رأي

ستفشل ولو جاءت مبرأة من كل عيب

حمور زيادة

 

“سنرفضها ولو جاءت مبرأة من كل عيب”

إسماعيل الأزهري – 1947م

***
في فجر يوم 21 نوفمبر 2021 لما بدأت الأخبار تتسرّب عن اتفاق بين رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك وبين المكون العسكري، الذي استولى على كامل السلطة في انقلاب عسكري على الوثيقة الدستورية قبل شهر، كتبت أن ما يهم ليس هو من يعود إلى السلطة سواء كان د. حمدوك أو الحرية والتغيير، إنما من يخرج منها، وهو المكون العسكري.
كان تقديري وقتها أن ما يطفئ غضب الشارع هو معاقبة الانقلابيين، لا مجرد التراجع عن الانقلاب، وأن العودة إلى 24 اكتوبر ليست كافية؛ بل هي تكرار للعفو عن مغامرات المكون العسكري، مثلما حدث بعد فض الاعتصام في 2019، ثم عاد التفاوض عقب 30 يونيو ليستكمل النقطة الأخيرة التي وقفوا عندها لتشكيل مجلس السيادة. كأن فض الاعتصام لم يحدث، وكأن 30 يونيو لم تُزلزل.

وفشلت اتفاقية حمدوك – البرهان، ولم تصمد أكثر من 43 يوماً.

اليوم يبدو أن الزمان يعيد نفسه، ولم تتعلم الحرية والتغيير درس 2019م، ولا درس 2021م.
تحدث السيد محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق، في حلقة نقاش بطيبة برس في 26 نوفمبر الحالي حديثاً في مجمله طيب وعاقل؛ لكنه صرّح أن قدرة قوى الحرية والتغيير الآن، نتيجة للواقع المتشابك ولكونها لم تعد ممثل الثورة الوحيد، إنما احد مكونات الثورة، لم تنجح في جلب أكثر من 85% من مطالب الشارع، بينما فشلت في إقالة القائد العام الفريق اول عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومحاكمتهما.
ما سرده السيد محمد الفكي هو أمر واقعي، فأنت لا تستطيع أن تحصل على ما تريد لمجرد أنك تتمناه. لا بد أن تكون لك القوة والقدرة على ذلك. وهذه هي قدرة قوى الحرية والتغيير، وأقصى ما استطاعته. لكن هل سألت الحرية والتغيير نفسها عن قبول الشارع لذلك؟ ومدى الرضا الذي يمكن أن تحققه نسبة الـ 85%؟ أو للدقة العجز عن الـ 15%؟ فكما كان تقديري لاتفاق حمدوك – البرهان، أظن أن الـ 15% المفقودة هي مفتاح القبول، لا الـ 85% المحققة.
إن مجلس سيادة مدني، ورئيس وزراء مدني مستقل، تخضع له الأجهزة الأمنية، هي خطوة متقدمة مقارنة بالوثيقة الدستورية. والاتفاق القادم بحسب المنشور منه أفضل بكثير من اتفاق حمدوك – البرهان، لكن هل يرضي ذلك الشارع الثوري؟

إن اتفاق الـ 85% يواجه ابتداءً مقاومة الكتلة العسكرية؛ فقادتها يذهبون إليه مرغمين لا راغبين، ورفض التيار الإسلامي، بخطابه الشعبوي، وتغلغله داخل مفاصل الدولة وقدرته على الإيذاء، ورفض جزء من حركات اتفاق سلام جوبا، ورفض بعض القوى الإقليمية وتدخلاتها لتوجيه الأوضاع لصالحها وصالح حلفائها في الداخل. فإذا أضيف إلى ذلك رفض الشارع الثوري، وهو القوة الضاربة الرئيسية التي أعاقت انقلاب 25 أكتوبر، واتفاق حمدوك – البرهان؛ تكون الحرية والتغيير ذاهبة إلى تسوية وهي بلا أنياب، وتعادي الجميع.

وسيكون رهان نجاح التسوية هو تراجع قوة الشارع الثوري. وهو أمر لو حدث فسيجعل الحرية والتغيير في حالة أضعف مما هي عليه اليوم. فالشارع الغاضب منها، هو جندها الوحيد. ولو اختفى هذا الشارع من المعادلة، لطردت الحرية والتغيير منها فوراً، وأعيد تصميمها لتوافق رغبات الرافضين من العسكر والإسلاميين وحركات سلام جوبا والقوى الإقليمية.

الضغط الأكبر الذي تواجهه قوى الحرية والتغيير هو الضغط الدولي. هذا الضغط في تقديري يسعى لخلق واقع تصالحي حرصاً على تحقيق حالة استقرار تخدم مصالحه. فربما على الحرية والتغيير أن تكون واضحة مع المجتمع الدولي، وتخبره بذات صراحة السيد محمد الفكي عن عجزها المؤكد عن تسويق هذا الواقع التصالحي أو الحفاظ عليه، وأن هذا الواقع التصالحي المظنون لن يحقق استقراراً، ولن يخدم مصالح أي جهة؛ بل على العكس قد ينتج تبعات شديدة الضرر على الطبقة السياسية والأحزاب، مما يؤثر على أي مستقبل ديموقراطي للبلاد. إذ إن أحزابنا السياسية لم يبق لها كثير رصيد لدى الشارع. وذلك لأسباب عديدة، ما بين عقود تجريم السياسة والسياسيين من الأنظمة الدكتاتورية، وبين أداء الأحزاب نفسها في النضال وفي الحكم. هذا واقع يجب أن تعيه قوى الحرية والتغيير، وإذا خسرت ما بقي لها من قليل الرصيد، فإن ذلك يعني أن أي انتخابات قادمة ستكون سلطة مجانية لأي عسكري يتقدم إليها. فمن لا يثق بك ولا يحترمك لن ينتخبك، بل ربما لن يشارك أصلاً في عمليتك الديموقراطية، ويتركها فريسة لأي قوى أخرى تحشد أتباعها، سواء كانت العسكر أو الإسلاميين.

إن تركيز قوى الحرية والتغيير على مميزات التسوية السياسية، يتجاهل أن أي تسوية تحتاج قبول الناس لها، أكثر من احتياجها لمميزاتها الذاتية والموضوعية. وأي تسوية لا ترضي الشارع ستفشل ولو جاءت مبرأة من كل عيب.

لكن يظل السؤال: هل في إمكان أي قوى اخرى أن تحقق ما هو أكثر من هذه الـ 85%؟ لا أحد يدري.

ويمكن إضافة سؤال آخر، هل تقدر قوى الحرية والتغيير على رفض هذه التسوية الناقصة؟ أم أن ذلك يهدد وحدتها الداخلية لأن بها من سيقبلها حتى لو خرج من الحرية والتغيير، مما يهدد آخر تماسك للتحالف الثوري الذي تآكل؟

ربما لن نعرف الإجابة ابداً. أو ربما نعرفها قريباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى