تقارير

إصلاح الشرطة بين يدي ثورة ديسمبر

خبير شرطي: لا يحدث إصلاح الشرطة بين يوم وليلة ولكنه عملية طويلة

انتقال – أحمد ود اشتياق

ارتقت روحت الشهيد الثائر إبراهيم مجذوب، أمس الأول، في مواكب الثامن والعشرين من فبراير، في مشهد مروع نقلته وسائط التواصل الاجتماعي، بمقطع فيديو تصدر الترند السوداني.

ويصور المشهد أحد منسوبي الشرطة وهو يصوب رصاصة مباشرة من مسافة أقل من ٣٠ متراً، تجاه الثائر إبراهيم مجذوب المستلقي أمامه ببسالة طالما وُصف بها ثوار ديسمبر، مما أدى إلى استشهاده على الفور. ومطلق الرصاصات التي اخترقت جسد إبراهيم مجذوب هو ضابط شرطة برتبة ملازم أول – كما وضح في مقطع الفيديو المنتشر.

وأعلنت الشرطة، أنها اتخذت الإجراءات القانونية حيال أحد منسوبيها الذي ظهر في مقطع الفيديو المتداول، وهو يطلق الرصاص باتجاه المتظاهرين، بمواكب منطقة شرق النيل.

هذه الحادثة تتزامن مع التطورات السياسية واقتراب التوقيع على الاتفاق النهائي للعملية السياسية، التي من ضمن قضاياها التي تناقشها هذه الأيام قضية الإصلاح الأمني والعسكري، ضمن القضايا الخمس محل النقاش.

وأثارت الحادثة ردود فعل كثيرة وفتحت الباب مرة أخرى أمام التحدي الذي يواجه عملية التغيير وكيفية تنفيذ عملية إصلاح أمني وعسكري حقيقي تسهم في إيقاف عمليات القتل والسحل والتنكيل التي تستهدف الإنسان السوداني .

من يقوم بالإصلاح؟

يقول عمر عثمان – وهو ضابط شرطة معاش ومهتم بعملية إصلاح الشرطة بالأخص – إن موضوع الإصلاح الأمني أو الشرطي أو إعادة هيكلة الشرطة طُرح بشكل مكثف منذ بداية الثورة، ووردت في الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ إشارات للإصلاح وكانت مبهمة وغامضة، وكان هناك حول جدل في من الذي يقوم بالإصلاح،  هل المؤسسة العسكرية وحدها أم الحكومة المدنية، وظلت حالة الشد والجذب مستمرة حتى وقع الانقلاب .

لكن عمر يقول أيضاً – في حديثه لـ”انتقال” – إن وضع الشرطة في الوثيقة الدستورية كان مربكاً جداً، ويضيف: “النص مبهم، فهو ينص على أن الشرطة جهاز مدني يتبع للسلطة التنفيذية، ويحدد القانون تبعيته للسلطة السيادية، ولم يحدد أي قانون أو المقصود، وظلت حالة الشد والجذب حول من يعين مدير شرطة، وفي النهاية صدرت قرارات الإعفاء والتعيين من الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق” .

“لم تكن هنالك محددات واضحة كيف يتم الإصلاح”، يقول عمر عثمان ثم يضيف: “جاءت الإجراءات العاجلة ومن ضمنها إصلاح وهيكلة الشرطة، وخرجت بمنتج جيد جداً لكن في النهاية لم ينفذ على أرض الواقع، ولم يناقش في لقاء المجلسين حتى أتى الانقلاب وتزايدات الانتهاكات” .

الشرطة في الاتفاق الإطاري

ويؤكد عمر عثمان لـ”انتقال”، أن الاتفاق الإطاري كرر الحديث عن هيكلة الشرطة وإصلاحها، ولكنه أغفل أهم مسألة – في نظره – وهي آلية الإصلاح، ومن هو المنوط به القيام به، لأنه لا يوجد أي نص عن الآلية هل هي لجنة أم هيئة أم جهاز الشرطة لوحده من يقوم بالإصلاح.

ويشير عمر عثمان إلى ضرورة امتلاك استراتيجية للإصلاح لأنها – بحسبه – عملية طويلة يجب أن تستند على رؤية مبنية على ثلاثة مستويات: أولها الفكري وهو موضوع العقيدة وأساليب العمل، والمستوى الثاني المستوى الهيكلي ويتمثل في كيفية خلق هيكل للشرطة يسمح لها بالعمل بمرونة وشكل يلائم الظروف الأمنية للسودان، والمستوى الثالث هو الفني مسألة الدعم وتزويد الشرطة بالمعينات للقيام بعملها. ويضيف عمر: “لا يحدث الإصلاح باختيار ضبط المصنع كما يحدث في الهواتف الجوالة، هذه نظرة غير سليمة وتجعلنا ننتظر عملية إصلاح سريعة، وهذا أمر غير طبيعي، فعملية الإصلاح تأخذ وقتاً”.

