الخرطوم – انتقال
أثارت رسائل قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى حزب المؤتمر الوطني المحلول والإسلاميين بالابتعاد عن المؤسسةِ العسكرية، جدلاً كثيفاً وسط الإسلاميين على وجه التحديد. تفاصيل خطابهِ في معسكر “حطاب”، وإن كانت فيها إشاراتٌ عن دور الجيش وعدم انحيازهِ لجانب سياسي، لكنه وضع منسوبي النظام المخلوع تحتٍ ضغطٍ مفاجئ لهم بعد دعواتهم المستمرة لقائد الجيش بالانقلاب على الفترة الانتقالية طيلة ثلاث سنواتٍ مضت.
دعوات متكررة للجيش
في أبريل 2020 أسس حزب بناة المستقبل والذي ارتبط تأسيسه بعضو مجلس السيادة الانقلابي بعد 25 أكتوبر أبو القاسم برطم ومدير جهاز الأمن والمخابرات المطلوب في دعاوى جنائية صلاح عبد الله “قوش”، تجمعاً دعا الجيش لتولي السلطة والاستيلاء عليها وإسقاط الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك وإزاحة قوى الحرية والتغيير وإلغاء الوثيقة الدستورية، وأعلن وقتها رئيس الحزب فتح الرحمن الفضيل الذي كان عضواً في حركة الإصلاح الآن وعضواً في برلمان نظام البشير، عن إتفاق 40 حزباً على هذه الخطوة، وكانت هذه إحدى دعوات الإسلاميين المباشرة للانقلاب والاستيلاء على السلطة.
أعمال تخريب
توالت دعوات الإسلاميين لإسقاط حكومة الفترة الانتقالية وإيقاف تفكيك نظامهم وعلى لسانِ قياداتهم ومنهم أنس عمر، الذي رتب مع رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول لأعمالٍ تخريبٍ في 30 يونيو 2020م، وتم إلقاء القبض عليهِ وغندور وأطلق سراحهم عقب انقلاب 25 أكتوبر. وفي نوفمبر 2020م خرج منسوبو حزب المؤتمر الوطني المحلول مسيراتٍ وسط الخرطوم طالبوا فيها باستيلاء الجيش على السلطة ودعوتهِ للانقلاب مباشرةً.
ونشط الإسلاميون في دعواتهم للجيش للبقاء في السلطة منذ 25 أكتوبر، وتولوا الدعايةِ السياسية وتنظيم مبادراتٍ منها مبادرة نداء أهل السودان وعلى رأسها الشيخ “الطيب الجد”.
خطط أخرى
خطاب قائد الجيش في “حطاب” غَيّر مواقف الإسلاميين بعد الإشارةِ المباشرةِ لهم بالابتعاد عن المؤسسةِ العسكرية، وتحولهم إلى موقف الهجوم ووصف مواقف البرهان بالمناورةِ والانقلاب، أي الانقلاب عليهم خلافاً لحقيقةِ أن مطالب الحركةِ الجماهيريةِ تتقدم لصالح تحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي.
الكاتب المنتمي للحركة الإسلامية ياسر الفادني وأحد مناصري العسكريين كتب رأياً جاء فيه: “ما قاله البرهان في حطاب واضح على الإسلاميين تغيير طريقة التفكير ونصب منصات جديدة للتنشِيّن نحو الالتفاف الجماهيري وترك الانشغال بلجنة مناصرة هذا وذاك دعوا الأمر للمحامين”، وواصل قاصداً حزب المؤتمر الوطني المحلول: “أين القيادات من الصف الأول؟ أين غندور؟ أين كبر؟ أين وأين؟ اظهروا في الندوات، التحموا مع الجماهير، ولا تتركوا المجال لمن يتحدث بالوكالة”. ويؤخذ رأي الفادني في سياق تخليهم عن دعم البرهان والجيش ولجوئهم لخططٍ أخرى.
انقلاب جديد
اللجوء لخطةٍ أخرى عبر انقلابٍ عسكري وتجديد الدعوات للاستيلاء على السلطة، دعا إليها أحد منسوبي حزب المؤتمر الوطني المحلول المغمورين وهو “محمد السر مساعد”، بعد رسائل البرهان لهم، حيث علق على حسابهِ بفيسبوك: “مجريات الأمور وتحليلها تؤكد أن هذا الوضع لن يستمر أكثر مما هو وسيحدث تغيير عسكري بالإطاحة بالقيادات العسكرية جميعها أو سيقود القادة العسكريون الإطاحة بالبرهان وحميدتي”.
حراك الحزب المحلول
الكاتب الإسلامي والداعم لخياراتِ الجيش محمد حامد جمعة نوار في منشورٍ على صفحتهِ بفيسبوك، وصف خطاب البرهان بالساخن تجاه المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية، وحَمّل الإسلاميين وحراكهم مسؤولية نتائجهِ ذاكراً: “لم أفاجأ لاعتبارات الشواهد التي صاحبت الحراك الأخير للإسلاميين والذي في غياب الضبط والإحكام والسيطرة سمح بخطاب خشن تمثل في قصص قال لنا وقلنا له مع حملاتٍ إعلامية منظمة”، في إشارةٍ لتصريحات محمد علي الجزولي وحسن عثمان رزق التي نفاها الناطق الرسمي باسم الجيش. وأضاف نوار في منشوره: “لعل غضبة البرهان تفسر سلوك الجيش بنفي واقعة الجزولي تحديداً والسكوت عن إيضاحاتٍ أهم”، وواصل مجدداً: “عموماً يمكن القول إن خطاب اليوم قد حرق مراكب الإسلاميين الذين على بعضهم التعلم من أضرار الكلام الساكت والنزق الانفعالي”. تفسيراتُ محمد جمعة نوار والمقرب أيضاً من مصادر عسكرية تمضي في فرضيةِ تباعد مواقف البرهان والإسلاميين الذين تحالف معهم لتنفيذ انقلاب 25 أكتوبر.
الخوف والبطش
الخوف من تحركات الإسلاميين والبطش بهم هو ما اعتمد عليه عضو حزب المؤتمر الوطني المحلول النعمان عبدالحليم في تعليقهِ على خطاب البرهان، حيث أورد في منشور: “أو أنه يشعر بالقلق والخوف _ يقصد قائد الجيش _ من تحركات بعض الشخصيات الإسلامية ونشاطها في مختلف المجالات أو أنه يريد أن يبطش بالإسلاميين في مقبل الأيام القادمة”. تعليق النعمان يعكس حالة التنسيق التي حدثت طيلة الفترة الماضية لإعادة منسوبي الحركة الإسلامية إلى مؤسسات الخدمة المدنية وإلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989، علاوة على الهلع من ما قد يعقب خطاب قاعدة حطاب العسكرية.
استجداء الجيش
رئيس ما يسمى حزب دولة الشريعة والقانون وأحد أعضاء ما يُعرف بالتيار الوطني العريض محمد علي الجزولي، وجه خطاباً يستجدى فيه الجيش ويؤكد من خلاله على أن الإسلاميين ظلوا على الدوام يستقوون بالجيش للسيطرة على البلاد، وكتب تعليقاً مقتضباً على صفحتهِ بفيسبوك: “حديث البرهان عن قوى تستهدف الجيش بالتفكيك هو يعلم أنها ليست قوى التيار الوطني العريض التي ظلت نصيرة للجيش المؤسسة واختلطت دماؤها بدمائها في خندق الدفاع عن هويةِ البلاد ووحدتها وسيادتها”.