تقارير

هتافات حطاب.. أهي رسالة للإسلاميين “ما سيأتي ليس كما مضى”؟

البرهان يطلق تحذيرات للحزب المحلول وسط إبتهاج الجنود

الخرطوم  انتقال

 لا يُمكن تفسير هتافاتِ وتفاعل ضباط وضباط صف وجنودِ القوات المسلحة أثناء خطاب قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عندما حذّر حزب المؤتمر الوطني المحلول ومنسوبي الحركة الإسلامية، بغير أنها موقفٌ جديد من المؤسسةِ العسكرية تجاه تحركاتِ الإسلاميين وسيطرتهم طيلةَ عقودٍ على القوات النظامية لتعزيز سلطةِ نظامهم وقمع الشعب السوداني عبر آلةِ العنف المحتكرةِ لدى الدولةِ بشكلٍ ممنهجٍ على الدوام، طوال فترات الانقلابات العسكرية التي استولت على الحكم منذ 1958 و1969 و1989 و2021م. وعقب انقلاب 25 أكتوبر نشط منسوبو النظام المخلوع في مخاطبةِ المؤسسة العسكرية وتحريضها على الحراك الجماهيري المناهض للانقلاب وعقد تحالفٍ سياسي يعيدهم إلى السلطةِ بذات معطياتِ انقلاب 30 يونيو 1989م، وإلغاء قراراتِ لجنة تفكيك نظام الإنقاذ. ومنذ إسقاط البشير طالما وجه الإسلاميون دعواتٍ للجيش للانقلاب على الفترةِ الانتقالية وحكومتها منذ أبريل 2020م.

رسالة لأول مرة

رسائل خطاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المُباشر للإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني المحلول وتحذيراتهِ لهم وآلتهم الإعلامية، يعد الأول منذ 2019م، الذي يكون مباشراً بهذهِ الطريقةِ. وخلال الفترة الانتقالية دائماً ما كان يشير فقط إلى عبارةٍ مكررة وهي التوافق وتوسيع قاعدة المشاركة عدا “المؤتمر الوطني”، رغم الاعتراض على قراراتِ لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة. ومع تحركاتٍ سابقة للإسلاميين داخل الجيش والقوات النظاميةِ الأخرى على ما يبدو أن البرهان قد وصل إلى تأكيداتٍ بشأنها، ويرتبط ذلك بنفي الناطق الرسمي للقوات المسلحة ما جاء على لسان رئيس ما يسمى حزب دولة الشريعة والقانون محمد الجزولي وعضو مبادرةِ نداء أهل السودان المنتمية للنظام المخلوع عن اتصالهِ بقيادات عليا، أصدر فيها الجيش بياناً مؤكداً أن إشارة الجزولي للقيادة يقصد بها البرهان، إضافةً لتصريحاتِ حسن عثمان رزق المنتسب لذاتِ المبادرة عن تنسيقهم مع البرهان لتولي السلطة وعدم موافقتهِ على مطالب الشعب السوداني الرافض للانقلاب وتسليم السلطةِ للمدنيين.

تقاسم الموارد مع الشعب

في يونيو 2022م أعلن وزير مالية السلطة الانقلابية عن اتجاههم لخصخصةِ وبيع شركاتٍ تتبع للجيش دون الإعلان عن تفاصيل ذلك أو طريقة البيع وعرض أسهمها. ووفقاً لإحصائياتٍ رسمية، فإن منظومة الصناعات الدفاعية هي التي تقع تحت إدارتها معظم شركات القوات المسلحة، وتقدر أصولها بـ 750 مليون دولار إضافةً لأصول ومملتكات بنك أمدرمان الوطني التي تبلغ 250 مليون دولار وهو يتبع للجيش. وبدأ النظام المخلوع سياساتِ الخصخصة وإنشاء الشركات العسكرية منذ 1992م.

إشارات خطابات قائد الجيش في معسكر “حطاب” حول العملية السياسيةِ ووجود تفاهماتٍ لخروج العسكر من الحياةِ السياسية تعني ضمناً القبول بمطالب الشارع السوداني الرافض للانقلاباتِ العسكرية وتحقيق مطالبهِ فيما يتعلق بالإصلاح الأمني والعسكري، وسيطرتها على مفاصل الاقتصاد من خلال تقاسم الموارد مع الشعب عبر مؤسساتٍ اقتصادية يجب أن تكون خاضعةً لولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بإعتبارها مالاً عاماً.

اختراق الإسلاميين للجيش طيلةَ ثلاثين سنةً أدى لإحداث قطيعةٍ بين الجيش والشعب، بلجوئهم إنشاء واجهاتٍ استثمارية وشركاتٍ تصب إيراداتها في خدمةِ آلةِ الحرب والنزاعات التي أدخلوا فيها المؤسسة العسكرية. وبعكس انقلاب إبراهيم عبود 1958م وانقلاب نميري 1969م، لم يكن الجيش طرفاً في إدارة الاقتصاد بشكلٍ مباشر على عكس ما قام به نظام الإسلاميين بدءً من 1989م.

عسكرة الحياة العامة

دائماً ما كانت الانقلابات في السودان تتبنى خطاباً سياسياً موجهاً بصورةٍ مباشرة إلى الأحزاب السياسية وتحميلها أسباب الاستيلاء على السلطة، على الرغم من أنها تستند على قوى ومجموعاتٍ سياسيةٍ تدعمها مثل ما حدث في 1958 و1969 و1989 و2021م، وتلجأ للعنف لقمع الحراك الجماهيري المناهض لها وهو ما وجد مقاومةً كبيرة في نموذج انقلاب 25 أكتوبر، حتى قبل وقوع الانقلاب ذاتهِ من خلال الخطاب السياسي والإعلامي الذي صنعته قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة ضد الانقلابات العسكرية وتحقيق مطالب الحكم المدني. لا يلجأ العسكر للعنف فقط بل إلى عسكرةِ الحياة المدنية والسياسية والبدايةِ بحل الأحزاب السياسيةِ وحظر عملها وحل النقابات  وتنفيذ حملاتِ اعتقالاتٍ ومحاكماتٍ سياسية وتعسفيةٍ للسياسيين والنقابيين. حدث ذلك بمجرد استيلاء عبود على السلطة، وكذلك انقلاب جعفر نميري في 1969م، ولكن القمع الشديد تبدى أكثر في انقلاب الإسلاميين في 1989م، وذات الأمر سار عليهِ انقلاب البرهان في أكتوبر 2021م، وهي بذلك تؤسس لصداماتٍ مجتمعيةٍ في الحياةِ العامة وتزيد من حدةِ الاستقطاب السياسي وإدخال الجيش كمؤسسةٍ حزبيةٍ أكثر منها مؤسسةٌ قومية ومهنية منوط بها حماية الشعب والدستور.

الانقلابات والنزاعات الأهلية

أعادت ثورة ديسمبر المجيدة ترميم العلاقة بين الشعب والجيش من ناحيةِ حماية الدستور وحدود البلاد، لكن انقلاب 25 أكتوبر واستيلاء قائدهِ عبد الفتاح البرهان على السلطة خلق جفوةً وقطيعةً نفسية من جديد، وارتبط ذلك بالخطاب الإعلامي لبعض منسوبي هذه المؤسسة من خلال تصريحاتٍ ومقالاتٍ توجهه لمطالب الشعب السوداني بصورةٍ مباشرة وتَحض من قيمةِ نضالهِ السلمي لأجل تحقيق مطالبهِ، تأثيرات الانقلابات العسكرية دائماً ما انعكست على السلم الاجتماعي وخلق توتراتٍ أمنية وأهلية دوافعها مرتبطةٌ بالحفاظ على مكاسب الانقلاب. في فترةِ حكم عبود أدى استيلائه على السلطة إلى زيادةِ حدةِ المعارك في جنوب البلاد وظهور النزعاتِ الانفصالية ولجوء السياسيين الجنوبيين إلى دولِ الجوار ومنها كينيا وأوغندا. ورغم توقيع نظام نميري مع الحركات المسلحة الجنوبية اتفاق سلامٍ في 1972م ولكن تم التنصل عنه لاحقاً، واستمرت الحرب حتى سقوطهِ بثورة شعبية في أبريل 1985م، غذى انقلاب الإسلاميين 1989م دعايتهِ السياسية عبر تعبئة السودانيين تجاه الحرب في الجنوب وتجييش الشعب ضد بعضهِ البعض، وتكرر انهيار الأوضاع الأمنية ونشوء النزاعات عقب انقلاب 25 أكتوبر بتزايد كبير في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.

ويتضح بجلاء أن هتافات الضباط والجنود أثناء خطاب البرهان “الأحد”، وتحذيره للحركة الإسلامية من عدم الاقتراب من الجيش، كل ذلك، يعطي انطباعاً بأن هذه الهتافات الداوية، تماثل حالة رفض من الجيش للإسلاميين وحزبهم المحلول، كما أنها تبعث برسالة في بريد الحزب المحلول، بأن ما سيأتي ليس كما مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى