الخرطوم – انتقال
مثل الترقب الكثيف من سكان مدينة لندن لمشاهدة تشارلز دارني “المتهم بمساعدة أعداء الملك” في محكمة بيلي القديمة “في رواية قصة مدينتين لتشارلز ديكنز”، كانت الجماهير على الأرض وفي الأسافير تترقب، ندوة “نداء أهل السودان” في الريف الشمالي لمدينة أم درمان، فقبلها بأيام فقط كانت قوى الحرية والتغيير، وفي ذات المكان صدحت بقولها جهراً حيال مضيها في إنهاء الانقلاب، بآليات حددتها مسبقاً، بينها العملية السياسية التي أثارت غباراً كثيفاً في أنحاء البلاد وخارجها، ما بين داعم بقوة، ورافض بشدة، وآخرين يترقبون في حذر ليحددوا خندقهم عقب معرفة مخرجات العملية السياسية “حال تمت”.
سلاسة كبيرة
حين أعلنت قوى الحرية والتغيير عن ندوة يتحدث فيها قيادات بالتحالف السياسي العريض بالريف الشمالي، كانت بعض الأصوات في داخل الحرية والتغيير تخشى أن يعاد سيناريو ندوة ميدان الرابطة في شمبات أواخر العام الماضي، التي فضت بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع، واتهمت حينها الحرية والتغيير السلطة الانقلابية وعناصر جهاز الأمن بفض الندوة، وأصوات أخرى تؤكد أن الزمان غير الزمان، فقد تغيرت المعادلة السياسية وأضحت الحرية والتغيير فاعلاً رئيساً في المشهد، وقيادة معتبرة لتحقيق مطلب إنهاء الانقلاب.
واستقبلت حشود كبيرة من سكان الريف الشمالي، قيادات الحرية والتغيير، وألهبت الأكف تصفيقاً لحديث قادتها العضو السابق لمجلس السيادة محمد الفكي سليمان، ووزير مجلس شؤون الوزراء السابق خالد عمر يوسف، والقياديين البارزين صديق الصادق المهدي، وياسر سعيد عرمان، وتجاوبت الجموع مع الخطاب، وتفاعلوا في المداخلات بين الإطراء والنقد، في جو ديمقراطي طال انتظاره لسكان الريف الشمالي.
طرد وملاحقات.. وندوة داخل “حوش”
في المقابل، ورغم اختيار مجموعة دعم الانقلاب وعناصر النظام البائد، لشخصيات من الإدارات الأهلية لكسب أكبر قدر من الحشود، خصوصا تسمية المك عجيب الهادي، بهدف التحشيد القبلي في المنطقة، علاوة على موسى هلال والشيخ عمر عبد الرحيم ود بدر.
فعالية هذه المجموعة ظلت تغير موقعها بأمر منفذيها، من قرية لأخرى في قرى الريف الشمالي، لرفض الأهالي إقامتها في ميادين قراهم، ما حدا بمنظمي الندوة إلى عقدها أخيراً داخل منزل أحد قيادات النظام البائد، وسط حضور باهت وضعيف، وحسرة بالغة لدى مجموعة “نداء أهل السودان”، فليس أقسى من أن تتهافت على القرى مبشراً بمشروعك وتلفظك الجماهير، وتعاف التواجد في فعاليتك، ما أثار سخرية الشباب الثائر والقوى السياسية المناهضة للانقلاب.
وفي هذا كتب المدون حسن صالح: “المكان الثالث لندوة حزب نداء الكيزان، من العصر تم طردهم من ميدان الريف الشمالي -النوبة-، آخر ما حدث دخلوا منزلاِ وأغلقوا الباب -زي حنة العروس- وشفاتة السروراب قالوا حتى داخل البيت ما يشتغلوا ندوتهم”.
بدوره استعادت ليمياء عبد العزيز تحت عنوان “طرد الكيزان من الريف الشمالي” ما كتبه المدون مزمل فضل على صفحته بفيسبوك عن حشود أهل الريف الشمالي لميدان الاعتصام في 2019م لكنس ما سماه “أراذل البشر.. الكيزان”، وكتبت ليمياء مستعيدة الذكرى اليوم “طرد الكيزان من ثوار الريف الشمالي”.
طرق النحاس وحمل في الأعناق
أمر لافت شهدته ندوة قوى الحرية والتغيير، أثار إعجاب مناصريها ومؤيدي انهاء الانقلاب، بينما أوجع عناصر النظام البائد، و مناصري الانقلاب، بطرق أهالي الريف الشمالي للنحاس والطبول، في حضرة عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، عقب الندوة، وأطلقت الاهازيج و أغنيات الحماسة، وحمل بعضهم محمد الفكي على الأعناق في بهجة عالية، ما أعطى مؤشرات بأن الريف الشمالي، اختار خندقه، داعماً لقوى الثورة، رافضا للعهد البائد، مبشرا بضرورات إنهاء الانقلاب، متصديا لمحاولات الفلول العودة من جديد، لعهد الظلام، الذي بدا، ومن خلال حصيلة الندوتين، أن عهده ولى، ولن يعود، بل ربما قد آن لعهد الظلام أن يرقد في مضجعه الترابي الأخير، إلى الأبد، فخطى الشعب السوداني نحو بناء دولة الحرية والعدالة والسلام، تمضي بثبات وعزم، غير آبهة بأدعياء عهود البطش والقهر والظلام.