تقارير

الغائب الكبير عن مراسم “الإطاري”.. لماذا تسعى مصر لإعاقة التحول بالسودان؟

دعم عربي ودولي للاتفاق.. ومساعٍ تخريبية للجارة الشمالية

الخرطوم – انتقال

غياب الجارة الشقيقة مصر عن مراسم توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، وسط حضور دولي وإقليمي كبير، أثار عديد التساؤلات حول موقف القاهرة من التحول المدني الديمقراطي، المفضي لاستقرار سياسي واقتصادي، يصب في الأساس في مصلحة الشعب السوداني، الذي يمتلك صلات وثيقة بالشعب المصري، وتؤثر أوضاعه الداخلية عليه عبر قنوات اقتصادية معلومة، سواء في الجوانب الأكاديمية أو الصحية أو غيرها من المصالح المشتركة بين الشعبين.

دعم عربي ودولي.. وتخريب مصري

حضور كبير في المشهد السوداني، ودعم منقطع النظير سجلته المملكة العربية السعودية، عبر بعثتها الدبلوماسية في الخرطوم، وكذا الحال بدرجات متفاوتة لدى واشنطن وأبوظبي ولندن، ودول شقيقة وصديقة أخرى، كانت ميسراً رئيساً لجهود السودانيين المناهضين لانقلاب 25 أكتوبر، في سبيل مسعى إنهاء الانقلاب، واستعادة الحكم المدني ومسار الانتقال والتحول الديمقراطي. وعلى عكس ذلك تماماً كانت القاهرة تمضي في طريق آخر، يعيق مسار التحول السوداني نحو الحكم المدني والتحول الديمقراطي؛ فبحسب ما يقول المحلل السياسي محمد الفاتح النور لـ”انتقال”، فإن تغيّب مصر عن مراسم التوقيع على الاتفاق الإطاري، في القصر الجمهوري “الاثنين الخامس من ديسمبر” وسط حضور عربي مميز ووجود إقليمي ودولي كبير؛ هو رسالة واضحة من السلطات المصرية لأطراف الاتفاق والشعب السوداني بأنها تقف وبشكل سافر ضد أي مسعى لإنهاء الانقلاب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، مؤكداً أن هذه الرسالة سبقتها رسائل أخرى من القاهرة، أولها تغريد مصر بعيداً عن سرب الفاعلين العرب والدوليين في دعم العملية السياسية، إضافة إلى دعمها اللامحدود لمجموعة ما يُعرف بالكتلة الديمقراطية التي يقودها في الوقت الراهن السيد جعفر الميرغني، وتضم برفقته مجموعة كبيرة ممن عملوا على التهيئة للانقلاب، وطالب العسكر بالانقضاض على السلطة المدنية، ودعموا السلطة الانقلابية إعلامياً وسياسياً، وحاولوا استمالة إدارات أهلية لإسناد الانقلاب شعبياً، كما أن هذه المجموعة تضم الرافضين للاتفاق الإطاري والحريصين على تخريب العملية سياسية بين قوى الثورة والانقلابيين، والراغبين في إبقاء السلطة الانقلابية للوضع كما هو عليه،  متجاهلين الرفض الشعبي العارم للانقلاب وتداعياته اللاحقة على المستويين الاقتصادي والأمني.

مظاهرات لسوادنيين أمام سفارة القاهرة بالخرطوم – أرشيفية

المعرقل الأول للانتقال

مواقف مصر في عدد من الملفات المتعلقة باستقرار السودان، قادت  المحلل السياسي النور، للقول في حديثه لـ”انتقال” إن مصر هي المعرقل الأول للانتقال، مشدداً على أن محاولات إشعال شرق السودان تقف خلفها القاهرة وبقوة، من أجل زعزعة الاستقرار السوداني، ومنع أي خطى نحو التوافق السياسي على إنهاء الانقلاب واستعادة الحكم المدني، وقال: “إن عودة القيادي البارز للإخوان المسلمين والنظام البائد محمد طاهر إيلا من مصر، ونشاطه المستمر في إشعال فتيل الحرائق بشرق السودان، ما يقف شاهداً على النوايا المصرية المُضِرَّة للسودان وشعبه”.

 وزاد النور قائلاً: “أعتقد أن كل المؤشرات تؤكد أن مصر أحد أكبر القوى الإقليمية التي تعمل وبوضوح على منع السودانيين من تحقيق آمالهم في التحول المدني والاستقرار السياسي والاقتصادي”.

حلفاء الريموت كنترول

في الوقت الذي أكد فيه المحلل السياسي محمد النور أن ترحيب مصر الرسمية بالاتفاق الإطاري هو محاولة لحاق، ومسعى لتبييض الوجه بعد غياب ممثليها الدبلوماسيين من الموظفين الكبار عن مراسم التوقيع، وإصرارها على دعم الكتلة الديمقراطية بقيادة جعفر الميرغني، من سماهم النور “حلفاء الريموت كنترول” الذين تديرهم القاهرة وفق خططها لإفشال وعرقلة التحول المدني الديقمراطي، يؤكد رئيس أمانة الإعلام بحزب الأمة القومي مصباح أحمد محمد، أن الموقف المصري ظل طوال الفترة السابقة ضبابياً تجاه دعم العملية السياسية، وكانت مصر وحدها بين كل الدول الشقيقة والصديقة للسودان التي لم تصدر بياناً داعماً لمسار العملية السياسية، لافتاً في حديثه لـ”انتقال” إلى أن القاهرة لديها رؤية مختلفة بشأن معالجة الأزمة السودانية الناتجة عن انقلاب 25 أكتوبر، إذ إنها الوحيدة في المنطقة العربية التي سارعت إلى دعم خط المجموعة المُناهِضة للعملية السياسية التي جرت بين الجانب العسكري وقوى الحرية والتغيير وقوى الانتقال.

عدلي ووفد من الإتحادي الأصل بقيادة جعفر الميرغني-وسائل التواصل الإجتماعي

وكان لافتاً للغاية، تغيُّبُ مصر عن مراسم التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي شهد حضوراً دولياً وإقليمياً كبيراً، بينما كانت بعثة القاهرة الدبلوماسية في الخرطوم حضوراً بمستويات عليا في مراسم التوقيع على إنشاء تحالف الكتلة الديمقراطية بقيادة جعفر الميرغني وجبريل ومني أركو مناوي ومبارك أردول، بل كان القنصل المصري العام أحمد عدلي “مهندس التخريب في الخرطوم”، ينشط “كالنحلة” وسط هذه الكتلة مباركاً لهم التوقيع، ومتجولاً بينهم لالتقاط الصور التذكارية!

الطريق الخاطئ

 الطريق الذي مضت فيه مصر، خاطئ، بحسب وصف المصباح، الذي تأسف في حديثه لـ”انتقال” على تعامل القاهرة، مع الملف السوداني، عن طريق المخابرات وليس عن طريق السياسة والدبلوماسية، وقال: “نعلم أن القاهرة تتحفظ على تدخل الرباعية الدولية وعلى أداء الآلية الثلاثية، لكنهم اختاروا الطريق الخطأ في التعامل مع القضية السودانية، هم يديرون ملف السودان استخباريّاً وليس دبلوماسيّاً، وهذا خطأ جوهري، وغير مُجْدٍ، وعليهم الابتعاد عن إعاقة الانتقال، فهو أمر مُضِرٌّ بمصالح الشعب السوداني الذي يمضي متوافقاً نحو التحول المدني الديمقراطي برغبة واسعة قدَّمَ في سبيلها الشهداء ببسالة وتضحية كبيرة، ولن تقف أمام هذه الخطى أي تحركات معيقة من أي دولة من الدول”.

وشدَّدَ القيادي في حزب الأمة على أن مصر يجب أن تراعي مصالح الشعب السوداني، فمصالح الشعبين السوداني والمصري تتمحور في الاستقرار، في جميع الجوانب، مما سيعود بالنفع على الشعبين الشقيقين، وعلى البلدين اللذين تجمعهما علاقات أزلية ضاربة في عمق التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى