الخرطوم – انتقال
بينما بدا جلياً – بحسب مراقبين – أن موقف الرياض أكثر حرصاً على دعم توجهات السودانيين نحو تحقيق مطالبهم السياسية، ومناهضتهم لانقلاب 25 أكتوبر؛ بات أكثر وضوحاً لدى السودانيين أن موقف القاهرة على النقيض تماماً. بدا ذلك فيما رشح بقوة بعلمها لخلق حواضن مؤيدة للحكم العسكري. ويمكن قراءة ذلك من توجهات سفير المملكة العربية السعودية لدى الخرطوم علي بن جعفر مقارنةً بمواقف السفير المصري حسام عيسى، والقنصل العام أحمد عدلي الذي يقف بوضوح مع تحالف الكتلة الديمقراطية الداعم للسلطة الانقلابية، وترؤسه مؤخراً نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جعفر الميرغني الذي يضم تحالفه كلاً من رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول.
الموانئ.. والأمن القومي
الموقف السعودي تجاه السودان بدا أكثر تفهماً للأوضاع السياسية في السودان وأهمية تحقيق أهداف التغيير السياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر، الذي أعاد الإخوان المسلمين من جديد بتحالفهم مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. على جانب آخر فإن استمرار عدم الاستقرار السياسي في السوادن ينعش الاقتصاد المصري الذي يعاني خصوصاً في حال غياب استغلال الموارد الخام من السودان.
ويرى محللون أن الرياض تعاملت مع الملف من نواحي استراتيجية مرتبطةً بأمن البحر الأحمر، إذ تسعى كلٌّ من روسيا ومصر للحضور في موانئ السودان، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة التي تسعى للاستثمار في الموانئ السودانية على ساحل البلاد الشرقي. ويبدو الموقف السعودي مخالفاً للتوجهات المصرية في هذا الجانب، وهو ما يجعل الرياض تنظر إلى السودان كشريك سياسي واقتصادي، وشريك في حفظ الأمن بالبحر الأحمر، باعتبار أن المنطقة تهم الأمن القومي للبلدين بشكل كبير.
وقال رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي المصباح أحمد محمد لـ “انتقال”، في وقت سابق، إن قيادة الحزب قدمت النصح لممثلي البعثة الدبلوماسية المصرية في السودان، بأن تتواصل مع مكونات المجتمع السوداني بُغية ترميم العلاقة بشكل جديد يلبي تطلعات الشعب السوداني، وأضاف: “تم نصحهم بأهمية النظر بموضوعية لتطلعات السودانيين”.
القاعدة الروسية
يبدو أن توجهات سلطة انقلاب 25 أكتوبر نحو روسيا وإعادة فتح ملف القاعدة الروسية قبل صرف النظر عنه لاحقاً، قد أثارت مخاوف المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالدعم الروسي للموقف الإيراني ودعم الحوثيين في اليمن، وهي رؤية أمنية وسياسية بامتياز تدخل في صلب الأمن القومي للرياض، بينما تنظر مصر إلى أن عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي في شرق السودان وإغلاق الموانئ من قِبل مجموعات عشائرية يمثلها مجلس نظارات البجا يعود عليها بفوائد اقتصادية تنعش موانئها، خاصةً ميناء العين السخنة الذي تحولت إليه جميع الوارادت السودانية نتيجةً لإغلاق ميناء بورتسودان الذي أفضى إلى انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية وقوى الحرية والتغيير، وهو ما يجعل المملكة العربية السعودية فاعلاً أساسياً لإيجاد حل يسهم في ذهاب العسكريين وحلفائهم من الإسلاميين من المشهد لصالح مطالب السودانيين الساعيةِ للديمقراطية.
شراكة استراتجية مع السودان
نأت مصر عن إيضاح موقف واضح تجاه انقلاب 25 أكتوبر في ساعاته الأولى، بينما أبدت المملكة العربية السعودية دعمها لخيارات الشعب السوداني واستقراره. وكانت الحكومة الانتقالية المنقلب عليها قد خصصت في 14 سبتمبر 2021م، 124 مشروعاً استثمارياً في 6 قطاعات مختلفة للمستثمرين السعوديين بقيمةِ 18 مليار دولار أعلن عنها وزير الاستثمار السابق الهادي إبراهيم في ملتقى الاستثمار السوداني – السعودي. هذا الموقف تمثل في دخول الرياض كفاعلٍ أساسي ضمن “المجموعة الرباعية”، ومساندة العملية السياسيةِ التي تنهي الانقلاب وتزيح سلطته. ومن جهة أخرى فإن غياب مصر عن المجموعة الرباعية، يعكس عزلها سياسياً عن ملف السودان دولياً وإقليمياً، ورغبة الرياض في التعامل المباشر مع الخرطوم، وبالتحديد خلق علاقاتٍ استراتيجية على ضوء مصالح السودانيين الراغبين في تحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي وهي مرتبطةٌ برؤية 2030م التي وضعتها المملكة العربية السعودية لتعزيز موقفها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، إذ أعلن صندوق الاستثمارات العامة (صندوق سيادي سعودي)، عن تأسيس خمس شركات في كل من السودان والأردن والعراق وسلطنة عُمان تصل قيمته إلى 90 مليون ريال سعودي تعمل في قطاعات مختلفة. وترمي المملكة العربية السعودية من ذلك إلى تنويع مصادر استثماراتها وإيراداتها من موارد أخرى غير الاعتماد على النفط. ولدى السودان اتفاق مع المملكة العربية السعودية للاستثمار المشترك في الجرف القاري على البحر الأحمر منذ 1973م، عُرف باتفاقية “أطلس”، لاستكشاف المعادن والنفط والتعاون في مجالات مختلفة، وهو ما يجعل الاستقرار السياسي في السودان على ضوء تطلعات السودانيين خياراً أمثل للرياض، الأمر الذي جعلها تحسم ملف جزيرتي تيران وصنافير لصالحها للتعامل الاستراتيجي مع الخرطوم. وبلغت الاستثمارات السعودية خلال العشر سنوات الماضية 35.8 مليار دولار معظمها في القطاع الزراعي.
دعم إنهاء الانقلاب
خلافاً لمواقف دول في المحيط الإقليمي والدولي، لم تندد القاهرة باستيلاء الجيش على السلطة في السودان وتقديم دعم سياسي للسلطة الانقلابية، بينما وقفت دولٌ وعواصم عربية منها الرياض موقفاً داعماً لخيارات السودانيين، الأمر الذي جعل المملكة العربية السعودية تنخرط في اتصالاتٍ مكثفة لإيجاد حلول سياسية للوضع في السودان، وتحركت بشكل مشترك مع الولايات المتحدة في 9 يونيو 2022 لرعاية لقاء بين الجانب العسكري الانقلابي وقوى الحرية والتغيير، مثل الرياض فيها السفير (علي بن جعفر) ومساعدة وزير الخارجية للشؤون الافريقية (مولي في) ممثلة لواشنطن، مما شكل أرضية للمجموعة الرباعية التي تضم إلى جانبهم كلاً من المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة. ويعكس إبعاد مصر من معادلة الحل السياسي في السودان، اختلاف توجهاتها بعدم السعي إلى الوصول لحل سياسي للأزمة السودانية، إضافة إلى سعيها لخلق حواضن سياسية واجتماعية للسلطة الانقلابية.
بدوره قطع المحلل السياسي، والكاتب الصحفي، سليمان خالد لـ “انتقال” بأن الموقف المصري ظل داعماً للسلطة الانقلابية منذ فجر 25 أكتوبر 2021م، وأشار إلى أن القاهرة هي إحدى العواصم التي أوت الإسلاميين عقب سقوط نظام المؤتمر الوطني المحلول، كما أنها ظلت تؤدي دوراً سلبياً لصالح الانقلاب بمحاولات لصنع حاضنة سياسية له عندما جمعت مجموعات من أحزاب اتحادية وحزب البعث السوداني وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل وبعض الشخصياتِ المرتبطة بالنظام المخلوع، لكن مساعيها هذه فشلت تماماً، وحتى تسويقها للانقلاب في المحيط الدولي والإقليمي فشل، لأن قراءة المسؤولين المصريين المختصين بالملف السوداني كانت خاطئة تماماً وقراءتهم للواقع لم تكن صحيحة البتة.
ويبدو أن هذا الدور الذي تقوم به مصر انعكس عليها حنقاً وغضباً لدى الشارع السوداني التواق للتحول المدني الديمقراطي، وهو ما أكده سليمان بالقول: “الآن كل الثوار السودانيين يحملون مشاعر سلبية تجاه مصر، مع أن القاهرة كانت في حسابات كل السودانيين الأخت الشقيقة، لكن توجهات مصر الداعمة للانقلاب والمعادية لأهداف الثورة غيرت من تصور السودانيين لها، فأصبحوا يرونها بشكل مختلف”.
بينما الدور الذي تقوم به السعودية في تهيئة المشهد السوداني جعل من الرياض عنصراً فاعلاً في العملية السياسية، وبات السودانيون يحملون مشاعر إيجابية طيبة تجاه الرياض، لا سيما عقب دعم السفير السعودي علي بن جعفر، لجهود السودانيين في التوصل لحلول للأزمة السياسية بالبلاد. ويجدر بالذكر أن السفير بن جعفر حضر ورشة مشروع الدستور الانتقالي الذي أنتجته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، وأصبح أساساً للعملية السياسية والتصور الذي وضعته قوى الحرية والتغيير لإسقاط الانقلاب، بينما دعمت مصر عبر سفيرها حسام عيسى والقنصل العام تحركات حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الداعمة للعسكريين، وكذلك خصصت الرئاسة المصرية طائرة خاصة لعودة الميرغني إلى السودان.
وكانت “الرباعية الدولية” أبدت في 3 سبتمبر 2022 استياء من حضور ممثلين من تحالف التوافق الوطني، برفقة مناوي، لاجتماع بين الجانب العسكري وقوى الحرية والتغيير كان مقرراً له في منزل السفير السعودي باعتبارها أطرافاً غير مدعوة للجلوس على طاولة اللقاءات.