تقارير

اتفاق السلام الإثيوبي.. السودان يترقب

الخرطوم – انتقال – وكالات

على غرار ترحيب إقليمي ودولي باتفاق الهدنة بين حكومة إثيوبيا وجبهة تحرير تيغراي الموقع الأسبوع الماضي في جنوب إفريقيا، سارعت الجارة السودان إلى الإعراب عن ارتياحها لإيقاف الأعمال العدائية بين الجانبين.

وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان الخميس: “نأمل أن يسهم الاتفاق التاريخي المرحب به في إحلال السلام والأمن والاستقرار والوحدة بين أبناء الوطن الواحد في إثيوبيا وتعزيز الاستقرار في إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي”.

والأربعاء الماضي، أعلن الاتحاد الإفريقي اتفاق الأطراف المتحاربة في إثيوبيا على “إيقاف دائم” للأعمال العدائية، في الصراع المستمر منذ عامين. وجاء اتفاق “إيقاف العدائيات” بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي، بعد عشرة أيام من مباحثات سلام أطلقها الاتحاد الإفريقي في جنوب إفريقيا.

تيغراي والفشقة

وبحكم الحدود المشتركة ظل السودان هو الملجأ الأكبر الذي فر إليه عشرات آلاف الإثيوبيين خلال الحرب من إقليم تيغراي، على الرغم عن الخلافات الحدودية بين البلدين والتي تصل إلى حد الاشتباكات في أحيان كثيرة.

واستضاف شرق السودان عشرات آلاف اللاجئين الفارين من القتال الذي اندلع في 4 نوفمبر 2020م، بين الجيش الإثيوبي الفيدرالي و”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”. واتهمت حكومة أديس أبابا في أكثر من مناسبة الخرطوم بدعم جبهة تحرير تيغراي وهو ما نفته الأخيرة.

كما شهدت الحدود السودانية الإثيوبية اشتباكات متفرقة خلال الآونة الأخيرة، لا سيما أن البلدين يتنازعان على منطقة الفشقة المجاورة لإقليم أمهرا شمال غرب إثيوبيا.

وفي ديسمبر 2021م، أعلن السودان، أنه “يسيطر على كافة أراضيه وحدوده المعترف بها دولياً مع الجارة إثيوبيا، ولم ولن يسمح مطلقا باستخدامها لأي عدوان”.

وذلك عقب خبر لوكالة “فانا” (اتحاد وكالات الأنباء العربية وكالات الأنباء الوطنية) بأن الحكومية الإثيوبية اتهمت فيه السودان بدعم جبهة تحرير تيغراي.

وقالت الخارجية السودانية آنذاك: “تابعنا باستغراب خبر وكالة فانا بأن الخرطوم تدعم جبهة تحرير تيغراي وقيامها بإيواء وتدريب عناصرها لمواجهة قوات الحكومة الإثيوبية”.

وفي 30 أغسطس الماضي استدعت وزارة الخارجية السودانية، السفير الإثيوبي بالخرطوم بيتال أميرو، بشأن تصريحاته حول إسقاط طائرة عبرت من السودان وكانت محملة بأسلحة لجبهة تيغراي.

وقالت الخرطوم حينها: “استدعينا سفير جمهورية إثيوبيا يبتال أميرو لدى السودان احتجاجا واستنكارا للتصريحات التي أدلى بها لوسائل إعلام، ذكر فيها إسقاط القوات الإثيوبية لطائرة محملة بالأسلحة لقوات جبهة تحرير شعب تيغري خرقت المجال الجوي الإثيوبي عبر السودان”.

وإلى جانب الصراع في إقليم تيغراي المجاور للسودان، تشهد المناطق الحدودية للسودان مع إقليم أمهرا المتاخم لمنطقة الفشقة السودانية توترات حدودية.

وأعلنت الخرطوم في 31 ديسمبر 2020، سيطرة الجيش على كامل أراضي بلاده في منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا، بينما تتهم أديس أبابا السودان بالسيطرة على أراضٍ إثيوبية، وهو ما تنفيه الخرطوم.

وتضم الفشقة أخصب الأراضي الزراعية في السودان، وتنقسم إلى ثلاث مناطق هي: “الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى والمنطقة الجنوبية”.

تأثيرات إيجابية

رأي الكاتب والمحلل السياسي السوداني عبد المنعم أبو إدريس، أن “تحقيق السلام والاستقرار في إثيوبيا له أثر إيجابي على السودان، لا سيما أن الحرب في تيغراي أدت إلى طلب أكثر من 70 ألف اللجوء في السودان جعلت الحدود متوترة مما أدى إلى أن تنشر عليها الحكومة السودانية قوات إضافية”.

ويضيف أبو إدريس: “كما أنه عند اقتراب القتال من الحدود سقطت بعض القذائف في قرى حدودية ومشاريع زراعية”.

وأشار إلى أن الحرب “أدت كذلك إلى زيادة نشاط عصابات تهريب البشر في المنطقة، ولذلك السلام سيسهم إيجابيا في انخفاض هذه الظاهرة”.

ولفت إلى أن اتفاق السلام “صمت عن المنطقة الحدودية الغربية لتيغراي وهي منطقة حولها خلاف داخلي إثيوبيا في تبعتيها إلى الأمهرا أم إلى التيغراي”.

وأردف: “هذا الصمت قد يكون مدخل لتجدد النزاع حولها بين القوميتين وهي منطقة تطل مباشرة على الفشقة الكبرى السودانية التي بها أطماع إثيوبية”.

بالغ السوء

إلا أن المحلل السياسي خالد طه يرى أن “أثر تداعيات الأوضاع في إثيوبيا لن يتغير إيجابيا بالنسبة للسودان، وقد يكون أكثر وطأة من الفترة التي سبقت الاتفاق في جنوب إفريقيا”.

وعدد طه في حديثه الأسباب التي تجعل الاتفاق ليس ذا تأثير إيجابي على السودان قائلا إن الاتفاق “هو محض هدنة اضطراريه لجميع الأطراف، تم بتزايد الضغوط الدولية على الجانب الحكومي من ناحية، وتردي الوضع الميداني عسكرياً بالنسبة لقوات التيغراي”.

وقال: “أرى أنه لم يزل الجميع يوقن بأن (الحرب هي الحل) مع احتمال أن تتجدد وتمتد لأقاليم إثيوبية أخرى وبعض دول الجوار” .

وذكر طه، أن السودان “يعد خلفية ومعبراً للتموين والإمداد في حالات السلم والحرب معا”، مشيراً إلى أن “مسألة السيطرة على الحدود المتاخمة له تصبح هدفاً للأطراف الموقعة وغير الموقعة على الاتفاقية، وكلهم أطراف مباشرون في الحرب”.

ويلفت إلى أن “مسألة إتهام السودان بالضلوع في دعم بعض أطراف الصراع في إثيوبيا، أحد أسباب توقع أزمات قادمة، لأن الأمر متصل بترجيح موازين القوة وبالتالي تغيير معطيات الواقع هناك، وهذا لن يمر دون رد بالضرورة”.

ويشير طه، إلى أن “الحرب الأخيرة في إثيوبيا تداخلت فيها عوامل عرقية، لذا من الصعب التعامل سياسياً مع مخلفاتها داخلياً أو تطويق تأثيرها خارجياً لا سيما في دول الجوار القريب مثل السودان”.

تأثيران إيجابيان

يعتبر المحلل السياسي السوداني أمير بابكر، أن “طبيعة العلاقة بين السودان وإثيوبيا تظل في حالة صعود وهبوط في كل الأحوال، طالما ارتبطت بالسياسات الداخلية لكلا الدولتين وارتباطاتهما الخارجية الإقليمية والدولية”.

وأضاف: “سيكون الاتفاق بين الفرقاء الإثيوبيين تأثيره إيجابيا أو سلبيا على السودان متوقف على سياسة كل دولة تجاه الأخرى”.

ورأى أن اتفاق السلام الإثيوبي “سيحدث أثرين مباشرين على السودان أولهما: هدوء الأحوال الأمنية في الحدود الغربية لإثيوبيا المتاخمة لولايتي كسلا والقضارف السودانيتين، والتي كانت إحدى أهم ساحات القتال بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقوات جبهة تحرير تيغراي”.

وأضاف بابكر: “ثاني الأثرين الإيجابيين هو توقف تدفق اللاجئين الإثيوبيين إلى داخل الحدود السودانية جراء ذلك القتال والذي خلق حالة إنسانية طارئة وكارثية”.

وأشار إلى أن الاتفاق الذي “قضى بتحجيم قوات جبهة تحرير تيغراي، يعني سد جبهة اتهامات الحكومة الإثيوبية للخرطوم بدعم التيغراي”.

واستدرك بابكر قائلاً: “لكن في ذات الوقت يجب الوضع في الحسبان أن توتر العلاقات بين البلدين سابق للحرب الأهلية الإثيوبية، فلا زالت أسباب التوتر قائمة وهي رغبة الإثيوبيين في السيطرة على أراضي منطقة الفشقة بالحدود الشرقية للسودان”.

ونبه إلى أن “عاملاً جديداً قد ينشأ في حال تنزيل هذا الاتفاق بين الإثيوبيين على الأرض، وخضوع إقليم تيغراي للسلطة المركزية وهو ما يعني أن السودان سيواجه هذه المرة إثيوبيا موحدة، ولن يجد ثغرة ينفذ من خلالها إلى الضغط على أديس أبابا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى