رائد شرطة (م) عمر محمد عثمان
اتسم الخطاب السياسي والشعبي خلال الفترة الانتقالية الماضية، بكثير من الثورية والعدائية تجاه الشرطة. هذا العداء بالتأكيد كانت له أسباب ومسببات، لكنه في كثير من الأحيان تجاوز حدود المعقول، وساهم بشكل كبير في خلق واتساع الهوة بين الشرطة والجمهور، وهي مسألة لا تفيد التغيير، ولا تفيد عمليات الإصلاح المنشود لقطاع حيوي مثل الشرطة. وقد تسببت هذه العدائية في إثارة مخاوف حقيقية لدى منتسبي الشرطة بأن المدنية تستهدفهم، وأن السياسيين والجمهور لا يُقدّرون مجهودات الشرطة، ويجعلون منها كبش فداء في كل حادثة. بالتالي لا بد أن يتسم الخطاب السياسي والجماهيري في الفترة القادمة بالرشد والموضوعية. كما يجب العمل وبشكل جاد لتحسين العلاقة بين الشرطة والجمهور. وسيكون من شأن ذلك تليين أي مقاومة أو ممانعة، وسيجعل منتسبي الشرطة أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتغيير. ويقع عبء ذلك على الجميع أجهزة الدولة والإعلام، القوى السياسية، التنظيمات الحزبية، منظمات المجتمع المدني، الجامعات، مراكز البحوث، والمثقفين وكتاب الرأي والشخصيات العامة على السوشيال ميديا. أما بالنسبة للشرطة، وكما يقول الكاتب الفرنسي فولتير: “الطريقة الوحيدة التي تجعل بها الناس يتحدثون عنك بصورة حسنة هي أن تتصرف بطريقة طيبة”.
في كل الأحوال، ليس من المستغرب حدوث مقاومة وممانعة، وبالتالي لا بد من اتباع منهجية منظمة تدعم منسوبي الشرطة لقبول التغيير والتجاوب معه للانتقال من وضعهم الحالي إلى الوضع المستهدف. والعملية هنا تستهدف بشكل أساسي إدارة التغيير على مستوى منسوبي الشرطة وإدارة التغيير على مستوى الشرطة نفسها (الهيكلة والتنظيم). إن التغيير على مستوى المنسوبين يلزمه العمل على جعلهم شركاء ومساهمين في عملية التغيير. وقديماً قيل (أهل مكة أدرى بشِعابها)، وبالتالي يجب أن يكون لهم القدح المعلى والإمساك بزمام التغيير.
المورد البشري هو العنصر الأهم في عملية التغيير؛ لذا لا بد من وضعه في المكان اللائق من اهتمام المنادين بالتغيير. وهنا أن لا أتحدث عن قيادة الداخلية أو الشرطة، فهي قد سعت وقدمت كثيراً لمنسوبي الشرطة؛ لكني أتحدث عن الدولة بكل عناصرها السيادية والتنفيذية والسياسية، ولا بد أن تدرك أنه في ذات الوقت الذي نسعى فيه لتحديث وتطوير الشرطة وفقاً للمعايير الدولية، فإن ذات هذه المعايير الدولية تنص على “اتخاذ جميع الخطوات العملية لضمان مستوى رواتب يتيح لرجال الشرطة الحفاظ على مستوى معيشي معقول، دون الاضطرار إلى ممارسة عمل آخر، أو اللجوء إلى الفساد”؛ وبالتالي مراجعة وتعديل هيكل الأجور ونظم الحوافز، بما يحقق الكرامة والعدالة والمظهر الحضاري اللائق بهيبة الشرطة، ويكفل إزالة مسببات الفساد المالي والسياسي”. ويمثل هذا أيضاً الحل الناجع للقضاء على ظاهرتي العزوف عن الالتحاق بالشرطة والتساقط والتسرب وسط قوات الشرطة.