عثمان عجبين
يتمثل الانتقال الديموقراطي في العمليات والتفاعلات المُرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة (نظام حكم غير ديمقراطي)، إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي. ويتطلب الأمر تفكيك بنية النظام القديم في مستويات السياسة / الفكر / المجتمع / الاقتصاد. ولن يستقيم الانتقال دون هذه الأعمدة مُجتمعةً كحزمةٍ واحدة وأولوية بذات درجة الحساسية.
تجربة الانتقال، التي تشهدها بلادنا منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، تجربة يمكن وصفها بالعميقة. من أبرز سمات العمق في ثورة ديسمبر، تمكُّنها من فتح أغلب الملفات الحيوية المُتراكمة منذ الاستقلال؛ فالناظر إلى ثورة ديسمبر، يرى بوضوح تنوُّعَ القضايا المطروحة وكثافتها: أطنان من الملفات تقبع على طاولة السياسة والاجتماع والفكر والاقتصاد. وطالما أن هذه القضايا تم فتحها في وقت متزامن، فيجب أن يتم التعامل معها كلها في وقت واحد. وهذا هو تحدِّي الانتقال الأساسي. لن نعبر هذا التحدي وننجح فيه إذا تم تقديم السياسة على أيِّ واحد من الملفات الأخرى.
منصة “انتقال” ستسدُّ الجانب المعرفي / الفكري / التنويري، ويجب أن يكون هذا دورها، بأن تعمل على تعميق التحول الفكري الكبير الذي يجري الآن. نحتاج إلى جون لوك وإيمانويل كانط، ليرافقا مسيرة السياسة والاقتصاد والاجتماع، إذ لا بدَّ من إنتاج منطق جديدٍ لحياة الإنسان السوداني بالاستناد على البذرة التي بذرها بثورته. الثورة تُرسل رسالة واضحة بأن المنطق والعقل القديم قد ماتا. ولالتقاط هذه الرسالة نحتاج إلى حركة فكرية نشطة، قافزة وجريئة بمقدار رغبة شعبنا في مستقبل أفضل قدَّمَ من أجله التضحيات العظام. هذه المنصة قمينٌ بها القيام بهذه المُهمَّة؛ مهمة لملمة الأفكار المُبعثرة التي طرحتها ثورة ديسمبر لإنتاج نسق فكري، ولإنتاج قاعدة فكرية تُعين الفاعلين السياسيين في تلمُّس المستقبل، وبناء مشاريعهم السياسية عليها. وعلي هذه المنصة أن تخلق هذا الماعون.
عملية الانتقال، تُشبه فترة المراهقة التي يختلط فيها القديم بالطموح، في التخلص منه إلى شيء جديد، وسيظل القديم يُطارد الثورة ويعمل في خلفيَّتها مثل موسيقى أفلام الرعب؛ لذا من الواجب خلق أوركسترا فكرية متنوعة تتناول قضايا الاقتصاد والاجتماع والفكر من منظور ديسمبري. تعزف هذه الأوركسترا لحناً تم الإنصات إليه أولاً، وباهتمام شديد من حناجر الشارع. الإنصات ضروري حتى لا نقع في أخطاء الماضي بأن نتخيل أصواتاً لم تصدر مثلما حدث في أكتوبر وأبريل. يجب أن نُرخي السمع ونُسكِتَ أصواتنا الداخلية. بهذه الطريقة سنستمع إلى المجتمع، ونستطيع بكُلِّ يُسْرٍ صياغة صوته في حوكمة ونهوض اجتماعي ونمو اقتصادي؛ لحظتها ستكون عربة الانتقال تمشي على أربع عجلات بسرعةٍ واطمئنان .