انتقال
الأستاذ المتخصص في فض النزاعات، بابكر فيصل، يملك تأريخاً سياسياً بارزاً في مقاومةِ ومناهضة نظام الإنقاذ والإسلاميين بالسودان منذ أن كان طالباً في جامعة الجزيرة في سنوات التسعينيات والتي كانت تمثل فترة زمنية يقبض فيها الإسلاميون على البلاد بالحديد والنار والتضييق على المعارضين والساعين إلى الديمقراطية بالإعتقالات والتصفية والاغتيالات والتشريد والفصل من الوظائف، اختار بابكر المعارضة بالداخل تلك الفترة منذ أن كان طالباً جامعياً منتظماً في روابط الطلاب الإتحاديين الديمقراطيين وحاز على أعلى الأصوات في انتخابات اتحاد طلاب الجزيرة في بداية التسعينيات حيث كانت المواجهة مع الإسلاميين على أشدها، رابطة الطلاب الاتحاديين كانت هي التنظيم الطلابي للحزب الاتحادي الديمقراطي وقتها، وعُرف في الجامعة بالهدوء والصرامة السياسية والعمل المشترك مع حلفاء تنظيمه السياسي ضمن مواعين التجمع الوطني الديمقراطي والذي كان التحالف الأبرز المناهض لنظام الإسلاميين بالعمل السياسي والكفاح المسلح .
امتداد للإتحاديين العِظام
يمُثل “بابكر فيصل” جيلاً من الاتحاديين قال عنهم السياسي الراحل منصور خالد في سلسلة حواراتٍ أجريت معه العام 2018 : أقصد حزب الاتحاديين بالتحديد الحزب الذي قام على مدرسة أب روف لأنه كان حزباً وطنياً جمع الناس مختلفي الأعراق والهويات وأفكارهم مثل أفكار نهرو انفتاح حتى على العالم ، مضيفاً عبارته الشهيرة ( السياسة عند الاتحاديين فكراً لا تهاوش) ، هذا الوصف الدقيق ينطبق على رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي وعضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير بابكر فيصل وهو امتداد لجيل الاتحاديين العِظام في الهدوء والاتزان والعمل المشترك مع الحلفاء السياسيين والمرونة والصرامة في الوقت نفسه، يستمد ذلك من أجيال الاتحاديين الأوائل حاملاً حكمة الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري و هدوء القائد مبارك زروق .
قيادة التجمع الاتحادي
يقود بابكر فيصل التجمع الاتحادي وهو الحزب الأكثر شباباً وديناميكية وحركةً سياسية والتصاقاً بقضايا المجتمع والجماهير “من بين مجموعات الاتحاديين الذين تشظى حزبهم التأريخي”، وانفتاحاً على القوى السياسية والمدنية المؤيدة لأهداف ثورة ديسمبر المجيدة والانتقال الديمقراطي والتحول المدني، والقضية الأبرز لتحقيق كل ذلك تفكيك نظام 30 يونيو واسترداد الأموال العامة ورفض الانقلابات العسكرية والإصلاح الأمني والعسكري، وتحقيق العدالة والسلام على جميع المستويات، يقف بابكر فيصل وفقاً لتأريخ السياسة السودانية المعاصرة على قيادةِ حزبٍ قدم نموذجاً مُبهراً للبناء التنظيمي والحزبي والسياسي شارك بفاعليةٍ في ثورة ديسمبر المجيدة وقدم شباباً سياسيين لم يبلغوا من عمرهم الثلاثين مثل أيقونة الثورة محمد ناجي الأصم القيادي النقابي وعضو سكرتارية تجمع المهنيين السابق ولجنة أطباء السودان المركزية .
نقد الإسلاميين
اهتم بابكر فيصل بدراسةِ فكر الحركة الإسلامية ومناهجها، فما أنتجه نظام الإنقاذ والإسلاميين في السودان من أزماتٍ اقتصادية وتدمير للموارد الوطنية خاصة المورد البشري بالحروب والنزاعات والعنصرية والتقسيم الاثني والديني وتفتيت اللحمة الوطنية وغلق المجال العام والحياة السياسية إلا على منسوبيه والمتطرفين من الإسلاميين، احتاج من بابكر فيصل الاهتمام والتخصص في دراسة هذه الأنظمة سياسياً واجتماعياً وكيفية تكوينها وتمددها على حساب الدولة والشعب ومصالحه وأمنه القومي والتدخل في شؤون الدول الأخرى، واتجه لإدارة حواراتٍ فكرية وسياسية طويلة ذات طابعٍ أكاديمي وسياسي، كتب مقالاتٍ وأجريت معه لقاءات صحفية – مقروءة ومسموعة ومرئية – سكب فيها عصارة ما اكتسبه من معرفةٍ وتخصصية، منتقداً ومفنداً خطاب الإسلاميين من داخل الرؤية والفكر الإسلامي وطريقة تنظيمهم، وجمع كل هذه المساهمات والكتابات مؤخراً في سفرٍ ضخم عن الإسلام السياسي بعنوان ( في ظلال السلطان.. مجموعة مقالات عن الإسلام السياسي )، وامتدت كتاباته إلى التحليل الاجتماعي والسياسي وكتب عن تحولات الطبقة الوسطى في السودان وهي التي عُرفت انها حاملة الديمقراطية وناقش التحولات التي طرأت عليها خلال السنوات الماضية .
