الخرطوم – انتقال
برزت في الآونة الأخيرة حملة مسعورة، لنقد أي عملية سياسية، لإنهاء الانقلاب، حتى أن بعض المحسوبين على إجراء عملية سياسية بقيادة رئيس الوزراء المستقيل د.عبد الله حمدوك، مع قائد عام الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تفاعلوا مع الحملة بقوة؛ بينما كانوا حمائم عملية سياسية كادت تشرعن الانقلاب، بين برهان وحمدوك، في وقت كانت فيه المعتقلات تعج بالمعتقلين من قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، علاوة على مساعيهم لترسيخ الانقلاب باتفاق 21 نوفمبر، بعد أقل من أسبوع من مجزرة بحري التي ارتقى فيها عددٌ من الشهداء لم تجف دماؤهم من على أرض محطة المؤسسة بحري حين وقَّع حمدوك اتفاقه مع البرهان.
مؤخراً، ظل المستشار السابق لكبير مساعدي رئيس مجلس الوزراء “أمجد فريد”، ينتقد العملية السياسية والحل السياسي، الذي تقوده الحرية والتغيير لوضع إطار دستوري جديد، يُنهي الانقلاب ويُحقّق مطالب الشعب السوداني الرافض والمُقاوِم لانقلاب 25 أكتوبر. وجهات نظرهِ هذهِ تطابقت مع آراءٍ ومواقف أعلن عنها بعض مؤيدي انقلاب 25 أكتوبر، إضافةً إلى قوى سياسية أخرى ترى فيها تسويةً لا تُحقّق مطالب الثورة. وبحسب مراقبين، فإن رفض الحل السياسي المفضي إلى إنهاء الانقلاب وشيطنته وإسقاط سلطتهِ؛ يجد موقفاً مناوئاً من قوى سياسية تتوزع ما بين اليسار واليمين، وأخرى كانت ضمن المجموعة السياسية لرئيس مجلس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك.
المستشار “الخفي”
وفي تصريحٍ صحفي سابق، قال المستشار السابق لكبير مساعدي رئيس الوزراء أمجد فريد، والذي ظل يُروّج لمنصبه كمستشار لرئيس الوزراء لا كمستشار لكبير المساعدين الشيخ خضر: “هذه اللقاءات السرية لن تُفضي إلى اتفاقٍ متكافئٍ بسبب إصرار قوى الحرية والتغيير خوضها بعيداً عن الدعم الشعبي”؛ وقارن في تصريحاتهِ بين اتفاق 21 نوفمبر، الذي تم توقيعه بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء المستقيل لاحقاً عبد الله حمدوك. وفي تغريدةٍ على حسابه على تويتر” نشر فريد: “استمرار التفاوض السري الذي تصر عليه قوى الحرية والتغيير يرقى إلى مرتبةِ اللامعقول”؛ بينما يقول مصدر مطلع في قوى الحرية والتغيير -طلب عدم نشر إسمه- لم يكن فريد نفسه شفافاً مع الرأي العام السوداني، فهو الذي ظل طوال فترة الانقلاب قد مزق حذاءه جيئة وذهاباً بين الفريق إبراهيم جابر “عراب إعادة الفلول لمؤسسات الدولة”، وقائد الحركة الشعبية مالك عقار، بل إن أمجد فريد -حسب المصدر- تحول بتحركاته إلى مستشار أساسي لعقار الذي طالما سخر من الثوار، واعتبر ما يقومون به فوضى وإرهاباً ضد الدولة، فهل يسعى فريد لشيطنة العملية السياسية لأنها ستقطع الطريق أمام وجوده المستمر في القصر الجمهوري، مستشاراً في الخفاء، أم أنه يمهد لقفزة جديدة، في ظلماته الممتدة؟! ويضيف -المصدر- فالرجل أثبت أنه الأكثر قدرة على “استخدام الحالة المطاطية لبلوغ أهدافه الذاتية”.
النظام البائد
هذه الموقف متقارب مع موقف أحد داعمي الانقلاب والمنتمي إلى نظام المؤتمر الوطني المحلول والبائد، محمد علي الجزولي، الذي نشر على صفحتهِ بفيسبوك منشوراً كتب فيه: (اتصلت به – يقصد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان – فقال إنه لم يتم التوقيع على أي شيء وإن هنالك خلافاً كبيراً في مسألتين جوهريتين)، وأضاف: (نحن كقوى سياسية رافضة لأي تسوية سياسية ثنائية مهمتنا الاستراتيجية جعل تكلفة أي سياسية باهظة جداً، وأقصر طريق لمنع وقوعها هو زيادة تكلفتها وتوسيع وتعميق حفرة مخاطرها وهو ما نعمل عليه كل ساعة)؛ ودعا إلى الخروج في تظاهرات مؤيدة للانقلاب السبت 29 أكتوبر.
موقف الحزب الشيوعي
طرح الحزب الشيوعي تصوره مبكراً، منذ الفترة الانتقالية، وقبيل حدوث الانقلاب، وأكد سعيه لإسقاط الانتقالية نفسها، في ما يمكن أن يشكل سابقة تاريخية لمعاداة حزب شارك في الثورة لحكومة انتقالية أنتجتها قوى الثورة وكان شريكا في تشكيلها، بل كان يحكم ثاني أكبر ولاية في البلاد من حيث الموارد والتعداد السكاني (ولاية الجزيرة).
يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي “صدقي كبلو” لـ”انتقال”، إن المبادرات السياسية المطروحةِ حالياً تناقش قضايا الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الجماهير بصورةٍ شكلية لا أكثر، وتفترض أن وجود مدنيين في السلطة هو تحقيقٌ للمطالب المرفوعة، وذلك غير صحيح، وأشار إلى أن تحقيق الانتقال الديمقراطي يتطلب تصفيةَ نظام الإنقاذ تماماً سلطةً وثورةً في هياكل الدولة، وأضاف أن انقلاب 25 أكتوبر أعاد نظام الإنقاذ والمؤتمر الوطني المحلول إلى السلطةِ والخدمة المدنية مجدداً.
وعن رؤيتهم السياسية أضاف: “نحن طرحنا رؤية سياسية عبر تحالف سياسي يتبنى التغيير الجذري، وتواصلنا مع الذين يتفقون معنا في الأهداف والرؤى وننظر إلى جهود لجان المقاومة في توحيد المواثيق والرؤى الخاصة بها باهتمام كبير، ولا مانع لدينا من التواصل والنقاش حول رؤيتنا”.
وفيما يتعلق بالعمليةِ السياسيةِ المُفضيةِ إلى إنهاء الانقلاب التي تطرحها قوى الحرية والتغيير ومشروع الدستور الانتقالي، أوضح: “ما يُشاع حول هذه التسوية ومطالب العسكريين بحصاناتٍ من المساءلة عن الانتهاكات لا يمكن أن يقبل بها الشعب السوداني ومواكب 21 أكتوبر و25 أكتوبر، أكدت تمسك الشعب بمطالبهِ، ونرى أن إسقاط الانقلاب واللجنة الأمنية لا يأتي عبر التفاوض، وإنما عبر الحراك الجماهيري والإضراب السياسي والعصيان المدني وغير ذلك يعطي تصوراً زائفاً عن إسقاط الانقلاب”، وأضاف: “لا أعتقد أنه سيتم القبول باللجنة الأمنية وأعضائها في المؤسسة العسكرية”.
أهمية النتائج
المتخصص في السياساتِ العامة والناشط السياسي “مشعل أميري” أكد لـ “انتقال”، أن “تسمية ما يجري سياسياً حالياً عملية سياسية أو تسوية سياسية أو غيرهما، لكن الأهم هو نتائجها، وهل النتائج مقبولة لاحقاً من الشارع والحركة الجماهيرية؟ وهو ما يمكن أن يظهر من خلال المواكب السلمية ووجهات النظر المطروحة من خلال الرأي العام، وهو ما يُحتّم وجود حوار مع مكونات الشارع حول النتائج وتحقيقها”، وأضاف: “هناك مجموعات تتحدث عن أن هذه العملية السياسية تجري بشكل سري وبإخفاء المعلومات، وبالضرورة ليس هناك مفاوضات تُعرض على شاشاتِ التلفاز أو في بثٍ مباشر ليكون الحديث بوجهاتِ النظر هذهِ”.
الشفافية
وأشار مشعل إلى أن هذه المجموعات التي تتحدث عن انعدام الشفافية من الغريب أنها عندما كانت في السلطة خلال فترة الحكومة الانتقالية، لم تكن تتبع الشفافية التي تطالب بها، ولم تكن تقدم المعلومات التي تطالب بها الفاعلين السياسيين حالياً، والأوْلى لها أن تُمارس الشفافية في السلطة، وليس الحديث عن ما يتعلق عن المفاوضات، مضيفاً: “ما يُعاب على قوى الحرية والتغيير أنها قطعت شوطاً في رؤيتها السياسية وتحركاتها نحو تأسيس دستوري جديد وإنهاء الانقلاب وإسقاطه،ِ ولكنها لم تتحدث عنها بشكل مباشر أو بشرت بها، وهو ما يتطلب أن تواجه الجماهير بما حققته وتعرضه عليها وترك الخيار للحركة الجماهيرية لتضع تقديراتها سواء بالدعم أو رفضها أو تقوية المطالب التي تُطرح ضمن العملية السياسية التي تقودها قوى الحرية والتغيير”.
الفوضى الخلاقة
وأكد مشعل أميري أن هناك مجموعات سياسية ترفض الحل السياسي فقط، لأنه جاء من قوى الحرية والتغيير، كنوع من الكيد السياسي، وهناك مجموعات أخرى ترفض الحل السياسي لأنها سيُخرجها من إطار الفاعلية السياسية ومن الصورة تماماً وينهي وجودها، وهي مجموعات كانت ضمن نظام الإنقاذ ومجموعات أخرى كانت تتحرك حول رئيس مجلس الوزراء المستقيل بعد اتفاقهِ مع العسكر عبد الله حمدوك، ومجموعات حالياً ضمن سلطة انقلاب 25 أكتوبر، وهي تنظر إلى أن أي حلٍ سياسي ستنجزه قوى الحرية والتغيير بأنه لن يحقق مصالحها ويخرجها من السلطة تماماً، وهناك مجموعات أخرى ترفض أي حل بصفةٍ عامة ورؤيتها للحل مختلفة بمعنى أن خروج العسكر وتسليم السلاح، ونسبة حصول ذلك ليس بالسهولة التي يعتقدونها وهو أقرب لسيناريو الفوضى الخلاقة بأن يحدث انقسام في الجيش وأن تنهار المنظومة الأمنية وتقوم فكرتها على محاكمة العسكر وهي تكلفة عالية للغاية.
تحقيق المطالب
وأضاف مشعل أميري: “الوصول إلى اتفاق يحقق المطالب التي يهتم بها، ومن ضمنها خروج الجيش من العملية السياسية وسيطرة المدنيين على المؤسسات الأمنية والعسكرية وإصلاح ودمج الجيوش وبناء جيش موحد والعدالة والعدالة الانتقالية، وهو ما يهم السودانيين من مطالب ومعرفة التفاصيل بشأنها، ويتطلب مكاشفة قوى الحرية والتغيير للجماهير، إن كانت هناك مطالب من العسكريين بحصانات أو ضمانات أو نموذج عدالة محددة”، وأشار إلى أن التسريبات عن الاتفاق السياسي يحقق معظم المطالب التي خرج لأجلها الشعب السوداني الذي يقاوم الانقلاب، ويجب أن يتم عرضها حتى لا يتم التسريب بشكل مُخل يجعلها عرضة للرفض دون معرفة التفاصيل.