بناء الثقة

“أعتقد لحد كبير جداً أيضاً أننا نحتاج لعمل على إعادة بناء الثقة خصوصاً بعد أحداث الجريمة التي تمت في وضح النهار، ورغم بيان الشرطة ظل الناس في حالة شك وعدم ثقة حتى بعد بيان النيابة وبدء الإجراءات، إلا أن الناس حتى الآن غير مصدقين وسبب هذا الأمر هو فقدان الثقة”، يقول عمر عثمان، ثم يضيف: “في الكلية هناك فصول يدرها الطالب الشرطي حول سايكولوجية العلاقة بين الشرطة والجمهور، فالعلاقة في أحسن حالاتها لا يكون فيها محبة شديدة، باعتبار أن الشرطة هي التي تحد من حريته حسب اعتقاد المواطن” .

ويواصل: “هناك حد أدنى من الثقة والتعامل بين الطرفين يتيح العمل، وهذه الثقة فقدت تماماً، ونحن الآن نتحدث عن مؤسسات دولة وليس الأشخاص، فالأشخاص ذاهبون، إذا كان ذلك عن طريق التغيير أو الثورة أو العمر”.

ويرى عمر عثمان أن مطالب حل جهاز الشرطة غير موضوعية وربما تؤدي لخسارة هذه المؤسسات، فجهاز الشرطة عمره ١١٥ سنة وهنالك كثير من الشواهد لدول فقدت أجهزتها الأمنية .

ضبط الخطاب الشعبي

وأشار عمر إلى أن المطلب الذي ينادي بإصلاح أجهزة الشرطة مطلب حقيقي وحيوي وموضوعي، ولكن يجب التعامل مع هذا الملف بعيداً عن التشدد والغلو والتنطع، ولا بد أن تكون هنالك خطة وأهداف، لذا يعتقد عثمان أنه من المهم جداً ضبط الخطاب الشعبي حتى لا تكون المؤسسات الشرطية عدوة للتغيير، ويضيف: “أي شخص في الشرطة الآن لديه فهم قاصر لموضوع الإصلاح، فالاعتقاد العام أن الإصلاح هو أن يتم فصله واستبداله بآخر، ونحن لا نتحدث عن إصلاح بهذا الشكل، فلا بد من طمأنة منسوبي هذه الأجهزة بأن الإصلاح هو في نهاية المطاف مفيد له بحيث يحسن بيئة العمل والرواتب ويؤمن مستقبله ويجني ثمار هذا الإصلاح”.

الشعب المستفيد الأول

يقول د. علاء نقد الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين لـ”انتقال” إنه من المهم جداً معرفة معنى الإصلاح الأمني والعسكري، وليس فقط مجرد إصلاح قوات نظامية وإنما هو إصلاح القوات والقضاء ونظرة المجتمع للقوات النظامية. فمن المهم بالنسبة لنقد، إعادة تشكيل العقيدة العسكرية، وليس إعادة الدمج والتسريح فقط فهذا الأمر جزء من عملية طويلة للإصلاح والهيكلة ولها معطيات كثيرة من التدريب والتأهيل.

ويقول د .علاء نقد:  “فيما يخص الإصلاح هنالك مساهمون كثر، مثلاً الإعلام وحتى السلطة التنفيذية والتعليم العسكري، ومقررات الكلية الحربية وكلية الشرطة”.

ويشير نقد إلى أن أهم عامل هو شعور الشعب بأنه المالك لمشروع الإصلاح، وهذا أحد الأسباب التي أدت لفشل الإصلاح الأمني والعسكري في دول أخرى، ويضيف: “نتمنى من جميع فئات الشعب السوداني أن يطلع على عمليات الإصلاح الأمني والعسكري والتجارب في دول العالم مثل زيمبابوي وسيراليون وليبيريا، وينظرون لاسباب الفشل وأسباب النجاح والمعوقات”.

ويضيف: “أيضاً يجب أن يشعر الشعب بأنه يملك المشروع وهو صاحب الفائدة المباشرة في أن تعود هذه القوات لشكلها المهني وأعمالها، وأن هذه القوات تخدم المواطن وهو يخدمها أيضاً لأنها تأخذ مستحقاتها من دافع الضرائب السوداني، لذلك لا بد أن تعمل لمصلحة المواطن حسب ما يراه الدستور، فهي حامية الدستور وليس مقوضة له”.

قنص الثوار

ويذكر علاء نقد “أن ما يحدث الآن في التظاهرات للثوار وقتلهم برصاص القوات النظامية، يبين اختلال المعادلة لكون المؤسسة النظامية تقتل فرداً من أفراد الشعب برصاص يدفع ثمنه المواطن”.

“ينبغي نقل هذه المؤسسات للطرف الآخر من المعادلة، والمتمثل في كيفية احترامها لأفراد الشعب وحقهم في التعبير المنصوص عليه في الدستور ليحمي هؤلاء الثوار ويحافظ على حقهم في التعبير السلمي وليس العكس بأن يقمعهم ويقتلهم وهذا أساس عملية الإصلاح”، يقول نقد ثم يضيف: “جميع السودانيين شهدوا على قتل المتظاهر في موكب ٢٨ فبراير وكثير من الأحداث المماثلة، ورأوا كيف يُقتل السودانيون برصاص القوات النظامية منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر بجميع أنواع السلاح، وهذا أمر خطير لذا يجب إعادة تعريف المؤسسة العسكرية كلها على المستوى الدراسي في الكلية الحربية وكلية الشرطة، والتعريف بحقوق الإنسان وأن أي عملية تعطيل للدستور يجب أن تقف ضدها المؤسسات العسكرية لضمان قيام استمرارية التحول المدني الديمقراطي في السودان الذي ننشده”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى