تحليل سياسي : حسام الدين حيدر
تشكيل حكومةٍ من قبل قوات الدعم السريع أو من قبل قوى سياسيةٍ وحركاتٍ مسلحة في مناطق سيطرة الدعم السريع هو المسيطر حالياً على مجرياتِ الأحداث والرأي العام في السودان ما بين تخوفاتٍ وترقبٍ وقبول ورفض سواء من قوى مدنيةٍ وسياسية وفاعلين سياسيين ، في الوقت الذي قامت فيه القوات المسلحة بترتيبٍ وتنسيق مع الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول بتشكيل حكومةٍ بشكل متدرج يحافظ على مصالح وتحالفاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والتي أصبحت تعرف في الرأي العام بـ ” حكومة بورتسودان ” ، في مشروع التقسيم هذا يمثل القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ” حصان طروادة ” الذي يتم استخدامه من قبل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول .
خطوات مشروع التقسيم
خطوات مشروع تقسيم السودان والتمهيد لإنفصالٍ ما ، مشروع سياسي ظل يعمل عليه حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية عبر خطاب سياسي وإعلامي مستمر والإعلان عن توجهاتٍ ومشاريع واضحةٍ يتم الترويج لها إعلامياً سواء عبر تلفزيون السودان والإذاعة السودانية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مؤثرين داعمين للقوات المسلحة والإسلاميين ، وكذلك من داعمين لقوات الدعم السريع ، ما يمكن الاستدلال عليه هو توجه سلطة الأمر الواقع في بورتسودان شرقي البلاد إلى منع المواطنين بمناطق سيطرة الدعم السريع في جميع انحاء البلاد من الحصول على الأوراق الثبوتية مثل جوازات السفر والبطاقات الشخصية وشهادات المواليد الجدد منذ شهر أغسطس 2023 وبعد البدء في إصدارها تم حصرها في الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة وكذلك الحرمان من الخدمات الأساسية ووصول المساعدات الإنسانية والقصف المتواصل بالطيران ووصف المدنيين هناك بالمتعاونين مع قوات الدعم السريع وهي مزاعم وحقائق بديلة يستخدمها الإسلاميون لإستمرار الحرب في سياق استمرارها ، يضاف إلى ذلك إصدار أوامر محلية وقانون الوجوه الغريبة واعتقال آلاف المدنيين النازحين من مناطق سيطرة قوات الدعم السريع على أساسٍ قبلي وإثني وجهوي ، ويأتي في ذلك حرمان الطلاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع من الإلتحاق بالمراحل التعليمية المختلفة والإعلان عن قيام إمتحان الشهادة السودانية في مناطق سيطرة القوات المسلحة والتي يبلغ عددها 5 ولاياتٍ فقط هي القضارف وكسلا والبحر الأحمر ونهر النيل والشمالية وأجزاء من ولايات الجزيرة والخرطوم والنيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار .
اتفاق الإسلاميين على التقسيم
مشروع تقسيم السودان وخياراتهِ رغم اتفاق الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني عليها مبدئياً لكنها تحمل في داخلها تيارين مختلفين ، الأول يعبر عنه مشروع ما تسمى دولة البحر والنهر والتي يعبر عن توجهاتها المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي عبد الرحمن عمسيب الداعم للقوات المسلحة والاستخبارات العسكرية والإسلاميين ، هذا التيار من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول يقف على رأسه كل من إبراهيم محمود حامد و إبراهيم غندور ونافع علي نافع ، التيار الثاني يتبنى خيار ما يسمى وحدة وادي النيل والتوحد كونفدرالياً وسياسياً مع مصر ويقف عليه كل من علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية وعلي عثمان محمد طه وأسامة عبدالله وعوض الجاز وصلاح عبد الله ” قوش ” ويعبر عنه دائماً القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني المحلول ربيع عبدالعاطي .
وكلا التيارين يضعان نطاقاً جغرافياً لمشروع الدولةِ هذه يشمل ولايات الشرق الثلاث والخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض ونهر النيل والشمالية وكلا من ولايتي النيل الأزرق وسنار لا تدخل ضمن أولوياتهما وفق المعلن عنه من خلال الخطاب الإعلامي والسياسي .
خيارات حكومة المنفى
خيارات تشكيل حكومة منفى خضعت لنقاشاتٍ طويلة ومستمرةٍ بين القوى السياسية والمدنية والحركات المسلحة الرافضة للحرب والمؤيدة للديمقراطية والتي تتخذ موقفاً جذرياً من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول الذي أشعل حرب 15 أبريل ، واختلفت الآراء حولها تماماً ما بين رفضٍ واضح و قبولٍ من أطراف أخرى داخل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ، ووفقاً للمتابعات فإن الطرف المؤيد لذلك يضع مبرراتٍ قابلةٍ للنقاش وليست نهائية في السير نحو تشكيل حكومة منفى أو حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع بالتشارك معه أو بشكل منفرد .
مواقف ” تقدم ”
ومع تداول اخبار ومعلوماتٍ مضللةٍ حول اتجاه ” تقدم ” لتكوين حكومة منفى أو حكومةٍ بالتشارك مع قوات الدعم السريع تضيع حقيقة المواقف من هذا الخيار بصورةٍ كبيرة وتأتي في سياق الحملات السياسية والإعلامية التي توجهها الأطراف العسكرية وحلفائهم والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول ضد القوى السياسية والمدنية والتي تمثلها نموذجاً ” تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ” والأمر وإن تم تداوله في اجتماعات الهيئة القيادية التي كانت في مدينة عنتيبي بدولة أوغندا في 3- 6 ديسمبر الجاري لكنه وجد رفضاً من جميع مكونات ” تقدم ” عدا مكوناتٍ من الجبهة الثورية وتجدر الإشارة إلى أن ليس كل الجبهة الثورية متفقةٌ على هذا الخيار وبناءً على البيان الختامي لاجتماعات الهيئة القيادية لـ ” تقدم ” فإن الخيار المتفق عليه داخل هذا التحالف هو بناء جبهةٍ مدنيةٍ عريضة لانتزاع الدولة من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول والمضي نحو المائدة المستديرة والتي وضع لها تصور أن تضم جميع القوى السياسية والمدنية المؤيدة لثورة ديسمبر المجيدة والديمقراطية إضافة للحركات المسلحة الداعمةِ للديمقراطية وبناء دولةٍ مدنية حديثة وديمقراطيةٍ إضافة إلى النقاشات والاجتماعات التي حصلت مع أطراف سياسية تراجعت عن خياراتِ استمرار الحرب رغم دعمها للقوات المسلحة في مؤتمر القاهرة الذي عُقد في يوليو الماضي ، الأمر برمته تم تحويله لـ ” آليةٍ سياسية” لمزيدٍ من النقاشاتٍ والحوار حول الأمر الذي قد يؤدي إلى تعقيد الأزمة السودانية وتقسيم السودان وفقاً لمشروع الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول الذي ظل يروج لتشكيل حكومةٍ ومشروعي ” دولة النهر والبحر ” و ” وحدة وادي النيل ” والتي تخدم كلها تقسيم السودان بغرض البقاء في السلطة بذاتِ منطق اتفاق سلام نيفاشا 2005 والذي أدى إلى انفصال جنوب السودان لدولةٍ جديدة .
توجهات البرهان نحو التقسيم
الحديث عن تشكيل حكومةٍ لم يكن جديداً فقد كان أحد النقاط التي تضمنها خطاب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2023 ، والذي تحدث فيه عن تشكيل حكومةٍ لإدارة شأن الحرب البلاد وأن تتكون من المكونات السياسية والحركات المسلحة الداعمة للقوات المسلحة ، عقب خطاب البرهان أمام الأمم المتحدة تلك الفترة ، أصدر قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو خطاباً للأمم المتحدة من مقرهِ في الخرطوم تحدث فيه عن أنه حال تكوين الرهان لحكومة فإنهم سيشرعون في تشكيل حكومةٍ في مناطق سيطرتهم ، حديث الجنرالين وجد رفضاً مباشراً من الجبهة المدنية لإيقاف الحرب وقتها قبل أن تتحول إلى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية في أكتوبر 2023 وأشار الناطق الرسميون ومتحدثو القوى المدنية السياسية الرافضة للحرب أن ذلك بداية لتقسيم السودان ويهدد وحدته ، أبرزها مقابلات صحفية وتلفزيونية لكل من عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق وعضو الهئية السياسية للتجمع الاتحادي والقيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية محمد الفكي سليمان ووزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء السابق ونائب رئيس حزب المؤتمر السوداني وعضو الأمانة العامة لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية خالد عمر يوسف و الأمين العام لحزب الأمة القومي والقيادي بـ ” تقدم ” الواثق البرير و الناطق الرسمي الحالي باسم ” تقدم ” ورئيس الهيئة الإعلامية بالتجمع الإتحادي جعفر حسن عثمان والتي شددوا فيها على الموقف الرافض لوجود حكومتين في البلاد وسلطتين يقودها العسكريون .
دعوات البرهان لتشكيل حكومة
لكن خيار تشكيل حكومةً سواء في مناطق سيطرة القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع ، بدأ تداوله للنقاش في الرأي العام منذ نوفمبر 2023 بعد توجهات قائد القوات المسلحة ومساعديه خاصة الفريق أول ياسر العطا والمؤتمر الوطني المحلول للإعلان عن تشكيل حكومة طوارئ تدير شأن الحرب والبلاد من المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة ، وإن كان قائد القوات المسلحة قام بمشاركة الإسلاميين بإجراء تغييراتٍ على سلطة الأمر الواقع التي تعمل من بورتسودان شرقي السودان ، وعدت محدودة بحسبِ مراقبين لكنه إبتداءً من نوفمبر الماضي قام بتغييراتٍ جوهريةٍ لم تمس مصالح حلفائهِ بل كانت تسير في دعمه ، وعلى مدى سنةٍ كاملة قام قائد القوات المسلحة بإعادة تشكيل سلطة الأمر الواقع وهو ما يمضي في توجهاتهِ دونما توقف وهي ذات تصريحات مساعده الفريق أول ياسر العطا والتي تحدث فيها في مطلع الحالي عند تشكيل حكومةٍ في مناطقهم وحكومةٍ في مناطق سيطرة الدعم السريع أسماها ” دولة العطاوة” في إشارةٍ إلى إثنية قائد قوات الدعم السريع ، و بتتبع مساراتِ البرهان في مسألة تشكيل حكومة طوارئ بناءً على توجهاتِ الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول .
تغييرات في مجلس السيادة
على الرغم من دخول القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في حربٍ بترتيب وتنسيقٍ من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول في 15 أبريل 2023 ، إلا أن رئيس سلطة الأمر الواقع في بورتسودان شرقي السودان والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان لم يتجه لإعفاء قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو من موقعه نائب لرئيس مجلس السيادة إلا في أكتوبر 2023 وعين بديلاً له مالك عقار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بصفتهِ أحد الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في 2020 ، تلا ذلك اجراءاتٌ في أغسطس 2024 بتعيين كلٍ من صلاح الدين آدم تور رصاص و عبدالله يحيي ممثلين للحركات المسلحة بعد انشقاقهم عن حركاتهم ، وهو ما يكشف توجهاتِ البرهان والإسلاميين نحو مشروع تقسيم السودان ،توجهات البرهان نحو تشكيل حكومةٍ من طرف واحد وتجاوز مسارات انهاء الحرب بدأت فعلياً في نوفمبر 2023 حيث أقال أربعة وزراء من بينهم وزير الداخلية وعين بدلاً عنهم ، وأقال 6 من ولاة الولايات سواء في مناطق سيطرة القوات المسلحة والواقعة تحت سيطرة الدعم السريع ، وفي أكتوبر 2023 أقال البرهان 5 وزراء .