تفكيك نظام 30 يونيو
لم تتوقف أدوار بابكر فيصل عند مجرد نقد الإسلاميين ونظامهم وتمكينهم وابتلاعهم الدولة اقتصاديا وامنياً وسياسياً وتخريب الاقتصاد وعزل السودان عن المجتمع الدولي بدعم الإرهاب والتطرف في المحيط الإقليمي والدولي، بل كان أحد المُنظرين والفاعلين في تفكيك نظام 30 يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة وكان عضواً في مقررية لجنة التفكيك، وتم اعتقاله في مطلع العام 2022 من سلطة انقلاب 25 أكتوبر ، وقام بعملٍ كبير ضمن لجنة التفكيك في إزالة تمكين الإسلاميين خاصة في القطاع الاقتصادي وجهاز الدولة المدني وكان مشرفاً على تصفية شركات النظام البائد، ولطالما تحدث عن أهمية الإصلاح الأمني والعسكري وقضية تعدد الجيوش وضرورة اكمال اتفاق السلام بدمج قوات الحركات المسلحة منذ بداية ثورة ديسمبر المجيدة.
التفاوض مع العسكريين
لعب بابكر فيصل بصفته قيادياً في التجمع الاتحادي وقوى الحرية والتغيير أدواراً كبيرة في اسقاط نظام الإنقاذ وفي التفاوض مع العسكريين لتسليم السلطة إلى المدنيين عقب سقوط البشير وما صاحب ذلك من مواقف العسكريين والتي كان من ضمنها جريمة فض الاعتصام وتلاها لاحقاً العودة إلى التفاوض وتكوين حكومةٍ مدنية تحمل أفكار وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة في 2019 ، وصفه وقتها في كتاب يوثق للثورة السودانية بعنوان ( السودان على طريق المصالحة ) محمد الحسن ولد لباد السفير بالإتحاد الإفريقي والمبعوث الإفريقي للوساطة بين العسكريين والمدنيين ذاكراً أنه ( رجل رزين معتدل لكنه تنتابه أحياناً فورات من الغضب المدوي ، ورواح فيصل بدماثة خلق بين الهدوء والثوران فحقق بذلك مبتغاه إلى حدٍ كبير).
ثم لعب دوراً كبيراً في إطلاق العملية السياسية المفضية إلى انهاء انقلاب 25 والتي انتجت مشروع الدستور الانتقالي والاتفاق السياسي الإطاري والمرحلة النهائية للعملية السياسية في الفترة من 2021 حتى 2023 والتي قطعتها الحرب التي اشعلها الإسلاميون بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 .
الانقلاب والتحذير من الحرب
المرحلة النهائية للعملية السياسية والوصول إلى الاتفاق النهائي وبدء تحولٍ وانتقال ديمقراطي قائم على أهداف ثورة ديسمبر المجيدة هو ماقطعته حرب 15 أبريل، والتي حذر منها بابكر فيصل مراراً وتكراراً قبل نحو سنتين من وقوعها حيث تحدث في ندوةٍ للتجمع الاتحادي بولاية القضارف في 3 يوليو 2021 محذراً من تعدد الجيوش وأهمية دمج قوات الدعم السريع واطلاق عملية إصلاحٍ أمني وعسكري قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وأشار في تلك الندوة إلى تحركاتِ الإسلاميين للانقلاب على الحكومة والفترة الانتقالية وثورة ديسمبر المجيدة .
التحذير من اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي كان هو الحديث الأكثر أهمية الذي انتزع من سياقه الحقيقي من منسوبي نظام المؤتمر الوطني المحلول ، حيث حذر بابكر فيصل من اندلاع الحرب قبيل وقوعها بساعاتٍ فقط ، حيث أنه كان جزءً من فريق التفاوض مع العسكريين طيلة أربع سنوات وعقدت اجتماعات مع قادة طرفي الحرب من أجل التهدئة ولكن يد الإسلاميين كانت الأسرع في اطلاق الطلقة الأولى .
ينحدر بابكر فيصل من أسرة (كشة) المعروفةِ تأريخياً بالعاصمة السودانية الخرطوم وهي من الأسر معلومة الثراء في أوساط أهل الخرطوم القديمة، وُلد ونشأ في شارع البلدية وسط العاصمة في 2 نوفمبر 1969وتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة الخرطوم شرق الابتدائية، ثم الأميرية المتوسطة والخرطوم القديمة الثانوية وتخرج في جامعة الجزيرة كلية الاقتصاد العام 1994 .
نال فيصل ماجستير من معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم وماجستير فض النزاعات من جامعة دنفر كلواردو بالولايات المتحدة الإمريكية العام 2008.
#السودان #انتقال #intigal