رأي

الجيش الوطني السريع

حمّور زيادة

 

في مطار أوروبي تقاطعنا. قيادي معروف بحزب جذري وأنا. كانت أمامنا ساعات من السفر والترانزيت حتى الخرطوم. فتحادثنا بقدر ما سمح لنا الوقت.

كان من ضمن حديثنا أزمة “قوات الدعم السريع”، الجنجويد. تنهدت وقلت للقيادي بإحباط: “خذ عندك مثلاً قوات الجنجويد، كلنا يريد حلها، لكن هذا أمر لا يمكن أن يحدث بجرة قلم، إنه خازوق تركه لنا البشير”. لكن القيادي الحزبي كان متمالكاً لنفسه وهو يجيبني: “يمكن حل الجنجويد بجرة قلم”. لما رأى استغرابي قال لي: “الشارع كله ضده، لا يستطيع أن يفعل شيئاً”.

بعد مرور وقت على هذه المحادثة مازلت أفكر. كيف يمكن حل الجنجويد؟

بلا شك أن وجود جيش مهني واحد هو أمر لا تفاوض فيه، ولا يمكن تأجيله. كل المليشيات سواء كانت التابعة للحركات المعارضة أو للقبائل أو للأحزاب أو ما سواها يجب أن تحل فوراً، ويدمج ما يحتاجه الجيش به.

لكن ماذا عن قوات الدعم السريع؟ هذه قوات كادت تبلغ في عددها وعتادها قوة الجيش النظامي. فهل يمكن حلها بجرة قلم كما يرى القائد الجذري؟

في تخوفي، وأنا لست سياسياً، أن قرار جرة القلم هذا لا تحميه الجماهير وحدها، بل يحتاج لأن يكون الجيش والشرطة والأمن تحت سلطة من يجر القلم، لأن الدعم السريع قد بلغ مبلغاً ربما ما عاد حتى محمد حمدان دقلو (حميدتي) وشقيقه عبد الرحيم قادرين على حله.

عشرات الآلاف من المسلحين، وآليات حربية، لا يتوقع أحد أن يخضع قائدها لقرار الحل بحجة أن الشارع ضدك! ولو خضع القائد فلن تخضع القوات. سيتحول كل 10 أفراد من هذه القوات إلى كارثة أمنية في الشوارع.

فالحل الوحيد لتصفية هذه القوات بالإدماج والتسريح هو الخطوات التدريجية، مع وجود زخم شعبي داعم لذلك، وقوات عسكرية تحمي هذه الخطوات. إن الظن أن هذا أمر ممكن بمجرد الرغبة الشعبية يبدو تفكيراً رغائبياً عجيباً، لأن الرشاش الآلي يستطيع قتل الرغبة الشعبية ما لم تحمها القوة العسكرية.

وهذه القوة العسكرية إذا حمت الرغبة الشعبية دون أن تكون تحت سلطة مدنية، فإنها ستستغل ذلك لمصلحتها السياسية ولتعزيز حكمها.

فبشكل ما تبدو هذه المعادلة المعقدة محتاجة لحكم مدني يضع يده على القوى العسكرية، ليستطيع إجبار قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة على إدماج جنودها في الجيش وتسريح البقية. المشكلة أن الدعم السريع، أو قائده بحسب خطاب يوم 5 ديسمبر يبدو أكثر حماساً للإدماج من قائد الجيش.

فنحن هنا أمام وضع شديد الكوميدية. إذن، يرحب قائد الدعم السريع باتفاق يدمج قواته في الجيش، وهو إدماج يحتاج لفرضه لقوة الجيش الذي لا يبدو موافقاً على الخضوع للسلطة المدنية لتنفيذ الدمج!

وعلى هامش ذلك تقف قوات حركات سلام جوبا تنتظر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، دون أن تتخلى عن قواتها المسلحة، لكنها في ذات الوقت تتحدث عن الديموقراطيةـ وتهدد بالانتخابات. وهي عجيبة سودانية أخرى، أن حركة مسلحة لم تضع سلاحها ولا تحولت لحزب سياسي تتحدى خصومها بالذهاب للانتخابات!

لكنها بلادنا وعجائبها.

بالنسبة لي أعلم أن أمر قوات الدعم السريع أعقد مما قال لي القائد الجذري.

وأعلم أن حركات سلام جوبا لن تكون سعيدة بتسليم جيوشها قلت أو كثرت إلى الجيش الموحد. وأعلم أن قيادة الجيش السوداني لن تقبل بسهولة أن تستسلم للحكم المدني.

لكني أعلم في ذات الوقت أنه لا بداية لمخرج مما نحن فيه إلا هذا. جيش قومي واحد، تحت قيادة السلطة السياسية المدنية، بلا أي مليشيات تابعة لأي جهة أو فرد. جيش لا يتدخل في السياسة، ولا يسيطر على الاقتصاد، ولا يدير الأسواق التعاونية للجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى