الخرطوم – انتقال
تشهد الأسواق السودانية حالة من الركود بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية، وزاد تفاقمها تدهورُ الأوضاع السياسية عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021م.
ومع ذلك تستمر وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في الإجراءات التي اتفق عليها السودان مسبقاً مع صندوق النقد الدولي وتوقيعه على برنامج المراقبة في يونيو 2020م. وشملت تلك الإجراءات تحرير سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية ورفع الدعم عن المحروقات، فضلاً عن التوسع في الرسوم والضرائب الحكومية. كل هذه الإجراءات انعكست سلباً على الأسواق التي باتت تشهد حالة من انعدام القوى الشرائية.
ويشتكي تجار في الأسواق المختلفة، من الإجراءات المفروضة من قِبل الجهات الحكومية المتعددة والتي أدت بدورها لزيادة تكلفة السلع.
أوضاع كارثية
تاجر الأدوات الكهربائية في الخرطوم، عبد الدائم النور، يقول إن “أوضاع الأسواق السودانية كارثية”، وذكر في حديثه لـ”انتقال” أن “الأسواق شبه متوقفه تماماً عن عمليات البيع والشراء من قبل المواطنين والتجار”.
وأكد النور “أن ظاهرة “كسر” البضائع وبيعها بأقل من ثمنها أضحت عادية يمارسها التجار بهدف الحصول على مبالغ لتسديد التزاماتهم المالية”.
فيما يرى التاجر المحاصيل بسوق أم درمان “أحمد عبدالله أن ما تمارسه الحكومة من جبايات ورسوم هو أحد أهم أسباب الركود الحالي”.
ويضيف في حديثه لـ”انتقال”: “كيف يمكن لتاجر رأسماله لا يتعدى الخمسة مليارات جنيه أن يدفع ضرائب تصل إلى خمسين وستين مليار جنيه؟”.
وشن عبدالله هجوماً على قيادات وزارة المالية واتهمها بممارسة المحاباة و”الخيار والفقوس” في تقديرات الضرائب.
الأوضاع الأمنية
وفي ذات المنحى قال تاجر الملبوسات النسائية إدريس بابكر إن “أهم أسباب ركود الأسواق ما تمارسه السلطات الأمنية من إغلاق للجسور والطرق الرئيسة عدة مرات خلال الأسبوع الواحد، مما يصعب حركة الدخول إليها”.
وأكد أن الأوضاع السياسية القائمة الآن تؤثر بشكل بالغ في حركة تداولات الأسواق اليومية.
الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، عبد الوهاب جمعة، أكد على الأسواق السودانية “تشهد حالة من الركود الاقتصادي خلال الشهور الماضية ناتجة عن الضعف القوى الشرائية للمستهلكين مع تأثر الاقتصاد السوداني نتيجة سياسات اقتصادية صعبة من وزارة المالية وبنك السودان المركزي”.
وقال جمعة لـ”انتقال”: “ظلت السياسة النقدية لبنك السودان المركزي طوال العام الحالي والماضي تقوم على “سياسات انكماشية” بتحجيم السيولة وتقليص القروض للبنوك التجارية”.
وأضاف: “تسببت تلك السياسة الانكماشية في ضعف التمويل المصرفي الموجه لقطاعات الزراعة والتعدين والصناعة”.
ونوه جمعة إلى محاولة بنك السودان المركزي من وراء تلك السياسة الانكماشية “تحقيق استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وكذلك تخفيض نسبة التضخم”.
وأقرّ بنجاح بنك السودان المركزي في “تحقيق استقرار سعر الصرف وخفض نسبة التضخم كل شهر مما تسبب في حالة من الركود غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد السوداني”. وأوضح في الوقت ذاته أن تلك السياسات “تسببت في ضعف حجم الصادرات السودانية وتقليل كميات الواردات”.
وأوضح أن “التأثير الأكبر لتلك السياسة كان على القطاعات الإنتاجية خصوصاً في الزراعة والصناعة والتعدين والقطاع التجاري”.
فضلاً تسبب “السياسة المالية التي اتبعتها وزارة المالية في زيادة سعر الدولار الجمركي والرسوم الجمركية والضرائب المباشرة في تقليل القوى الشرائية للمستهلكين نتج عنها ركود غير مسبوق”.
أكبر قطاع تأثر بالسياسة النقدية لبنك السودان والسياسة المالية لوزارة المالية هو قطاع الخدمات الذي يحرك نصف الناتج المحلي الأجمالي للسودان، والذي أظهر تضرر كبير نتيجة الركود.
وقطع جمعة بأن “الأسواق التجارية بالسودان تئن تحت وطأة الركود وتسبب ذلك في اختلال معادلة العرض والطلب، حيث زاد المعروض من السلع وتقلص الطلب مع ارتفاع أثمان السلع وهي ظاهرة تظهر مدى وطأة الركود على السودان”.
وتوقع استمرار حالة الركود على المدى القصير والمتوسط، نتيجة عدم تغيير السياسة النقدية والمالية خصوصاً على الملامح العامة التي ظهرت في موازنة السودان للعام المقبل. والتي ستعتمد فقط على حشد الموارد الداخلية دون القروض والمساعدات الخارجية، وهو ما يعني مزيداً من السياسات الانكماشية مع سعي وزارة المالية لزيادة حجم الضرائب والجمارك، إذ أصبحت الضرائب والرسوم الجمركية تشكل ثلثي الإيرادات الحكومية”.