انتقال : حسام الدين حيدر
شهدت الحرب الجارية في السودان منذ 15 أبريل 2023 ، تحولاتٍ كبيرة في الخطاب الإعلامي ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون ( التلفزيون القومي ، الإذاعة السودانية ) فما بين إستضافةِ المؤثر الاجتماعي الداعم للقوات المسلحة والإسلاميين المعروف بـ ” الانصرافي ” واسمه الحقيقي محمد محمود السماني إلى استضافة ضابط سابق في جهاز المخابرات العامة ” بدر الدين عبد الحكم ” واللذان قدما نموذجاً لخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز العرقي والسياسي والإساءة حتى إلى دول الجوار ، تحولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحاتٍ حرب موازية تسود فيها الدعاية والدعاية المضادة ونشر وترويج الشائعات والأخبار الزائفة وتوظيف خطاب الكراهية والعنصرية ،من خلال هذا المقال نسعى إلى رسم تحليلاتٍ حول بعض النماذج في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وكيفية مساهمتها في زيادةِ حدة الحرب ودعم استمرارها .
معتصم اقرع
مع تزايد خطاب الكراهية والعنصرية والتحشيد للحرب واصطفافاتها العدوانية ، تزايد أيضاً قلب الحقائق وتقديم حقائق ومزاعم بديلة تستهدف المواقف السياسية والمدنية الرافضة للحرب للتبرير لمواقف مطلقي هذه الآراء في سياق دعمها للقوات المسلحة ومليشياتِ الإسلاميين كمنوذجٍ فقط ، ومثل هذا النموذج ” معتصم أقرع” وهو يطرح نفسه كمحللٍ اقتصادي ويكتب في الشأن السياسي على صفحتهِ على فيسبوك وذو ميول يساريةٍ ويعبر دائماً مواقف متطابقة مع الحزب الشيوعي السوداني ، معتصم أقرع دائماً مايهاجم القوى السياسية والمدنية الرافضة للحرب ويتعامل بأدواتِ نقد متحاملةٍ يعتمد فيها على تحليل المواقف بتقديم حقائق بديلة ومزاعم غير حقيقية ، مثلاً في أحد ارائه يقدم خدمةً لخطاب التضليل الإعلامي الذي يربط قوى الحرية والتغيير والقوى المدنية والسياسية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري في ديسمبر 2022 بإشعال الحرب ، على الرغم من أن الحقائق الموضوعية والمنطقية تؤكد تهديداتِ الإسلاميين بإشعال الحرب عبر سلسلةِ ندواتٍ ولقاءاتٍ جماهيريةٍ حتى 14 أبريل 2023 .
الحقائق البديلة هي مصطلح ظهر في السنوات الأخيرة يصف ظاهرة انتشار المعلومات المزيفة والكاذبة والأخبار المزيفة والمضللة والتي يتم تقديمها على أنها حقائق بغرض التأثير على الرأي العام وتستغل العواطف والتحيزات الموجودة لدى الجمهور العام وتعتمد على التلاعب بالمعلومات لتوجيه الرأي العام نحو اتجاهاتٍ معينة ، تختلف الحقائق البديلة عن الأخطاء الصحفية المهنية في نقل الأخبار وهي دائماً تكون مدعمةً بدعايةٍ مقصودة ومتعمدة ، تستخدم فيها تقنيات رقمية لنشرها على نطاقٍ واسع بسرعة .
معتصم أقرع كنموذجٍ ناشطٍ على مواقع التواصل الاجتماعي ينشط في هذا الجانب مثلاً في تقديم آراءٍ داعمةٍ للقوات المسلحة متجاوزاً عن انتهاكاتها ورابطاً لمواقف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ” مثلاً ” بقوات الدعم السريع وانتهاكاتها ، على الرغم من المواقف المعلنةِ لـ ” تقدم ” والتي تدين انتهاكات طرفي الحرب سواء عبر بياناتٍ وتصريحاتٍ صحفية أو مقابلاتٍ لمتحدثيها .
عطاف التوم
نموذجٌ اخر لتقديم حقائق ومزاعم بديلة ، هو الصحفي عطاف التوم رحمة الله ، وهو المعروف بدعمهِ للقوات المسلحة ، وهو يقدم محتوى مرئي ومكتوب في مواقع التواصل الاجتماعي وهو مؤسس لمجموعةٍ على موقع التراسل الاجتماعي ” واتساب” اسمها ” صحافسيون” وهي تضم صحفيين وسياسيين من مختلف الأحزاب السياسية والحركات المسلحة وقوى أهلية ومجتمعية ، عطاف التوم رحمة الله في أكتوبر – نوفمبر 2023 شن حملاتٍ إعلامية وتقديم مزاعم وآراءٍ حول دعم شيخ الأمين وهو أحد رجال الطرق الصوفية لقوات الدعم السريع والإصرار على أنه يأوي مجموعة من ضباط هذه القوات إضافةٍ إلى بث خطاب كراهية تجاه شيخ الأمين وصل حد المطالبةِ بتصفيته ، وطالب في مقاطع فيديو بقصف مسيد شيخ الأمين وهو ماحدث بالفعل حيث تم قصف المسيد عدة مراتٍ وسقط نتيجة ذلك عشرات الضحايا من المدنيين كانوا يقيمون في المسيد ، وحدث أن تم فتح بلاغ من شيخ الأمين ضد عطاف التوم في نيابة جرائم المعلوماتية في بورتسودان ، ليخرج الشيخ لاحقاً في لقاءاتٍ صحفية ومقابلاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي ينفي صلته بقوات الدعم السريع .
ولكن لماذا تنتشر الحقائق البديلة ؟
يتمثل ذلك في عدةِ أسبابٍ منها سهولة الوصول إلى المعلومات الخاطئة وتعدد المنصات التي تنشر وتساهم في نشرها بسرعةٍ كبيرة ،وتساهم الأجواء السياسية المتوترة في زيادة انتشار المعلومات المزيفة وخطاب الكراهية والعنصرية ويزيد من الاستقطاب السياسي ، كما أن تراجع الثقة في المؤسسات الإعلامية التقليدية زاد من استعداد الجمهور لتلقي وتقبل المعلومات من مصادر أخرى مهما قلت درجة موثوقيتها أو كانت غير موثوقة .
تؤدي الحقائق البديلة إلى تشويه الحقائق وصعوبة عملية اتخاذ مواقف وقراراتٍ صحيحة من قبل الجمهور والرأي العام لاعتمادهم على معلوماتٍ خاطئة ،كما أنها تزيد من حدة الانقسامات الاجتماعية وتقويض الثقة في المؤسسات والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والشخصيات التي تحاول وضع الحلول وتقديم رؤى موضوعية ومواقف تدعم مصالح الناس في حياةٍ كريمة وبالتالي تمثل خطراً كبيراً وتهديداً للديمقراطية والمجتمعات ومسارات إيقاف الحرب .
هشام شمس الدين
هنا يظهر نموذج اخر قدم حقائق بديلة ومزاعم وآراء تدعم استمرار الحرب الجارية في السودان واستنفار المدنيين وتسليحهم للانخراط في الحرب ، في ديسمبر 2023 وبعد دخول قوات الدعم السريع لمدينة ودمدني بولاية الجزيرة ، ظهر القيادي في الحركة الوطنية للبناء والتنمية هشام شمس الدين وهي مجموعة سياسية منقسمةٌ عن الحركة الإسلامية وتضم أعضاء سابقين في المؤتمر الوطني المحلول والمؤتمر الشعبي يدعو فيه إلى تسليح المدنيين وضرورة انخراطهم في الحرب وأنها الحل للانتصار على قوات الدعم السريع كما قال في مقطع الفيديو ، وبالتالي فإن الحقائق البديلة التي قدمها على أنها سوف تكون أحد عوامل الانتصار للطرف الذي يدعمه كانت ذات نتائج عكسية تماماً حيث أدت إلى زيادة حدة خطاب الكراهية والعنصرية وتحشيد المدنيين للقتال وعسكرة الحياة المدنية وزيادة ضحايا الحرب والاقتتال من خلال دعوتهِ تلك .
شهدت الفترة التي تلت الحرب في السودان انتشاراً واسعاً لخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز على أساس العرق واللون والرأي السياسي وهو ما يؤدي إلى تقويض النسيج الاجتماعي وزيادة التوتر والانقسام بين المجتمعات ، وساهم ذلك في تدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة دعم خطاب الحرب والاقتتال بين طرفي الحرب القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والمتحالفين مع كلٍ منهما ، وتعميق الانقسام السياسي أيضاً وهو ما يشكل عائقاً أمام عملية السلام وجهود المصالحة الوطنية نحو انهاء الحرب والمصالحات الاجتماعية لاحقاً .
خالد الشيخ .. ” أرجم ”
وهنا يظهر نموذجان لبث خطاب الكراهيةِ والعنصرية والتمييز الإثني ، حيث بث أحد المنتسبين لقوات الدعم السريع نهاية العام الماضي 2023 ، مقطع فيديو بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة مقطع فيديو يتوعد فيه بالهجوم على مدن ولاية نهر النيل والشمالية واصفاً المدنيين في تلك المناطق أنهم يقتلون أبناء مناطق دارفور وكردفان ، الشخص المعروف وهو مقاتل بصفوف الدعم السريع إسمه “حامد أرجم” أطلق خطاباً عنصرياً بحتاً وتبعاً لدعواتهِ هذه حصلت هجماتٌ على أطراف ولاية نهر النيل خاصة مناطق حجر العسل والبسابير وقرى أخرى في حدود ولايتي الخرطوم ونهر النيل منذ يناير 2024 حتى الآن .
النموذج الثاني هو المؤثر الاجتماعي خالد الشيخ الداعم للقوات المشتركة والتي أبرزها حركتي العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان ، والذي نشر منشوراتٍ على فيسبوك بعد أخبارٍ عن استيلاء القوات المشتركة لقاعدة الزرق بولاية شمال دافور ، وصف فيها مكونات قوات الدعم السريع أنهم غير سودانيين وأنكر نسبهم ومواطنتهم كسودانيين وأنهم احتلوا مناطق تأريخية لمكوناتٍ أخرى .
خطاب الكراهية والعنصرية المنتشر في السودان مع تزايد الانقسامات الاجتماعية سيؤدي إلى نهاياتٍ مفتوحة نحو سيناريوهاتٍ سيئة للغاية تهدد وحدة السودان مالم تتخذ أطراف الحرب خياراتٍ تمهد لإنهائها وتحقيق السلام .