توجهات البرهان لطالما عَبر عنها مساعده الفريق أول ياسر العطا والذي ذكر في تصريحاتٍ صحفية في مايو 2024 أنهم سيتوجهون لتشكيل حكومةٍ تدير ما أسماه الفترة الانتقالية وتنهي الحرب وإلغاء الوثيقة الدستورية واجراء تعديلات حكومية ، وهو ما حدث بالفعل على مدى الـ 6 أشهر التالية حتى ديسمبر الجاري .
تعيين وزراء وولاة
في نوفمبر 2024 اجرى البرهان تعديلاتٍ جديدة في توجهاتهِ لتقسيم السودان حيث تم تعيين 4 وزراء جدد للإعلام والخارجية والشؤون الدينية والتجارة والتموين ، هذه التعديلات جاء في سياق الحفاظ على التحالف السياسي بين البرهان وداعميه وحلفائه حيث جاء تعيين خالد الإعيسر وزير للإعلام إرضاءً للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول وتعيين كل من وزير الشؤون الدينية والأوقاف عمر بخيت محمد آدم و عمر أحمد بانفير إرضاء لمكوناتٍ سياسية ومجموعاتٍ مسلحة في شرق السودان وتعيين وزير الخارجية علي يوسف إرضاء لأطراف إقليمية ، هذه التعديلات تأتي ضمن سياق خلافاتٍ وصراعاتٍ داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول والذي انقسم عملياً إلى تيارين رئيسين أحدهما بقيادة إبراهيم محمود ويجد دعماً من مجموعة إبراهيم غندور ونافع علي نافع ، والتيار الثاني بقيادة أحمد هارون المدعوم من مجموعة علي كرتي وأسامة عبدالله وعلي عثمان بشكل رئيسي والتي يقف معها الرئيس المخلوع عمر البشير .
إصدار عملة جديدة
السير في خياراتِ تقسيم السودان وفقاً لتوجهاتِ الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول سار فيها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بصورةٍ عمليةٍ ودؤوبة حيث أعلن بنك السودان المركزي في نوفمبر الماضي عن إصدار عملةٍ جديدة من فئة الألف جنيه وتحجج في منشور له أن الاجراء اتخذ لحماية الاقتصاد السوداني والذي شهد انهياراً كبيراً بعد الحرب وحدوث عملياتٍ نهب واسعة للبنوك وأموال المدنيين ، قوات الدعم السريع رفضت الاجراء واعتبرتها خطوات تمهد لانقسام السودان وعدم اعترافها بتغيير العملة وعدم تدوالها في مناطق سيطرتها ومع إصرار سلطة الأمر الواقع في بورتسودان على المضي قدماً في الاجراء وذكر بنك السودان المركزي في تصريح صحفي بتأريخ 9 ديسمبر الجاري ذكر فيه :
“إلحاقاً لإعلان بنك السودان المركزي بتاريخ 9 نوفمبر ٢٠٢٤م عن بدء عمليات استبدال الأوراق النقدية لفئتي الألف والخمسمائة جنيها عبر الإيداع في الحسابات المصرفية، يود بنك السودان المركزي أن يطمئن المواطنين الكرام في الولايات غير المشمولة حالياً بعمليات الاستبدال بأن البنك يضع احتياجاتهم وظروفهم بعين الاعتبار، وملتزماً بضمان أن يتمكن جميع المواطنين، دون استثناء، من استبدال عملاتهم بالشكل الذي يحفظ حقوقهم ومدخراتهم.”
هذا التصعيد بإتجاه تشكيل حكومةٍ واجراء تعديلاتٍ والإعلان عن اصدار عملةٍ جديدة وبدء عملية الاسبتدال زاد من وتيرة الحديث عن تشكيلٍ حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع خاصةً من قبل مؤيديه ، وهو مايقرأ في سياقٍ كأنما الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول والقائد العام للقوات المسلحة يدفعون الدعم السريع نحو الإعلان عن حكومة واتهام تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية بالوقوف معها ودعمها وهو ما يخالف معطيات وحقائق الواقع .