رأي

الجيش هو الطَرَف المُدَلّل لـ”تَقدُم” والحرية والتغيير

محمد عصمت يحيى

ظلت الآلة الإعلامية لمعسكر الحرب ومنذ نشوبها في 15 أبريل 2023 تبذل مُستطاعها لترسيخ فكرة إحتضان وموالاة قُوى الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم لقوات الدعم السريع بل سَعت ومعها مكونات مُعسكرِها الحربي دون حَرَج أو حَياء إلي توصيف تنسيقية تَقدُم وقوى الحرية والتغيير كحاضنة وذِراع سياسي للدعم السريع، وهو توصيف تدحضُه الحقائق المُعَاشَة من خلال وجودي الرسمي في أروقة الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم ولَعلَ هذا الأمر هو ما دفعني – رغم يقيني بفُقدانه لأي ذرة من الحقيقة – إلي النشر علي صفحتَيَّ في (X) وفيسبوك بأن الجيش هو الطَرَف المُدَلّل لتنسيقية تَقدُم وقوى الحرية والتغيير، وبعيداً عن التهَاتُر والتهازُؤ والجَدَل والتعليق على ما أثاره المنشور المثير كما وصفه البعض دعُونا نفترِضُه كفَرَضِية قابلة للتقصي والبحث عن صِحته من عدمِها وذلك من خلال مواقف مُوَثقة لقوي الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم.
عند مُطالعَتي لصفحتَيَّ قوى إعلان الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم الرسميتين منذ نشوب الحرب في 15 أبريل 2023 هنالك عديد المُلاحظات المستخلصة التي تدْحَض تُرهات وأباطيل الآلة الإعلامية لمعسكر الحرب أزاء مواقف الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم المُنَادية برفض الحرب والمُحايدة تجاه الطرفين المتقاتلين، غير أن ما خَلُصت إليه هو أن الحياد أيضاً لم يخلُ من بعض المَيْل أو الهوي للجيش ربما لأقدميته كمؤسسة عسكرية أو ربما لأسباب أخري غير معلومة لدي أتمني ألا يكون من بينها الوقوع تحت إبتزاز الآلة الإعلامية لمعسكر الحرب.
إعتمدت في هذه القراءة علي فترة زمنية محددة تبدأ من تاريخ إندلاع الحرب في 2023/4/15 وحتي 2024/7/15 وما ورد فيها من بيانات ومواقف وتصريحات لقوي الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم المنشورة علي صفحتيهما الرسميتين في الفيسبوك بوصفها مَراجِع ومَصادِر رسمية مُوثقة دون إقحام لأي معلومات أو لقاءات أو تصريحات إعلامية لم يَحِن وقت الإشارة إليها أو الإعتماد عليها سيّما وأن المقصود فقط من هذه المَقالة هو تبيين الموقف الرسمي لتنسيقية تَقدُم وقوي الحرية والتغيير وفي ذات الوقت تبيان خَطَل الآلة الإعلامية لمعسكر الحرب وما تَبثُه من أغاليط وما تَشِيعُه من أباطيل حول موقف قوى الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم من الحرب الدائرة الآن وما تريد ترسيخه في أذهان العامة بأن دور القوى السياسية هو التَفرُغ فقط لإصدار البيانات والإدانات في مثل هذه المَحكات من عُمر الدول وحياة الشعوب، بالمرور علي الصفحتَيَّن المُشار لهما خلال الفترة من 15 أبريل 2023 وحتي 15 يوليو 2024 كنطاق زمني لقراءة الموقف نجد بصفحة قوي الحرية والتغيير عدد 28 بيان أو تصريح حول الحرب، أما صفحة تنسيقية تقدم فنجد فيها عدد 19 بيان وذلك لتأخُر نشوء تنسيقية تقدم في أكتوبر 2023 كما أن صفحتها قد تم تدشينها رسمياً في 1 فبراير 2024.
كيما نكون أكثر دِقة ولمساعدة القاريء المُتشكِك في التحقُق مما نقول فقد أصدرت الحرية والتغيير 28 بياناً علي صفحتها الرسمية أولها كان بتاريخ 16 أبريل 2023 وهو بيان يدعو إلي تحكيم صوت العقل دون الإشارة إلي أي إدانة أو إنتهاكات لأي طرف أما البيان الثاني بتاريخ 18 أبريل 2023 فقد تحدث عن عدم التهاون مع الإنتهاكات ومُحاسبة مُقترِفيها فالحرب في بواكيرها آنذاك، أما بقية البيانات تَتَالياً بالأيام :
يومي21 – 29 أبريل، يومي 3 – 14 مايو (هنا تجدر الإشارة إلي بيان ثانٍ بتاريخ 14 مايو يتضمن إعتذار للجيش عن حالات إغتصاب له في الخرطوم بحجة عدم دقتها تم ذكرها في بيان بتاريخ نفس اليوم)، بيانات في أيام 1 – 4 – 15 – 16 يونيو، بيانات في أيام 10- 24 – 26 يوليو وهو بيان وحيد ونادر تضمن الرد علي إتهامات وإساءات الفريق ياسر العطا للحرية والتغيير رغم أنه ومن وجهة نظر الكاتب يستحق بياناً أسبوعياً حول تصريحاته التي لم تتوقف يوماً، بيان في 15 أغسطس، بيان في 16 أكتوبر، بيان في 18 نوفمبر، بيانات في أيام 11 – 16 – 19 – 25 – 29 ديسمبر ، هذه هي جملة البيانات الصادرة في العام 2023، أما البيانات الصادرة في العام 2024 فهي بتاريخ: يومي1 – 18 يناير، يوم 16 فبراير، يوم 15 مارس، يوم 15 أبريل، يوم 30 يونيو 2024.
نستعرض هنا بيانات تنسيقية تَقدُم بعد إنعقاد إجتماعها التحضيري بأديس أبابا في أكتوبر 2023 وبيانها التأسيسي في 26 أكتوبر من نفس العام، 20 ديسمبر 2023، بيان يوم 1 فبراير 2024 ، يومي 9 – 30 مارس، أيام 1 – 4 – 14 – 16 – 22 أبريل، أيام 4 – 8 – 27 – 30 مايو، أيام 15- 20- 21 يونيو 2024. هذه عَدِيد البيانات الرسمية الصادرة من قوى الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم بشأن الحرب خلال الفترة من 15 أبريل 2023 وحتي 15 يوليو 2024 وبالإطلاع المتأني لما تضمنته أورد الملاحظات الآتية عليها:
1. كل هذه البيانات تضمنت إدانات مُغَلّظة للدعم السريع وإتهامات مكرورة بالقتل والسلب والنهب والإغتصاب دون أي تحقُق أو إعتذار كما حدث للجيش في بيان الحرية والتغيير بتاريخ 14 مايو 2023.
2. يلاحظ في كل البيانات أن ترتيب الإدانات المُفَصّلة والمُقَوْلبة حسب الآلة الإعلامية لمعسكر الحرب (قتل،سلب، نهب ،إغتصاب) تأتي أولاً من نصيب قوات الدعم السريع ثم من بعدها يأتي الجيش وهذا الترتيب في كل البيانات
3.تَجاهُل قوي الحرية والتغيير وتنسيقية تَقدُم في بياناتها لأحداث بشعة مثل قطع الرؤوس والتهليل بها وسلخ أجساد البشر أحياء وبَقْر بطونهم ومضغ الأكباد وسحل الجُثث في أمدرمان والجزبرة والأبيض والفاشر.. إلخ والتي تتم بلباس الجيش وبإشراف وتشجيع قياداته الميدانية ورغم تكرارها لم يُشَر لها إلا في بيان واحد بتاريخ 16 فبراير 2024.
4. بتاريخ 16 يونيو 2023 صدر بيان للحرية والتغيير بإدانة الدعم السريع وتحميله مسؤولية إعتقال والي غرب دارفور وإغتياله رغم نُكران الدعم السريع لذلك بل ومُطالبته بلجنة تحقيق مستقلة بمشاركة دولية وإقليمية.
5. تَجاهُل الإتهامات والإساءات النابية المتكررة بلسان قيادات الجيش العليا لقيادات قَحت وتَقدُم وعدم الرد عليها إلا مرة واحدة فقط تم الرد فيها علي الفريق ياسر العطا بتاريخ 26 يوليو 2023.
6.الإدانة المنفردة الوحيدة للجيش كانت في بيان يتيم بتاريخ 20 يونيو 2024 حول أحداث القرية 32 بمحلية أم القرى والتي شهدت تصفية مواطنين عُزَّل بواسطة الجيش وهذا يحدث لأول مرة حتي تاريخ كتابة هذا المقال.
7. التَجاهُل غير المُبَرر للإعلان الموقع بين تنسيقية تَقدُم وقوات الدعم السريع في 2 يناير 2024 وعدم التصدي للدفاع عنه رغم ما ورد فيه من إلتزامات من جانب الدعم السريع وأهمها وحدة البلاد أرضاً وشعباً والوقف الفوري للعدائيات وغير المشروط عبر التفاوض مع الجيش، تهيئة الأجواء لعودة المواطنين/ات إلي بيوتهم، اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻲ ﺷـﻜﻠﮭﺎ ﻣﺠﻠﺲ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴـﺎن ﺑﻤﺎ ﯾﻀـﻤﻦ ﻛﺸـﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ وإﻧﺼﺎف اﻟﻀﺤﺎﯾﺎ وﻣﺤﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻨﺘﮭﻜﯿﻦ، ﺗﺸـﻜﯿﻞ ﻟﺠﻨﺔ وطﻨﯿﺔ ﻣﺴـﺘﻘﻠﺔ ذات ﻣﺼـﺪاﻗﯿﺔ ﻟﺮﺻـﺪ ﻛﺎﻓﺔ الإﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺴـﻮدان وﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻋﻦ إرﺗﻜﺎﺑﮭﺎ وذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﮭﻢ، ﺗﺸﻜﯿﻞ ﻟﺠﻨﺔ ذات ﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ ﻟﻜﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺣﻮل ﻣﻦ أﺷﻌﻞ اﻟﺤﺮب ثم وفائه بإطلاق سراح الأسري الذين رفض الجيش إستلامهم وتَعهُدات بفتح المسارات لإيصال المساعدات وما حدث في جنيف قبل أيام ليس ببعيد.
8.التغاضي عن الخراب والدمار والقتل وحجم الترويع الذي يحدثه قصف طيران الجيش في المناطق التي يستهدفها، فما تم رصده من خلال الميديا والتواصل الخاص خلال هذه الفترة بلغ عدد عمليات قصف الطيران حوالي 79 عملية قصف كان أبشعها قصف مدينة نيالا بتاريخ 29 ديسمبر 2023 والذي خَلّف 141 قتيل عدا الخراب والدمار ورغم ذلك وفي كل البيانات يأتي ذكره مُجمَلاً ومُخَففاً دون التطرق لتفاصيله كعدد الضحايا أو حجم الدمار بل دائماً يأتي ملحُوقاً بإدانة الدعم السريع.
9. يُلاحظ من خلال البيانات والتصريحات الإشارة إلي طرف ثالث بغرض تحميله مسؤولية نشوب الحرب وما تَرَتَب عليها إستبطاناً لفكرة مفادها هي تبرئة الجيش وقيادته من حالة الذوبان السياسي والعسكري والإعلامي مع جماعة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما.

أخيراً رغم النشاط المحموم لآلة معسكر الحرب في تجريم تنسيقية تَقدُم وتحالف الحرية والتغيير إلا أننا نشهد تَساقُط سرديات تجريمها يوماً بعد يوم بفضل الوعي الذي تتنامي معدلاته بذات الوتيرة ولكن هذا التساقُط لن يُبطرنا إذ أن التصدي لها ولسُمِّها الزُعاف يظل هو فَرْض عَيْن علي كل مواطن ومواطنة مهموم بوحدة بلادِه ومغموم من تمزُق شعبِه، ولنَعِي جيّداً أن الحروب الإعلامية الكذُوبة هي قصيرة المدى وقريبة النهايات فربما تطمر الحقيقة زمناً لكنها تذهب سريعاً لأنها تحمل عوامل تعريتها في باطنها وفي ظاهرها.

#انتقال#intigal

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى