تقارير

الشارع ما بين العملية السياسية والتغيير الجذري

عن ماذا تعبر المواكب التي تشهدها العاصمة الخرطوم بصورة يومية؟

انتقال – أحمد ود اشتياق

خرجت جموع الشعب السوداني للشارع رفضاً لنظام المخلوع عمر حسن البشير في ثورة ديسمبر 2019م، شهد العالم أجمع بعظمتها وسلميتها وسمو مطالبها، حتى توجت بقيادتها الموحدة “تجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير” باعتصام القيادة العامة الذي أعلن نهاية عهد الإسلامويين في السودان.

وخاضت البلاد فترة انتقالية مدنية قادتها قوى إعلان الحرية والتغيير بشراكة مع المؤسسة العسكرية، شهدت  كثيراً من المتغيرات والشد والجذب وتفكك القوى المدنية؛ فانسحبت بعض التنظيمات السياسية ونادت بإسقاط حكومة الثورة تحت شعار “تسقط ثالث”، وكان السقوط لاحقاً، ولكن عبر انقلاب عسكري قادته المؤسسة العسكرية.. فهل الشارع اليوم متوحد تحت شعار واحد ورؤية واحدة لعودة الحكم المدني؟ وعن ماذا تعبر المواكب التي تشهدها العاصمة الخرطوم بصورة مستمرة؟ وهل الثوار والشباب الموجودون يومياً في الطرقات ويواجهون بطش السلطة وقمعها متفقون تجاه رؤية واحدة؟ أم أن الثوار في الشارع يعملون بكل تلك الاختلافات لكنهم يتفقون على ضرورة العمل في الميدان ومواصلة العمل الجماهيري؟

انقلاب 25 أكتوبر

عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر خرجت جماهير الشعب السوداني مرة أخرى للشوارع تهتف بمدنية الدولة واستعادة المسار الديمقراطي ومحاسبة مرتكبي جريمة الانقلاب.

وبعد الانقلاب كانت القوى المدنية والسياسية منقسمة لفريقين: قوى سياسية منقلب عليها وتدعم التحول المدني الديمقراطي، وكان معظم قادتها في السجون عقب الانقلاب؛ وقوى مدنية أخرى أقامت اعتصاماً – قبيل 25 أكتوبر 2022م – أمام القصر تناشد العسكريين الانقلاب وتمهد لاستلام السلطة وقطع الطريق أمام التحول المدني.

قيادة جديدة

صعدت لجان المقاومة لتصبح رأس الرمح في عملية مقاومة الانقلاب منذ فجر الـ25 من أكتوبر 2021م، وقبل أن تقدم القيادة العسكرية بيان انقلابها، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو إقفال الطرق وخروج السودانيين للشوارع رفضاً للاعتقالات التي طالت القيادات السياسية والتنفيذية في السلطة المدنية المنقلب عليها.

منذ تلك اللحظة أصبحت لجان المقاومة هي خط الدفاع الأول والقيادة الميدانية التي ترسم المسارات وتحدد أيام للتظاهر وتقوم بكل المهام الثورية التي تمكن من إسقاط الانقلاب العسكري.

مواثيق الإسقاط وآلياته

اختلفت أداوت وآليات إسقاط الانقلاب لكل تيار أو قوى مدنية، وأنتج هذا التباين مجموعة من الرؤى والتصورات التي قادت القوى المدنية للانقسام مرة أخرى فيما بينها، فأنتجت لجان المقاومة مواثيق ثورية وسياسية، لكنها لم تستطع توحيد اللجان، فكانت هنالك مجموع مواثيق صادرة من مايرنو ومن مدني ومدينة الدويم، ومن ثم ميثاق تأسيس سلطة الشعب من ولاية الخرطوم، وأخيراً ظهر الميثاق الثوري لسلطة الشعب والذي فشل أيضاً في توحيد جميع هذه اللجان على موقف واحد.

أيضاً انقسمت الأحزاب والقوى السياسية لفصيلين متفقين على إسقاط الانقلاب واستعادة التحول المدني، ولكنهما مختلفان في الآلية وكيفية الوصول لإسقاط الانقلاب.

طرحت الحرية والتغيير رؤيتها لإنهاء الانقلاب، والتي أكدت فيها ثلاث آليات يمكن عبرها صناعة التغيير وهي: (العمل الجماهيري، الضغط الإقليمي والدولي، الحل السياسي).

هذه الرؤية كانت سبباً مباشراً  لظهور تحالف التغيير الجذري الذي يقوده الحزب الشيوعي السوداني، مع كيانات المهنية ترفض الحل السياسي وتدعو لتصفية الانقلاب واجتثاثه من جذوره.

الثوار في الشوارع

“اختلفت الحلول السياسية ولكن ظل الشارع هو الشارع”،  يقول الثائر الحسين جعفر في حديثه لـ”انتقال”، ثم يؤكد أنه موجود بالشارع بشكل يومي وحسب جدول لجان المقاومة السودانية.

ويضيف: “هناك متغيرات كثيرة في الساحة السياسية، منها موقف الأحزاب الداعمة للحل السياسي والأحزاب التي تتبنى التغيير الجذري، ولكن جميع تلك الرؤى غير واضحة في الشارع المتحرك نحو القصر بشكل يومي من أجل إسقاط الانقلاب، فالواقع غير متأثر بالاتفاق الإطاري مثلاً، والمضحك أن الجهات الأمنية الموقعة على الاتفاق لم ينعكس هذا الاتفاق على درجة قمعها للشارع”.

تكامل الأدوار

يقول الثائر عبد المتعال آدم صابون، لـ”انتقال”، إن المواكب تتعرض للقمع بشكل دائم واعتبر ذلك وضعاً طبيعياً يدركونه نحن كثوار في الشارع، ويدركون أن الضامن الوحيد لجميع الحلول المطروحة من القوى السياسية هو الشارع، لكنه يضيف: “نحن نؤمن أيضاً بأن العمل في الشارع هو مكمل للفعل السياسي”.

ويقول صابون: “هناك أمل كبير في التغيير وتقدم جيد في اتجاه تحقيق مطالب الثورة، فقط تنقصه الرؤية السياسية المتفق عليها، والذين يقودون المواكب والشعارات الجذرية شبه مستحيل تحقيقها في ظل هذا الواقع المعقد”.

دعم الحل السياسي بالمواكب

يرى الثائر محمد البدري أن هناك مشروعين، والاثنان يخدمان الثورة، وهما: التغيير الجذري الذي تتبناه بعض القوى السياسية، ومشروع الحل السياسي الذي يعرف بالتسوية، ويضيف في حديثه لـ”انتقال:  “المطلوب حالياً هو خط قصير وواضح بالنسبة لي وهو العملية السياسية، والتي يمكن أن تحقق مطالب الشعب في محورين أساسيين هما: المعالجة الفورية للوضع الاقتصادي والوضع المعيشي الذي يهدد الشعب، ومعالجة الانفلات الأمني والسلم الأمني والاجتماعي المتأثر بالانقلاب”.

ويضيف البدري: “أعتقد أن العملية السياسية تستطيع تحقيق هذه المطالب، جميعها باعتبار أن السلطة المدنية القادمة  بحسب الاتفاق تمتلك القرار على الأجهزة الأمنية والشرطية بحيث تستطيع خدمة المواطن”.

ويشير البدري إلى أن قضية العدالة والعدالة الاجتماعية هي من أهم القضايا التي تشغل بال المواطن، فكثير من السودانيين يعانون من المظالم التاريخية والتهميش والتفاوت الكبير والظلم على قطاعات كبيرة، ويضيف: “أعتقد أن مبدأ العدالة حاضر أيضاً في التسوية”.

“النقطة الأهم أيضاً هي المؤسسية والحكم الرشيد، والتي تعني أننا كسوادنيين يفترض بنا أن نلتزم بحكم القانون والمؤسسية التي لا تظلم ولا تُحابي”، يقول البدري ثم يضيف: “هذا الأمر نعتقد أن العملية السياسية تحققه وجميع كما أن تحقيق كل المطالب مرتبط بوجودنا في الشارع للضغط والعمل الثوري”.

الإطاري يهدم خط الثورة

“نحن في الشارع منذ ديسمبر لأجل تحقيق عملية تغيير شامل من الجذور”، تقول الثائرة هديل حسن في حديثها لـ “انتقال” وتضيف: “نعمل بشكل مستمر وجهد كبير من أجل بناء السودان الجديد، نحن وجميع الثوار بمختلف تصوراتهم وانتماءاتهم السياسية، إلا أن هذا الأمر لا يعني أن تقديرات من يؤيدون العملية السياسية التي تدعم الاتفاق الإطاري صحيحة”.

وترى هديل أن “خط الاتفاق الإطاري يهدم مطالب ثورة ديسمبر، وهو خطر حقيقي،
وسيكتشف الرفاق هذا الأمر، ولكن نخاف اكتشافه بعد فوات الأوان”، وتضيف: “الشارع الآن ليس منقسماً، فالجميع يتحرك في مسار الموكب الذي تدعو له اللجان، ولكن صحيح هنالك تباينات في الموقف حيث يعتقد بعض أن الاتفاق السياسي يمكن أن يحقق تحولاً مدنياً ديمقراطياً ونحن بدورنا نقول: من جرب المجرب حاقت به الندامة، وهذه اللجنة الأمنية للبشير جربناها بعد فض الاعتصام وانقلبت علينا في الخامس والعشرين من أكتوبر، لذا نحن مؤمنون بأن هذا الاتفاق لن يكتمل وإن اكتمل فلن يحقق تحولاً مدنياً ديمقراطياً”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى