكثر من نصف عدد سكان البلاد أمام خطر المجاعة وبحثهم عن مناطق نزوحٍ آمنة أو اللجوء إلى دول الجوار السوداني مثل مصر وجنوب السودان وإثيوبيا ويوغندا وكينيا وتنزانيا حيث يعيش عدد كبير منهم في معسكرات اللجوء وعدد اخر يعتمد على مساعداتٍ من أقاربهم المهاجرين في دول أوربا وأمريكا والخليج العربي وبعضهم افتتح مشاريع صغيرة وفقاً لقوانين البلدان التي لجأوا إليها هروباً من جحيم الحرب ، ووفقاً لإحصائياتِ الأمم المتحدة فإن 25.6 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة في السودان ، إضافةٍ إلى 775ألف شخص على حافة الجوع بالفعل ، وبلغت أعداد النازحين واللاجئين من أصحاب الكفاءة والخبرات قرابة 7 ملايين شخص داخل وخارج السودان منذ بدء الحرب وخسر أكثر من 5 ملايين شخص وظائفهم خلال الثمانية اشهر الماضية بسبب النزاع الدائر في السودان، و لم يصرف أكثر من مليون موظف في القطاع العام رواتبهم منذ سنةٍ ونصف وتوقف الرواتب بصورةٍ شبه كلية وتحولت إلى منحهم سلفياتٍ بنسبة تبلغ 60% للموظفين و100% للعمال وأصحاب الوظائف الصغيرة.
أحمد سيد: 80% من المصانع تم تدميره
المتخصص في الشأن الاقتصادي وقطاع الأعمال أحمد سيد قال لـ ” انتقال ” أن الحرب أحدثت خسائر فادحة في جميع قطاعات الاقتصاد السوداني، ولكن بشكل كبير كانت في القطاع الصناعي من أصول ومحال ومخازن ومعدات سواء بالتدمير المباشر أو النهب وأثر ذلك على الوظائف للعاملين فيها ووفرة السلع، ونتيجة هذا الانهيار لجأت أغلب الشركات في بداية الحرب إلى دفع نصف الراتب أو الراتب الأساسي للموظفين والعمال وبعد استمرار الحرب فشلت تلك الشركات والمصانع في الاستمرار وأصبحت مجبرة على فصل الموظفين فصل نهائي مما فاقم من الكارثة الإنسانية وخلق انعكاسات كارثية على أوضاع الأسر التي يعولونها وصاحب ذلك فشل المؤسسات الحكومية الرسمية أيضاً في دفع الرواتب لموظفي الدولة وهو ما أنتج واقع كارثي جداً وجعل بعض الموظفين والعمال أمام خياراتٍ محدودة من بينها التجنيد بين صفوف طرفي الحرب أو الهجرة واللجوء خارج السودان أو النزوح الداخلي لتوفير قوتهم ، وهذه من نتائج الحرب الكارثية إنسانياً ، وأضاف : 80% من المصانع والمؤسسات الاقتصادية تم تدميره كلياً في هذه الحرب وتدمير كل البنى التحتية في جميع المناطق الصناعية في العاصمة .