انتقال – وكالات
في الخامس عشر من أبريل، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وكان كلّ من الطرفين يعتقد أنه سيفوز بها سريعا، ولكن بعد 7 أشهر، فقد الجيش السيطرة الكاملة على الخرطوم ودارفور، وخسر السودان كل شيء ولم يبقى له الا الألم والمعاناة، فقدت أدت الحرب الى انهيار نظام التعليم المتعثر في السودان مع إغلاق العديد من المدارس أو تحويلها لملاجئ للنازحين وإلغاء معظم امتحانات نهاية العام.
ويعاني أكثر من 20,3 مليون شخص، يمثلون أكثر من 42% من سكان البلاد، من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأصبح العنف الجنسي يمارس في السودان على نطاق مقزز.
وقالت الأمم المتحدة إن ما يربو على المليون شخص فروا من السودان إلى الدول المجاورة فيما يعاني السكان في الداخل من نفاد الغذاء ويموت بعضهم بسبب غياب الرعاية الصحية بعد أربعة أشهر من اندلاع الصراع.
وألحق القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الدمار بالعاصمة الخرطوم و دارفور، وهو ما يهدد بإدخال السودان في حرب أهلية طويلة الأمد وزعزعة استقرار المنطقة.
وقالت وكالات الأمم المتحدة في بيان مشترك “الوقت ينفد أمام المزارعين لزراعة المحاصيل التي ستطعمهم هم وجيرانهم. الإمدادات الطبية شحيحة. الوضع يخرج عن السيطرة”.
وقال مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني في خطاب إن الحرب ستنتهي على طاولة المفاوضات، وأشار إلى المصاعب التي يتحملها المواطنون.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن الحرب تسببت في فرار مليون و17 ألفا و449 شخصا من السودان إلى الدول المجاورة التي يعاني الكثير منها بالفعل من تأثير الصراعات أو الأزمات الاقتصادية، في حين يُقدر عدد النازحين داخل السودان بثلاثة ملايين و433 ألفا و25 شخصا.
وبدأ الصراع في 15 أبريل بسبب التوتر المرتبط بالتحول المزمع للحكم المدني، وهو ما عرض المدنيين داخل العاصمة وخارجها إلى معارك وهجمات بشكل يومي.
ويواجه الملايين الذين بقوا في الخرطوم ومدن بمنطقتي دارفور وكردفان عمليات نهب على نطاق واسع وانقطاعات طويلة الأمد للكهرباء والاتصالات والمياه.
وقالت إليزابيث ثروسل المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في إفادة في جنيف “كثير من القتلى لم يتم جمع رفاتهم أو التعرف عليهم أو دفنهم”. وأضافت أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى مقتل ما يزيد على أربعة آلاف شخص.
وقالت ليلى بكر المسؤولة في صندوق الأمم المتحدة للسكان إن التقارير حول الانتهاكات الجنسية زادت بمعدل 50 بالمئة.
و قالت الهيئة القومية للكهرباء في بيان إن مساحات شاسعة في البلاد تعاني من انقطاع التيار، ترافق معه أيضا توقف جزئي لشبكات الهاتف المحمول عن العمل.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الأمطار الموسمية، التي تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه، دمرت منازل ما يصل إلى 13500 شخص أو ألحقت أضرارا بها.
واتهم قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في كلمة ألقاها قوات الدعم السريع بالسعي إلى إعادة البلاد لعصر ما قبل الدولة الحديثة وارتكاب كل جريمة يمكن تخيلها.
واتهمت قوات الدعم السريع الجيش بمحاولة الاستيلاء على السلطة بالكامل بتوجيه من الاسلاميين الموالين للرئيس المخلوع عمر البشير الذي أطاحت به ثورة ديسمبر 2019.
و تظل بارقة الامل الوحيدة في تواصل جهود تقودها السعودية والولايات المتحدة للتفاوض على وقف لإطلاق النار في الصراع الحالي، فيما تجد الوكالات الإنسانية صعوبات في تقديم الإغاثة بسبب انعدام الأمن والنهب والعقبات البيروقراطية.
ويقول الخبير العسكري محمد عبد الكريم “الحرب في السودان امتدت لزمن أطول مما كان متوقعا لها بل أكثر من الزمن الذي قدّره من خطّطوا لها. لم يكن أحد يتوقّع أن تستمرّ لأكثر من أسبوعين في أسوأ أحوالها”.
ويضيف أن الجيش كان يظنّ أن “الحسم سيتمّ في وقت وجيز على اعتبار أنه يعرف تفاصيل تسليح قوات الدعم السريع وأن لديه ضباطا منتدبين للعمل في الدعم السريع”.
حرب المشاة يكسبها الدعم السريع
ويقول ضابط سابق في الجيش السوداني طلب عدم الكشف عن هويته إن قيادة الدعم السريع “أعدّت خطوط إمدادها ولذلك كانت أولوياتها السيطرة على مداخل العاصمة”.
وتسيطر قوات الدعم على المدخل الغربي للخرطوم الرابط بين العاصمة وولايتي دارفور وكردفان عند الحدود الغربية لأم درمان كما تسيطر علي الطريق الذي يربط العاصمة بولايات الوسط وشرق السودان، وسيطرت كذلك على معظم ولايات دارفور الخمس وسط هرب و أسر لعديد القوات من الجيش.
ويضيف الضابط السابق أن الجيش اختار حماية قواعده الأساسية، غير أن قوات الدعم السريع كسبت أرضا في الأحياء السكنية التي كانت أقامت مقارا فيها وباتت منذ بداية الحرب تسيطر على العديد من المنازل والمستشفيات ومؤسسات بنى تحتية أخرى.
ويشير عبد الكريم الى أن “هذه حرب بطبيعتها تفترض الاعتماد بشكل أساسي على قوات المشاة بما أنها حرب داخل مدينة”.
غير أن الجيش “منذ سنوات طويلة لم يعد مهتما بسلاح المشاة الحاسم في مثل هذه المواجهات، إذ اعتمد خلال الحرب في جنوب السودان (الذي أصبح دولة مستقلة في العام 2011) على متطوعي الدفاع الشعبي. وبعد انتهاء حرب الجنوب وبداية القتال في إقليم دارفور، استعان الجيش بحرس الحدود، وهي قوات من القبائل العربية لا من الجيش النظامي، وبعد ذلك بالدعم السريع”.
في الإطار ذاته، كتب الباحث أليكس دو وال أن قوات الدعم السريع “أثارت شكوكا في الطريقة التي يقدّم بها الجيش نفسه باعتباره ممسكا بالسلطة” عندما فاجأته بانتشارها في الخرطوم. وبدا البرهان مسيطرا على الوضع بعد الانقلاب الذي نفّذه في العام 2021 بمساندة نائبه آنذاك محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.
غير أن “ما كسبه الدعم السريع عسكريا، خسر مقابله سياسيا”، إذ إن قواته “فقدت تعاطف الشارع بسبب الفظاعات التي ارتكبتها من إعدامات بدون محاكمة واغتصاب ونهب”، وفق دو وال.
ويؤكد الباحث أن الفريق أول “كسب سياسيا”، ولكن فقط بسبب الرفض الشعبي لخصومه.
عودة الإسلاميين
وإذا كانت الحرب بدت في أيامها الأولى وكأنها صراع على السلطة بين جنرالين، فقد باتت اليوم أطراف أخرى متداخلة فيها بعد أن دعا الطرفان الى التعبئة العامة.
من ناحية الجيش، “فتحت هذه الدعوة الباب أمام الإسلاميين وهم الأكثر استعدادا”، غير أن مشاركتهم وغيرهم في القتال “سيؤدي الى إطالة أمد الحرب وتعقيد العلاقات الدبلوماسية للسودان”، وفق الضابط السابق.
أما قوات الدعم السريع فتعتمد على “تعبئة القبائل العربية في دارفور” للحصول على دعم، بحسب مصدر في هذه القوات.
وتشير بعض التقديرات الى أن تعداد قوات الدعم السريع يبلغ الآن 120 ألفا، في حين كان في بداية الحرب 60 ألفا.
ويشرح المصدر نفسه أن “البعض يقاتلون لدعم إخوتهم”، بينما “يقاتل آخرون من أجل المال”، وهو مورد متاح بين أيدي الفريق دقلو بفضل سيطرته على مناجم الذهب.
في هذا الوقت، تتوسّع الحرب يوميا الى مدن جديدة في ظل انسداد أفق الحل السياسي.
ويرى دبلوماسي غربي أن “الحرب قد تدوم سنوات”.
هل بقي شيء للفوز به؟
فر أكبر عدد من اللاجئين، أكثر من 377 ألفا، إلى تشاد قادمين من منطقة دارفور بغرب السودان حيث اتهم شهود الميليشيات العربية المتحالفة مع قوات الدعم السريع بشن سلسلة هجمات عرقية ضد الجماعات غير العربية.
ويصل النازحون من مورني في غرب دارفور إلى تشاد سيرا على الأقدام، ومتعلقاتهم إما مكدسة على عربات تجرها الخيول أو يحملونها فوق رؤوسهم. وقال نازحون إنهم تعرضوا للاغتصاب والسرقة والاعتداءات الليلية والاعتقالات.
وقال لاجئ ذكر أن اسمه هارون “من يجد مخرجا يخرج ومن لا يجد يبقى في المعاناة”.
وتزداد رقعة الجوع وتتزايد حصيلة الضحايا بين المدنيين نتيجة الصراع. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها سجلت أكثر من 300 وفاة بين 15 مايو و17 يوليو بسبب مرض الحصبة وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة، نظرا لمحدودية التمويل الإنساني وصعوبة الوصول.
وقال المتحدث باسم المفوضية وليام سبيندلر في إفادة صحفية في جنيف “في ظل عدم استقرار المقام بعائلات كثيرة منذ أسابيع ومع القليل جدا من الغذاء أو العقاقير، ما زال هناك ارتفاع في معدلات سوء التغذية وتفشي أمراض ووفيات ذات صلة”.
وتسبب سقوط الأمطار الموسمية في نزوح في بعض أجزاء السودان ومخاوف من انتشار الأمراض التي تنقلها المياه.
ومع القتال، يُضطر السكان في العاصمة إلى التعايش مع انقطاع الكهرباء والمياه وتفشي النهب من قبل قوات الدعم السريع وانهيار الخدمات الصحية ونقص الغذاء.
وقال محمد عشر (37 عاما) الذي يعيش في جنوب الخرطوم “لا ديل لا ديل (لا هؤلاء ولا هؤلاء) قادرين على موضوع الحسم واللي بيقولوه في الميديا (في وسائل الإعلام) مختلف على أرض الواقع”.
وأضاف “هي الخرطوم فضل ليهم فيها شنو عشان (ماذا بقي فيها) يحسموه أصلا؟ (ليفوزوا به؟) المؤسسات اتدمرت، الجامعات والأسواق كلها اتدمرت”.